تأكدت عند خزنة (إيلاف) معلومات من مصادر متطابقة في لندن ودمشق وعواصم المنطقة التي تتابع الشأن السوري والضغوط الغربية ضد دمشق، أن الرئيس السوري بشار الأسد وافق على تقديم ستة من اركان قيادة أجهزة الاستخبارات والمخابرات للجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي الألماني ديتليف ميليس وعلى رأس هؤلاء اللواء آصف شوكت رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الذي يوصف بأنه اقوى رجل في النظام. وقالت المعلومات أن الرئيس بشار الأسد الذي يسعى جاهدا لإدامة نظامه يضحي هذه المرة بالصهر شوكت مقابل عدم تقديم الشقيق القوي هو الآخر العقيد ماهر الأسد قائد الحرس الجمهوري للجنة التحقيق الدولية.

واشارت المصادر في تحليلها أمام (إيلاف) لواقع الحال الراهن في سورية إلى أن الرئيس بشار الأسد الذي ظل للأسابيع الأخيرة الماضية يتشاور عن كثب مع حلفاء له وأصدقاء في المنطقة العربية والغرب "توصل إلى قناعة نهائية وهي التضحية بالصهر آصف شوكت والرجال الخمسة الآخرين، بدا أن يضحي بالنظام كله".

وقالت أن الرئيس حمى شقيقه ماهر من المثول أمام اللجنة "حيث مثل هذا القرار قد يقود في ختام المطاف أن يمثل الرئيس بشار أمام لجنة التحقيق"، وهنا أشارت المصادر في تحليلها إلى أن الحكم في دمشق في قراراته هذا "إنما يستند قبل كل شيء إلى قرار طائفي من المجلس الأعلى للطائفة العلوية الذي ظل للسنوات الخمس والثلاثين الماضية يتدخل في أي قرار كبير له نتائج ذات دلالات بالغة".

وتقول تلك المصادر "أن الحكم في دمشق ضحى في السابق بوزير الداخلية اللواء غازي كنعان الذي تم نحره بقرار طائفي ورسمي من بعد ذلك، والآن يستعد للتضحية بكبش فداء جديد من ذات الطائفة هو الصهر آصف شوكت زوج السيدة بشرى الابنة الوحيدة للرئيس الراحل حافظ الأسد"، ولكن مع الحفاظ عليه حيا من دون نحر او اغتيال.

يذكر أن العلاقات كانت سيئة على الدوام ما بين الصهر آصف شوكت والعقيد ماهر الأسد الذي كان أطلق عليه النار في منتصف تسعينيات القرن الفائت، حين تجاوز شوكت حدوده في الكلام ضد الفريق رفعت الأسد عم الرئيس السوري الذي يعيش في المنفى حاليا ويطمح للعودة بناء على برنامج مصالحة عريض، على أن أطراف المعارضة السورية في الخارج والداخل ترفض مثل هذه العودة "لمواقفها الرافضة للفريق رفعت الأسد الذي توجه غليه اتهامات كثرة في ممارسات دموية ضد الشعب السوري وانتهاكات لحقوق الإنسان".

ومن بين تلك الاتهامات، تلك المجازر الدموية التي كانت ارتكبت في كل من حماة وحلب في مطلع ثمانينيات القرن الفائت التي تتهم بتنفيذها قوات سرايا الدفاع التي كان يقودها نائب الرئيس السابق الدكتور رفعت الأسد.

يشار إلى أن تقارير صحافية نشرت على مواقع الكترونية عديدة توقعت في وقت سابق قيام الرئيس بشار الأسد بانقلاب داخلي على رموز النظام وبطلب من الولايات المتحدة التي آثرت وفق هذه التقارير، آثرت أن يقوم النظام السوري بإعادة إنتاج نفسه على أن تأتي قوى اسلامية معارضة للحكم أو حصول فوضى مشابهة للفوضى العراقية.

