مضى على عقد المؤتمر الذي أقر ميثاق العمل الوطني في لندن في آب 2002 مدة ثلاث سنوات. واليوم نستطيع القول أن ما تم انجازه في هدا المؤتمر يمكن اعتباره من حيث المبدأ خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، كونه من ناحية جمع قوى وممثلين لاتجاهات سياسية وفكرية تمثيلية للعديد من مكونات الطيف السياسي ذي الجذور على الساحة السورية من قوى اسلامية، قومية، ماركسية وغيرها، ومن ناحية آخرى برهن على إمكانية إتفاق هذه القوى على برنامج موّحد للمعارضة على أرضية المصلحة الوطنية للخلاص من نظام القهر والاستبداد والخراب الوطني الشامل للوصول إلى نظام تعددي ديمقراطي.
أعود للتأكيد بأن هذا لم يعْدُ كونه خطوة أولى في مسيرة طويلة، كان يجب أن يعقبها عمل جاد ومثابر في السعي للاتصال بجميع القوى الوطنية التي لم تكن ممثلة في هذا المؤتمر لخوض حوار وتقريب وجهات النظر معها وتوسيع أو تعديل ميثاق العمل الوطني هذا كي يستوعب رؤيتها و يساعدها في التصدي لواجبها الوطني في خوض معركة التغيير.

بكلام آخر، كانت المهمة هي البحث عن القاسم المشترك لجميع القوى المعنية بالتغيير الديمقراطي داخل وخارج الوطن وجمعها في جبهة معارضة شاملة، وتحييد أو تأجيل التناقضات بين هذه القوى ذات الأصول الفكرية ( العقائدية ) والسياسية المختلفة إلى ما بعد تحقيق المصلحة المشتركة المتمثلة بعملية التغيير.

غير أن ما جرى على أرض الواقع كان للأسف في واد آخر. فما حصل بعد ذلك، كان مجموعة من المبادرات والنشاطات الخارجة عن أي إطار منهجي بمعنى أنها لم تستند إلى أرضية توحيدية لقوى التغيير بل على العكس من ذلك، فقد زادت في كثير من الأحيان من التمايز والخلاف داخلها، وفي كثير من الأحيان كان مبعث هذه المبادرات مصالح ضيقة لا تلبي الحاجة الملحة للبحث عن المشترك وتجنب الدخول في صراعات ثانوية على حساب القضية رقم واحد وهي قضية التغيير.

إن المتتبع للحراك السياسي للمعارضة، خلال الاعوام الثلاث السابقة، لا بد أن يسجل أن الانقسام والتشتت والصراع البيني كانت السمات البارزة في نشاط المعارضة. فقد برزت تصنيفات من مثل المعارضة في الداخل وأخرى في الخارج، معارضة وطنية و أخرى لا تتمتع بهذه الصفة، وقد دارت مواجهات بين صفوف المعارضين على صفحات الجرائد وبرامج الفضائيات لابراز محاسن ووطنية طرف وعكس ذلك في الطرف الآخر، كما بدأت تنشأ أحزاب وحركات معارضة كما الفطر بعد المطر.

أيضاًً كثرت الطروحات المعارضة التي تستند إلى أرضية فئوية أوطائفية. كل تلك الظواهر تلقت تشجيعاً وإبرازاً من وسائل الإعلام ذات النفوذ والتأثير لأنها في أغلب الأحيان تخدم السيناريوهات المعدة لوطننا والمنطقة بشكل عام، والتي لا هم لها سوى الإمعان في التجزئة والتقسيم لصالح استمرار الهيمنة الامبريالية والصهيونية في المنطقة.

لم أقصد فيما سبق وذكرت أن أوجه إتهاماً أو تشكيكاً بأحد، بقدر ما أردت أن أشير إلى حالة مرضية في الأداء وفي الفعل السياسي، كان من نتائجها إفقاد المعارضة جزءاً من مصداقيتها على الأقل، ومنح النظام هدنة بلا مقابل لانشغال الأطراف بالصراع البيني إلى حد ما.
وقد جعل هذا الوضع العديد من اتباع المعارضة في حيرة أو في وضع لا يتيح لهم ممارسة دور فعال ضمن إطار منهجي لتحقيق غاية التغيير المنشود، و باختصار يمكنني القول بأن المعارضة أضاعت مجموعة من الفرص لتحقيق تراكمات كمية في مصلحة التغيير النوعي المطلوب.
لِما حصل طبعاً بعض الاسباب الموضوعية، وأذكر منها على سبيل المثال وضع المعارضة داخل الوطن، كونها محاطة بقواعد النظام وخطوطه الحمراء، التي تختصر هامش الحركة لهذه المعارضة إلى الحدود الدنيا وحيث أن النظام قد أشهر أسلحته القمعية التقليدية حال إحساسه بأي خطر ناجم عن نشاط هذا الجزء من المعارضة.

