تقرير إخباري كتبه جاسم المطير: يتراجع يوما بعد يوم الجدار السوري المواجه لتقرير ميليس ولقرار الأمم المتحدة وللضغط الأمريكي المصمم على تغيير القيادة السورية بل النظام كله . وفي الوقت الذي يتباهى فيه المسئولون السوريون بعبارات الخطب والشعارات البعثية الحكومية عن "الصمود" في التصريحات التلفزيونية التي أعقبت خطاب بشار الأسد فإننا نلاحظ أن البسط بدأت تختفي من تحت أقدام القادة السوريين، فمنهم من يفكر بمغادرة البلد ، ومنهم من أقدم على تهريب أمواله ومنهم من ظل حائرا لا يعرف مسار النجوم ..!

من ثقب الأبواب السرية يمكن رؤية التحركات المختلفة لقادة الحكومة والحزب تحسبا من تكرار تجربة قادة حزب البعث العراقي الذين سبقوهم عام 2003 في الدعوة إلى "الجهاد والصمود" وخوض المعركة مع الأمريكان حتى النهاية ..! كما يتحاشى بشار الأسد أن يساير موقف صدام حسين حين رفض عرض التنحي عن عرش السلطة الذي قدمه جورج بوش، كما رفض عرض اللجوء السياسي الذي قدمه المرحوم الشيخ زايد للرئيس المخلوع وعائلته وحاشيته، لذلك فقد طلب الرئيس بشار الأسد ـ استنادا لمصادر موثقة من إحدى وكالات الأنباء العالمية ـ من لجنة التحقيق في اغتيال الحريري إذا كان بإمكانها " توفير الحماية له ولأسرته، مقابل "التعاون" معها. ورفض المصدر الكشف عن تاريخ تقديم هذا الطلب إلا أنه ذكر ( أن اللجنة ردت بأنها لا تملك صلاحيات كهذه لأنها من الاختصاص الدولي أو من اختصاص الأمم المتحدة ) .وأفاد هذا المصدر أن "اسم الرئيس الأسد وارد في قائمة الشخصيات التي " ستستجوبهم لجنة التحقيق" وقد مُنحت للرئيس الأسد إمكانية اختيار مكان اللقاء على عكس الضباط السوريين الستة الذين تصر اللجنة على استجوابهم خارج الأراضي السورية.

من جهة ثانية فأن الدبلوماسية السورية تحاول القيام ببعض الفنون السياسية للظهور في مسوح الكهنة فقد غادر اليوم 18 نوفمبر المستشار القانوني لوزارة الخارجية السورية رياض الداودي سوريا للقاء المحقق الألماني ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وسط "تعتيم سوري" عن مكان اللقاء والنقاط التي يريد مناقشتها مع ميليس أو المقترحات التي سيقدمها له، فيما تشير بعض التسريبات إلى أن اللقاء سيعقد في مدينة أوربية غداً (السبت). ومن المتوقع أن يبحث الداودي في المكان الذي سيستجوب فيه الضباط السوريون، وفي |الموضوع من كل جوانبه" لأنه "معني بالجوانب القانونية والإجرائية في ما يخص العلاقة مع لجنة التحقيق الدولية" . واستبعدت مصادر دبلوماسية غربية أن يقبل ميليس استبدال بيروت كمكان لاستجواب المسئولين الأمنيين السوريين، لأنه " عملياً غير قادر على نقل عشرات آلاف الوثائق خارج لبنان " وكذلك الصعوبة في تأمين الحماية الأمنية "لنقل الشهود للقاء المسئولين السوريين "، وصعوبة "نقل الموقوفين في لبنان ممن قد يحتاج ميليس لمواجهتهم بالمسئولين السوريين"، وغيرها من التعقيدات "التقنية". وأبقت المصادر احتمال أن يعدل ميليس عن قراره "مفتوحاً" نظراً لتدخل كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة، وخافيير سولانا الممثل الأعلى للسياسيات الخارجية للاتحاد الأوربي كطرف في الجهود المبذولة لتغيير المكان.

وفي هذا السياق تطرح السلطات السورية (قصر شبيب) في قمة جبل الشيخ في (الجولان) كبديل عن بيروت لاستجواب المسئولين الأمنيين السوريين، والتي يوجد
بها مركز تابع للأمم المتحدة، وهو يقع قرب خط فصل القوات بين سوريا وإسرائيل، على أن توفر الحكومة السورية الحماية اللازمة. وقصر شبيب هو موقع محصّن جداً في أعالي جبل الشيخ، يحوي منشآت تقع علي عمق ‏20‏ م تحت الأرض،,‏ ومجهز بأحدث أجهزة المراقبة العالمية،‏ وهو تابع لقوات الأمم المتحدة المتمركزة ما بين القوات السورية والقوات الإسرائيلية، وتسيطر عليه قوات من الجيش النمساوي تابعة للأمم المتحدة. ويشار إلى أن الداودي التقى ميليس في بيروت في التاسع من الشهر الجاري وبحث معه تغيير مكان الاستجواب وآلية التعاون وتوقيع مذكرة تفاهم، إلا أن ميليس رفض كل ما عرض عليه.

من الملاحظ أن ثقة الرئيس السوري بالموقف الصيني آو الروسي بدأت تتزعزع ومعها بدأ يتزعزع الكرسي الذي يجلس عليه وأصبح الآن كرسيا بثلاثة أرجل فقط منذ امتناع روسيا والصين عن استعمال حق النقض (الفيتو) في جلسة مجلس الأمن عند مناقشة القرار 1636، والذي يدعو سوريا للتعاون مع لجنة التحقيق ويهددها بالعقوبات في حال مخالفتها، وذلك لأن الأدلة على تورط سوريا في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري كانت من القوة بمكان بحيث أقنعت "حلفاء سوريا التقليديين" وجعلتهم يعدلون عن طلبهم عدم ذكر سوريا في نص القرار. وأضاف المصدر أنه يلزم وقت طويل لبلوغ النتيجة النهائية "فلجنة التحقيق الدولية ستبقى في لبنان لسنتين على الأقل، ولن تتحدد مهمتها في إلقاء الضوء على مقتل الحريري، ولكنها ستواصل التحقيق في كل الجرائم التي ارتكبت بعد نهاية الحرب (منذ 1991) إلى اليوم".

ولذا حسب المصدر نفسه "بعض الشخصيات التي لا تزال في الحكم حاليا لا تستطيع النوم ملء جفونها". وأضاف أنه لا يوجد شك في التورط المباشر للرئيس اللبناني إميل لحود في اغتيال الحريري "ففي حوزة اللجنة تسجيلات هاتفية تبين مسؤوليته على الجريمة".
إن "منجم" المعلومات في المخابرات السورية بدأ يهتز هو الآخر ولا احد الآن في القيادة السورية، الحكومية والحزبية، يعرف مكان المفتاح لحل الأزمة العاصفة

فكل عناصر القيادة يتكورون وينقسمون ويرتبون وسائل الهروب بستار خفيف لا يحجب شيئا عن الرؤية بعد ان صار النظام السوري منكشفا برجال حمقى وبخطب حمقاء .. هل يتفاجيء العالم ذات يوم قريب بسماع خبر تخلي الرئيس بشار وتقديم طلب الى كوفي عنان بطلب الحماية له ولعائلته ولبعض من حاشيته ..؟

مصادر
ايلاف