ويبدو بحسب مراقبي الشأن السوري والمؤيدين لوجهة النظر القائلة بإعادة إنتاج النظام أن إبعاد اللواء بهجت سليمان في المخابرات السورية كرئيس للفرع الداخلي في المخابرات العامة، ومن ثم انتحار اللواء غازي كنعان وكما تسرب سابقا حول إقصاء آصف شوكت والحديث عن إمكانية ابتعاد فاروق الشرع عن الخارجية السورية وقدوم وليد المعلم بديلا له تأتي في مقدمة مجموعة من الأولويات الصلبة المقبولة غربيا والتي يمكن أن تقوم عليها عملية إعادة إنتاج النظام.

وكانت مصادر سورية رسمية أعلنت البارحة أن دمشق تدرس جديا طلب تقديم الرجال الستة للجنة الدولية للتحقيق، كما اعلنت النائب العام للجمهورية السورية القاضي غادة مراد يوم الإثنين الماضي عن الاستعداد للاستعانة بخبرات خارجية اذا اقتضى الامر لتمكين اللجنة القضائية السورية من القيام بمهامها في التحقيق باغتيال الزعيم اللبناني رفيق الحريري

وقالت القاضي مراد في بيان مكتوب تلته في مؤتمر صحافي ان اللجنة التي ترئسها "ستستعين بالخبرات اللازمة وطنية ام عربية ام اجنبية اذا دعت الحاجة لذلك"، وكشفت مراد ان اللجنة "استمعت الى عدد من الشهود حضروا تلقائيا الى مقرها" في دمشق مشيرة الى انها تدرس معلومات تلقتها بالفاكس او البريد الالكتروني "لتقويمها ودعوة من ترى فائدة في الاستماع اليه".

وكانت صحف عربية ذكرت الأحد أن لجنة التحقيق الدولية أرسلت إلى سورية طلبا لاستجواب ستة ضباط سوريين في مقرها في المونتيفيردي (لبنان) بينهم رئيس الاستخبارات العسكرية صهر الرئيس بشار الأسد اللواء آصف شوكت. وقالت صحيفتا "النهار" اللبنانية و"الحياة" العربية إن ميليس طلب استجواب الرئيس السابق للاستخبارات الداخلية اللواء بهجت سليمان والرئيس السابق لجهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية التي كانت تعمل في لبنان العميد رستم غزالي ورئيس المخابرات في بيروت العميد جامع جامع. كما طلب الاستماع إلى المسؤول في فرع فلسطين في المخابرات العميد عبد الكريم عباس والخبير في الاتصالات والانترنت في المخابرات العميد ظافر اليوسف.

وكان وليد المعلم، الدبلوماسي السوري المكوكي راهنا الذي يستعد لقيادة وزارة الخارجية السورية صرح في عمان البارحة بعد لقاء مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بأن سورية ملتزمة في المساعدة في تنفيذ قرار مجلس الأمن والعمل على عدم تعريض سوريا لأية ضغوط أخرى تسهم في زعزعة امن واستقرار المنطقة".

وأعرب المعلم عن أمله في أن يتم تعاون سورية مع مجلس الأمن "على أسس مهنية تهدف إلى الوصول إلى الحقيقة وليس على أساس توظيف هذه المهمة لأغراض سياسية تستهدف سورية"، ومن جهته عبر الملك عبد الله الثاني عن أمله في أن يؤدي تعاون دمشق مع قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بالتحقيق في اغتيال الحريري إلى "إيجاد مخرج يجنب سورية أي تداعيات سلبية".

ولكن اين هو دور اللواء آصف شوكت، صهر الرئيس؟ إذ لم يمض اسبوع على "انتحار" وزير الداخلية السوري غازي كنعان في الشهر الماضي حتى انطلقت تسريبات جديدة من تقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس في قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وهو التقرير الذي صدر على أساسه قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1636 ، وكانت التسريبات الجديدة حول شخصية رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اللواء شوكت الذي تصفه بعض وسائل الإعلام بأنه الرجل القوي الثاني في سورية بعد الأسد.

