لمناسبة الضجة التي تدور حول السلاح الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية في لبنان، لنسأل أولاً: من هم المتمسكون بالسلاح الفلسطيني في لبنان؟ إنهم بعض الفصائل التي تعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) خائناً، أو في أحسن الأحوال مفرّطاً بالحقوق الفلسطينية!!

أحمد جبريل، وقادة الفصائل الفلسطينية الملتزمة سوريا أكثر مما هي فلسطينيا، يريدون المحافظة على السلاح الفلسطيني في لبنان لصد عدوان صهيوني محتمل.

أولاً، هل إذا اعتدت إسرائيل على لبنان، سوف يصدها السلاح الفلسطيني هناك؟! لماذا لا يصدها الجيش اللبناني؟ لماذا لا يصدها جيش الشقيقة سوريا؟ لماذا لا يصدها العرب جميعاً؟ أحقاً المسلحون الفلسطينيون في المخيمات هم الذين يحمون لبنان من غزو إسرائيلي؟

ثانياً، أليس هناك إحتمال أن تقوم إسرائيل بعدوان على سوريا؟ الم تنفذ إسرائيل عملية إغتيال لقادة فلسطينيين في قلب دمشق الشام؟ إذن، لماذا لا يكون ثمة سلاح فلسطيني في أيدي الفلسطينيين في مخيم اليرموك في دمشق؟ لماذا لا يكون الفلسطينيون في سوريا مسلحين لصد أي عدوان صهيوني محتمل؟

لماذا لا يكون المطلب منح الفلسطينيين في كل الدول العربية حق حمل السلاح للدفاع عن النفس، في لبنان وسوريا والأردن ومصر والعراق والسعودية؟ لماذا فقط في لبنان هناك حاجة قومية للإبقاء على السلاح الفلسطيني؟

عندما زار الرئيس الفلسطيني العاصمة اللبنانية والتقى قادة لبنان، سمعناه يطالب بحقوق مدنية للاجئين الفلسطينيين، وقال أن الفلسطينيين في لبنان "ضيوف عند الأخوة" يحترم كل منهم القانون اللبناني ويحترم السيادة اللبنانية، وطالب بتسهيلات أساسية لهم للعمل والسكن، وقال أننا نرفض التجنيس للفلسطينيين، فوطنهم هو فلسطين.

إن مطلب السلاح الفلسطيني في لبنان يهدف إلى إحراج السلطة اللبنانية الجديدة التي استعادت سيادة لبنان وتريد بسط السيادة فوق أرضها. ولكنه في الوقت ذاته مطلب يهدف إلى إحراج السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة محمود عباس. وإذا كانت استراتيجية السلطة الوطنية الفلسطينية هي التفاوض للسلام مع إسرائيل، اليس كل مما يخرب على هذه الإستراتيجية مناقضاً للمصلحة الوطنية الفلسطينية؟

هل يجوز استخدام الفلسطينيين في لبنان (والسلاح في أيديهم) ورقة ضغط على الولايات المتحدة لكي تخفف الضغط على سوريا؟ هل من مصلحة الفلسطينيين تحدّي السلطة الوطنية الرسمية اللبنانية، بإقامة المعسكرات المسلحة داخل المخيمات الفلسطينية؟

إلى متى تظل القضية الفلسطينية ورقة من أوراق اللعب في أيدي هذا النظام العربي أو ذاك؟ أليست سيادة لبنان وأمنه ووحدانية السلطة فيه واستقراره وازدهاره- مصلحة فلسطينية أيضاً ومصلحة عربية عامة؟

من المؤسف، أن نلاحظ من ناحية استمرار التجارة بالشعارات القومية "دفاعاً" عن فلسطين، وفي الوقت نفسه نلاحظ تفريطاً معيباً، وكسراً للتضامن العربي وإضعافاً للموقف الفلسطيني. فقد قررت إحدى الدول العربية اخيراً دفن المقاطعة العربية لإسرائيل والسماح رسمياً بدخول البضائع الإسرائيلية إليها، وذلك تجاوباً مع الإرادة الأميركية السامية!

وسمعنا سيلفان شالوم، وزير الخارجية الإسرائيلي يعلن في زهو ونشوة، أن هناك عشر دول عربية مستعدة للسلام مع إسرائيل، وفي يقيننا أن بين هذه الدول العربية سوريا أيضاً، إذا كان هذا السلام يعيد لها الجولان السوري المحتل.

إذن، الدول العربية مستعدة - بشروط- للسلام مع إسرائيل، فلماذا تزحف الأنظمة العربية على بطونها تقرباً من أميركا وإسرائيل وتعطي الفلسطينيين أوهاماً لمواصلة العمل المسلح حتى دحر العدو الصهيوني وتحرير فلسطين "من النهر إلى البحر"؟

كلنا نذكر كيف كان صدام حسين يعلن في هدوء، ان الهدف هو تحرير فلسطين "من البحر إلى النهر" وتنظيف فلسطين كلها من الكيان الصهيوني، وعند الإمتحان، لم يتمكن من استخدام سلاحه لقتل الذين جاؤوا لإعتقاله في المخبأ ولا لقتل نفسه، حتى لا يقع ذليلاً في أيدي القتلة الأميركيين. إن مصير صدام في تطرفه "القومي العام" وفي تطرفه إزاء القضية الفلسطينية هو نموذج وعبرة على اين يؤول التطرف "القومجي”. إن الشعارات المتطرفة، عادةً ما تكون منزلقاً للمصائر المأسوية.

هذه هي عبرة المأساة الفلسطينية خلال المئة سنة الأخيرة. كنا كلما ابتلينا بهزيمة زادت شعاراتنا تطرفاً، وكانت الأنظمة العربية تحض الفلسطينيين على القتال، كلما ابتلي الفلسطينيون باحتلال جديد.

إن "إزدواجية" الموقف الرسمي العربي تحولت كارثة قومية مزمنة، فقد خلقت شرخاً سياسياً ونفسياً في الأمة العربية، وخلقت حالة مرضية مفادها أن المرجو صار بديلاً من المعقول والممكن.

ما يطلبه شعب فلسطين من كل الدول العربية هو عدم السرعة أكثر من الفلسطينيين للسلام مع إسرائيل، هو دعم القيادة الفلسطينية والإلتفاف حولها دعماً سياسياً ومادياً، ودعماً حقيقياً في الساحة الدولية.

الشعب الفلسطيني، شبع خلال قرن من المآسي، من النفاق القومي ويريد الآن دعماً حقيقياً صادقاً لحل عادل، وممكن، للمأساة الفلسطينية، وهذا الحل، هو إقامة دولة فلسطينية على جزء من فلسطين التاريخية، وقد يكون البديل من هذا الصراع– ضياع كل فلسطين.

مصادر
النهار (لبنان)