من ناحية ثانية قد لا يخفى عن الكثير مصلحة القوى الدولية المهيمنة في الحؤول دون تحقيق وفاق بين أطراف المعارضة على أرضية المصلحة الوطنية الخالصة، كونهم يسعون إلى التأثير في مجريات الأمور بحيث يكون التغيير القادم وفق السيناريو الذي يعدون ولمصلحة أجندتهم. هذا لا يتفق بالطبع مع أجندة وطنية تقوم على أساس وفاق وطني عريض.

من جانب آخر لا يمكن أن لا نستنتج أن الحؤول دون وفاق المعارضة هو مصلحة ثابتة للنظام، وهو في ذلك يلتقي مبدئياً و مصلحياً مع القوى الدولية السابقة الذكر.

أما بصدد العوامل الذاتية، التي لا زالت تحول دون لقاء ووفاق المعارضة حسب رأيي، رغم إقراري سلفاً بعدم الإحاطة بكل جوانب هذا الموضوع، فإنني سأذكر بعض الطروحات والمقولات التي تلجم أداء المعارضة أو توجهه نحو التضارب وعدم الإنسجام ويؤدي بالتالي إلى حالة اللافعل بإتجاه التغيير:

- مسألة أو مقولة إصلاح النظام :

هذه المقولة تنبع من قراءة غير صحيحة لطبيعة هذا النظام من ناحية، وخلط لمفهومي النظام والسلطة من ناحية أخرى ( السلطة هي أداة النظام ). لن أخوض طويلاً في محاولة توصيف هذا النظام، حتى أخرج إلى النتيجة التي مفادها أن هذا النظام غير قابل للإصلاح ولكن أكتفي بالتأكيد بأني على ثقة تامة بأن أحداً من جهابذة المعارضة لن يستطيع أن يقنع أحداً من رؤوس النظام، ممن أغدقوا على شعبهم بكل وسائل القمع والتنكيل واستباحوا خيرات ومقدسات وطنهم بلا رقيب أو وازع ضمير وتآمروا عليه مع الأعداء، بأن له مصلحة في التغيير.

إن سقوط الأحكام العرفية وقانون الطوارئ وإحلال التعددية هو سقوط ناجز للنظام وهو ما لن يتم بالإتفاق معه.

- موضوعة الإستقواء بالأجنبي :

لا شك أن موضوعة عدم الإستقواء بالأجنبي هي على درجة من الأهمية الإيجابية إن هي وضعت في إطارها الصحيح، بمعنى تفادي الوقوع في مطب أن تكون المعارضة مطيّة ووسيلة لترويج وتنفيذ أجندة القوى الدولية المهيمنة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وإدارتها المنخورة باللوبي الصهيوني.

لكن وفي اللحظة التي توضع فيها هذه المقولة في وضع تستغل فيه لإلباس أطراف من المعارضة لباس العمالة للأجنبي ولدق إسافين تحول دون الحوار بين أطرافها وتحقيق نوع من الوفاق بينها، فسيصبح هذا بمثابة حق يراد به باطل.

كذلك يحصل إن وُضعت هذه المقولة في إطار يصوّر فيه الصراع هنا على أنه صراع بين دولة إمبريالية مهيمنة ذات طبيعة عدوانية تسعى لفرض إرادتها على نظام ذي طابع ديكتاتوري لكنه يتمسك بثوابت وطنية وقومية، أي أنه نظام وطني. وإذاً فعلينا أن نختار بين أن نقبل بهذا النظام أو نقع تحت الهيمنة الإمبريالية المباشرة، تماماً كما حصل في العراق على سبيل المثال. إن فهماً ومنطقاً كهذا يقود إلى أوهام ومواقف سياسية خاطئة.