وكانت مجلة "شتيرن" الألمانية ذكرت في وقت سابق ان محققا تابعا للامم المتحدة اشار الي صهر الرئيس السوري بشار الاسد باعتباره مشتبها به في واقعة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق، واشارت مجلة شتيرن الي رئيس المخابرات العسكرية السورية آصف شوكت باعتباره مشتبها به في التحقيق الذي يقوده كبير محققي الامم المتحدة الالماني ديتليف ميليس.

واللافت أن المجلة الألمانية ذكرت نقلا عن مصادرها أن التحقيق مع آصف شوكت جرى باعتباره "مشتبها به"، علما أن ديتليف ميليس كان قد أعلن قبل توجهه إلى دمشق أنه "لا يوجد سوري مشتبه به حتى الآن".

إلا أن مراقبين للشأن السوري حذروا من التعاطي بجدية مع هذه المعلومات رغم أنهم لم يستغربوا أبدا أن ينطوي تقرير ميليس على اتهامات لشخصيات سورية بارزة عديدة، وتحذير المراقبين السوريين يقوم على مجموعة من النقاط التي سردها بعضهم لـموقع "العربية.نت" في الشهر الماضي ، ومنها :

- يعتبر هؤلاء المراقبون أن اللواء شوكت محسوب على التيار الإصلاحي في النظام السوري، فهو من جهة لا تسجل له منظمات حقوق الإنسان أي انتهاكات في هذا المجال، ومن جهة أخرى كان يحتل موقعا قياديا في الأجهزة الأمنية لا علاقة لها بالشؤون السياسية الداخلية والمعارضة ولا حتى الشؤون اللبنانية أو العراقية وهو فرع أمن القوات، قبل أن يأتي لرئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية هذا العام.

- لاحظ المراقبون أن الإعتقالات في صفوف المواطنين والتوقيفات بشكل عام انخفضت بنسبة كبيرة من قبل الاستخبارات العسكرية بعد تسلم اللواء شوكت لرئاسة هذه الإستخبارات، وهذا ما أرجعه المراقبون إلى كون شوكت خريجا لكلية الحقوق في جامعة دمشق، وله اهتمامات أكاديمية وحقوقية.

كما أوضحت تلك المصارد أن مرسوم تعيين اللواء شوكت رئيسا لشعبة الاستخبارات العسكرية حصل بعد اغتيال الحريري بأيام بعد أن كان نائبا لرئيس هذه الشعبة اللواء حسن خليل الذي أحيل للتقاعد .

وذكرت تلك المصادر بتصريحات الرئيس بشار الأسد قال في لقاء مع قناة "سي إن إن " الأميركية والتي أكد فيها أن كل شخص يثبت تورطه في اغتيال الحريري سيكون خائنا ويحاكم أمام القضاء المحلي الدولي- " والرئيس بشار الأسد لن يقول مثل هذا الكلام لو لم يكن على قناعة وعلم تام أن شوكت (صهره) لا علاقة له باغتيال الحريري ".

يذكر ختاما، أن اللواء شوكت زار باريس منذ فترة قصيرة وذلك على خلفية تداعيات الحدث اللبناني وتقرير ميليس، ولم يعرف آنذاك إن كانت شوكت نقل إلى الرئاسة الفرنسية عرضا سوريا يجنب نظام بلاده أي أخطار خارجية، إلا أن الحكومة الفرنسية لم تعط تفصيلات واضحة حول تلك الزيارة، التي ربما كانت ميزتها اللافتة أنها "غير سرية" وعلمت بها الصحافة. يشار إلى أن شوكت من مواليد محافظة طرطوس الساحلية عام 1950، و درس القانون والتاريخ في جامعة دمشق ونال درجة الدكتوراه في التاريخ عام 1976 قبل أن يكون له أي منصب رسمي ، وتعرف هناك إلى بشرى الأسد ابنة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد واقترن بها بعد ذلك.

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)