خطاب الرئيس بشار الأسد ورغم انه في ظاهره اختيار للغة التحدي التي لم تعد تعجب أحدا، الا انها والى آخر حرف فيها لم تقل سوى الواقع الذي نريد أن نتبرأ منه, ما قاله كان عين الصواب وخصوصا في ما يتعلق بتعاون سورية مع لجنة التحقيق الدولية, اذ ان اميركا وفرنسا ليسا بانتظار تعاون سورية من عدمه، لأنهم باختصار نطقوا بالحكم النهائي حتى قبل المداولة الأخيرة, فميليس قال في تقريره الباهت ان ما ورد في التقرير ليس نهائيا ما لم يكن هناك تحقيق رسمي في الموضوع ولكن الولايات المتحدة أعلنت الحرب على سورية رغم ما قاله ميليس، وفرنسا دولة القانون العريقة تناست تماما أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته واصطفت مباشرة خلف الولايات المتحدة وقرارها المجحف.

لم يختر الأسد التحدي، بل هو الخيار الوحيد الذي يملكه من يحتفظ بذرة كرامة في عروقه العربية، وهو الخيار الوحيد الذي تتركه اميركا لكل من لا يماشي تلاعبها المستمر في مقدرات الدول والشعوب, لذا يبقى الخيار الوحيد أمام هذا السيناريو هو أن يقتحم الميدان واقفا بدلا من أن يُجّر اليه راكعا، وقد اختار الأسد أن يقتحم واقفا.

الشهيد الحريري كان رجلا بمستوى دولة، ولا أحد ينكر هذه الحقيقة، ولكن هل يمكن أن يصدر مجلس الأمن قرارا كاملا بحق دولة ذات سيادة لم تثبت ضدها أي جريمة كرد فعل على جريمة قتل؟ أمر غريب حقا، لأنه بهذا المقياس كان الأجدر باميركا وراعية الحقوق فرنسا أن تفتح تحقيقا موسعا بحق جريمة قتل عرفات والتي جاءت وفاته في ظروف غامضة جدا ومرحلة حساسة جدا وفي فرنسا نفسها وكان عرفات أيضا رجلا بمستوى دولة ولم ينبس أحدٌ ببنت كلمة! ولكن الحقيقة أن الأنظمة والدول أصبحت ألعوبة بيد الأمم المتحدة تحت غطاء الشرعية الدولية المطاط، والأمم المتحدة هي ألعوبة بيد الولايات المتحدة، والولايات المتحدة هي في النهاية مجرد ألعوبة بيد الصهاينة في دويلة اسرائيل ممثلين بصقور البيت الأبيض.

الولايات المتحدة سوّقت للعراق كنموذج رفيع المستوى للديموقراطية في الشرق الأوسط، وكل من يقف في وجه هذا النموذج اما انه حاقد أو خائف,,, لا يمكننا الا أن نعترف ان عراق اليوم هو النموذج الأمثل للشكل الذي تريده اميركا للشرق الأوسط الكبير,,, فوضى بناءة تديرها كيف تشاء ولتذهب الشعوب والأنظمة الى الجحيم! ألم أقل لكم أن العراق هي النموذج الأمثل وأن كل دولة تجرؤ على مخالفة اميركا سينال شعبها المكافأة التي حصل عليها الشعب العراقي وبلمح البصر.

منتدى المستقبل وما آل اليه من فشل ذريع ينبئنا تماما بما فعلته اميركا منذ أن دشنت مشروعها الشرق أوسطي باحتلال العراق وانتهاك سيادتها وحتى لحظة استصدار القرار بحق سورية زورا وظلما، انها تدغدغ أحلام الشعوب بالحصول على هامش أكبر من الحرية لتضعها في مواجهة الأنظمة، وتدغدغ أحلام الأنظمة باستمرارية أطول أمدا من خلال تلميع صورتها شكليا بعد أن ساندت اساليبها الديكتاتورية لعشرات السنوات لتضعها في مواجهة الشعوب لتخرج هي من المعمعة منتصرة لاملاءاتها، فكوندوليزا رايس التي خرجت من المنتدى «غير سعيدة» تحرق السفن أمام الجميع لتقول لهم الفوضى من أمامكم، والفوضى من خلفكم وليس من خيار الا الانصياع فماذا تختارون؟

ثم يقولون ان الأسد اختار التحدي، بل هو الخيار الوحيد ولكنه أقدم عليه حسب توقيته هو وبالشكل الذي يحفظ له كرامته وسيادة دولته حتى آخر رمق وكما قال في خطابه فمهما فعلت سورية ومهما تعاونت فان النتيجة واحدة والجلاد ينتظر خارج القاعة معلنا انتهاء المحاكمة حتى قبل البدء بها.

يريدوننا أن نصدق ميليس ونحن نتفرج على كوندوليزا رايس وهي تلتهم بتصريحاتها الفجة قطعة من أرض عربية ذات سيادة وتمثل كرامتها جزءا لا يتجزأ من كرامتنا ومن أجل سواد عيون اسرائيل، وعندما تنتهي نقدم لها كعكة بمناسبة عيد ميلادها الحادي والخمسين!