إن إتهام أي طرف من المعارضة، وفي وقت تفتقد فيه هذه المعارضة أي برنامج توافقي للخلاص الوطني يحدد معالم وحدود القضية الوطنية، لهو أمر ضار ومرفوض وهنا أود أن أوكد بأن فرداً أو طرفاً مستقلاً في المعارضة لا يستطيع أن يدعي بأن فهمه ونهجه يرسمان حدود القضية الوطنية وهو بالتالي يملك حق أن يشير بإصبع الإتهام لمن هو خارج هذا الفهم.

- الولايات المتحدة الأمريكية والنظام السوري :

لا شك بأن الموقف من الولايات المتحدة الأمريكية ومشروعها الشرق أوسطي يشكل نقطة عدم إتفاق بين صفوف المعارضة، وفيما يلي سأطرح رؤية تحليلية لواقع العلاقة مع الولايات المتحدة والموقف المطلوب منها بما يتناسب ومصلحتنا الوطنية من وجهة نظري :
إن أي متتبع للتاريخ الحديث للمنطقة العربية، وخلال عدة عقود، لا بد أن يصل إلى نتيجة مفادها أن الولايات المتحدة كانت ولاتزال في موقع العدو لمصالح ومطامح وأحلام شعوب المنطقة. هذا أمر لم نختره نحن ( شعوب المنطقة ) بل هو أمر مفروض.

إن حالة العداء هذه لها مصدران رئيسيان : ( الترتيب فيما يلي ليس بحسب الأهمية ) المصدر الأول ينبع من النفوذ الأخطبوطي للمافيا الصهيونية في كل مفاصل صنع القرار وصناعة الرأي العام في الولايات المتحدة. هذا المصدر يمنح حالة العداء طابعاً عدوانياً عنصرياً شمولياً بسبب الطبيعة العنصرية العدوانية للمشروع الصهيوني والتي أصبحت الولايات المتحدة عرّابه الرئيسي.
المصدر الثاني له أساس براغماتي محض، كون الولايات المتحدة تحوز على مصالح اقتصادية وجيوسياسية كبرى في المنطقة وهي ذات طابع استراتيجي بالنسبة لها، لكنها ( أي المصالح ) في تناقض جذري مع مصالح شعوب المنطقة. التناقض هنا ينبع من حقيقة أن هذه المصالح تم إحرازها أصلاً بشكل قرصني وبتواطئ تاريخي للنظام العربي الحاكم تم بموجبه منح الولايات المتحدة هذا الحجم الهائل من المصالح على حساب شعوب المنطقة، مقابل ترك هذا النظام يقوم بتثبيت دعائم بقائه واستمراره، وبغض النظر عن قذارة وسائل التدعيم هذه، طالما هو يقوم بدوره في تأمين تلك المصالح وإيقاف عجلة التطور الطبيعي لدول المنطقة.

النظام السوري لا يمثل حالة شاذة بشأن ما ذكرته عن النظام العربي بل على العكس من ذلك، فقد اضطلع تاريخياً، وبشكل خاص منذ حسم الصراع داخل السلطة في دمشق لصالح حافظ الأسد، بدور إقليمي على قدر هام من الخطورة بما يتعلق بالصراع الدائر في المنطقة وهو بمجمله في الطرف النقيض لمصالح الشعب السوري وشعوب المنطقة.

وبلا شك فإن ذلك الدور الإقليمي في حينه كان نتيجة أداء النظام اللاوطني واللاقومي ولمصلحة القوى الدولية المهيمنة. وهو يدرك ( أي النظام ) أن بقاءه مرهونٌ بتمكنه من تلبية ما يطلب منه من أدوار في مصلحة من يُعدّون سناريوهات المنطقة وهو بسبب من طبيعته لن يتوان عن القيام بذلك.

بالاستناد إلى ماسبق ذكره في هذا الصدد يمكن القول أن الولايات المتحدة الأمريكية وبالنظر إلى مصالحها ليست في حالة تناقض لا مع النظام العربي ولا مع النظام القائم في سوريا وإنما لم تعد بحاجة إليه وإلى دوره الإقليمي الذي نيط به كما في السابق، هذا من جانب، ومن جانب آخر ليس من مصلحتها أن تبدو متواطئة مع مثل هذا النظام سواء أمام جمهورها أم أمام جماهير الشعب السوري وشعوب المنطقة وهي في ذلك تلتقي أيضاً مع مصلحة النظام، الذي يريد بدوره أن يظهر على الدوام بأنه في حالة من العداء مع سياسة الولايات المتحدة، لاسباغ مظهر وطني مستقل على طبيعته اللاوطنية، وهو ما كان تاريخياً، من ثوابت سياسته خلال عقود.
الولايات المتحدة تدرك أن نظاماً كالنظام السوري، ورغم ما قدمه ويقدمه من خدمات جلى لها، لا يمكن الحفاظ عليه في عصر الفضائيات والإنترنيت إلى أمد طويل وهي بلا شك لن تستعجل الإعلان عن وفاته، لكنها بلا شك أيضاً بصدد انتاج البديل وإعداده.

ورغم الإمكانيات الضخمة للسياسة الأمريكية في المنطقة، لا يجوز أن لا نرى بأنها لا تملك كل أوراق اللعب، وأن هناك هامشاً مهماً لدى المعارضة، في حال اتضحت لديها الرؤيا وصدقت النوايا، للقيام بدور أساسي في التغيير تستفيد فيه من معطيات الوضع الجديد في الإعداد لتغيير وفق أجندة وطنية توافقية تجنب وطننا خوض تجربة كارثية كتجربة العراق الشقيق وهذا مرهون شرطاً بوحدة المعارضة في مهمة التغيير وتمكنها من مخاطبة واستقطاب الشارع السوري بشكل موحد.

إن المواجهة الجدية للمشاريع الامبريالية لا يتمثل برفض ما يدَّعوا أنهم بصدده أي إحداث التغيير الديمقراطي في المنطقة، وإنما في الإعداد المخلص والسعي المواظب لحشد تراكمات تسهم في تغيير ميزان القوى لصالح المعارضة، وانضاج ظروف لتغيير ديمقراطي وفق أجندتنا الوطنية. بكلمة أخرى، في العلاقة مع الولايات المتحدة بشكل خاص، وفي زمن القطب الواحد، ليس علينا التمسك بإشهار حالة العداء بشكل دائم وبحيث ننسى أن نتحرى فيه أين تكمن مصلحتنا الوطنية، ولكن على العكس، علينا أن نبدأ بإدراك مصلحتنا ومن ثم ننظر إلى كيفية التعامل مع الولايات المتحدة دون أن نسقط من اعتبارنا أنها اللاعب الأساسي في المنطقة.

في هذا الصدد يمكن الإشارة الى أداء المعارضة اللبنانية مطلع هذا العام، على إثر إغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، في جانبين منه سواء بما ينعلق بتوحيد صفوفها لتحقيق مصلحة مشتركة من ناحية، وتمكنها من مخاطبة الشارع اللبناني وإستنهاضه من ناحية ثانية. إن في هذه التجربة عبرة هامة يمكن ويجب ان تؤخذ بعين الإعتبار.

إذا كنت قد أشرت فيما سبق لبعض المقولات والمواقف السياسية التي تشكل عقبات أمام لقاء المعارضة تحت سقف برنامج خلاص وطني توافقي، فإنني فيما يلي سأقوم بمحاولة لرصد الجوانب المشتركة في طروحات مختلف أطراف هذه المعارضة :

جميع أطراف المعارضة متفقة على مبدأ تغيير النظام القائم من نظام استبدادي أمني إلى نظام تعددي ديمقراطي يلتزم باحترام حقوق الإنسان، يلتزم باللجوء إلى صناديق الانتخاب، يفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضاء..... الخ ورغم أن بعض الأطراف تطلق على هذا التغيير تسمية مختلفة مثل الإصلاح ( وهي تسمية غير صحيحة، لأن الإصلاح لا يتناول طبيعة النظام )، إلا أن المضمون بلا شك واحد.

جميع أطراف المعارضة متفقة أيضاً على أن الطريق لبلوغ غاية التغيير هو الطريق السلمي اللا إنقلابي واللا عنفي، طريق استنهاض الشارع السوري لأخذ دوره في هذه العملية.

الجميع متفقون على ضرورة أن تكون المؤسسة العسكرية والأمنية في موقع الدفاع عن تراب الوطن وأمنه، لا أن تكون درعاً للنظام أو السلطة أو أن تكون موجهة ضد أبناء الوطن.
الجميع يعلن إلتزامه بتحرير الجولان المحتل ورفض التفريط به.
الإعتراف بالحقوق القومية والدينية للأقليات، واعتماد مبدأ المساواة في المواطنة.

ورغم قناعتي بأنه قد توجد نقاط مشتركة أخرى تجمع قوى المعارضة السورية إن اجتمعوا إلى مائدة الحوار، إلا أن ما ذكرته آنفاً يصلح أن يكون أساساً لبرنامج مرحلي موحد للمعارضة. وكنتيجة لذلك يمكن القول بأن الشرط الموضوعي للقاء والإتفاق متوفر، والمطلوب إذاً هو تجاوز الذات الشخصية والحزبية والعقائدية، ولو بشكل مرحلي، لمواجهة تحدي مشترك للجميع أعتقد أنه تحدي يتناول وجودنا كشعب وأمة.

لا أسوق هذا من باب التهويل، لكن تجربة العراق الشقيق والمحنة التي يمر بها توضح لنا ماهية المآل الذي قد يصيبنا إن استمرينا في حالة اللا فعل، أو تركنا فعلنا المعارض على حالته من التعارض والتصادم.

العراق الشقيق عاش تجربة تكاد تكون متطابقة مع تجربتنا في سوريا ( دكتاتور مطلق، نظام أمني استبدادي مقنّع بسلطة لحزب عقائدي، قوانين طوارئ بصلاحيات مطلقة، ممارسات قمعية تصفوية ومجازر جماعية بربرية، اضطهاد قومي للأقليات، فساد وإفساد منهجي لكل مناحي الحياة، تمييز طائفي زرع جذور الشقاق في المجتمع.... الخ )، ولا عجب في هذا التطابق، فالذي أعد هذين النظامين وأمن بقاءهما لعقود طويلة هو جهة واحدة، وليس من الغريب إذاً أن يكون السناريو المعد لنا مشابهاً.

إن مأساة العراق الحالية لا تتمثل حصراً في وقوعه تحت الاحتلال الأمريكي العسكري فهذا لا بد أن يزول، لكنها تكمن أساساً، حسب رأيي، بالشرخ الكبير في المجتمع العراقي بين مكوناته القومية والدينية والمذهبية وحتى العشائرية. وهو ما جرى ويجري تعميمه من قبل جميع القوى المعادية للشعب العراقي وشعوب المنطقة الأخرى من أمريكان وصهاينة، من أنظمة القهر والاستبداد في المنطقة وقوى الظلام والتعصب والإجرام والتي تحاول أن تمنح إجرامها مشروعية دينية إسلامية.

هذا الشرخ هو الذي يكرس سياسة فرق تسد ويجعل مكونات هذا الشعب الآنفة الذكر تدين بالولاء أولاً للانتماء القومي أو المذهبي أو العشائري، بدل أن يكون الولاء الأول والأوحد للجميع هو الوطن والمصلحة الوطنية العليا.

ليس لدي من الأسباب ما يجعلني أعتقد بأن السيناريو المعد لنا سيكون مختلفاً أو مختلفاً جداً عمّا أُعد للعراق الشقيق. وأعتقد أن طبيعة الصراع الدائر في المنطقة لا يتيح في الوقت الراهن ولا في المستقبل المنظور، إمكانية الخيار بين بدائل ومشاريع جيدة وأخرى سيئة، فالبدائل المطروحة أو التي يجري طبخها في مطابخ السياسة الدولية هي سيئة وأقل أو أكثر سوءاً فحسب، والبديل الوحيد الجيد هو الذي نطبخه ( أو نساهم في طبخه على الأقل ) ونعده نحن أصحاب المصلحة في التغيير أي أبناء الشعب السوري.

إن التغيير في سورية أمر حتمي وهو واقع لا محالة، إنه مسألة وقت وثمن. الزمن قد يقصر أو يطول تبعاً لعوامل عدة من أهمها، إن شئنا أن يكون التغيير وفق أجندة وطنية، أن يتم تحول في ميزان القوى لصال قوى التغيير وإضعاف مواقع ووزن القوى التي تتمسك بهذا النظام. ولا سبيل لتحقيق مثل هذا التغيير في ميزان القوى بين النظام والمعارضة بدون تحقيق اللقاء لهذ المعارضة.

أما الثمن فهو أيضاً مرهون بأداء هذه المعارضة، آمل أن نوفق بمساعدة شعبنا في سورية كي لا يضطر لدفع ثمن باهظ كشعبنا الشقيق في العراق.

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)