خيرالله خيرالله /المستقبل

ليس في لبنان من يريد النيل من سوريا في أي شكل من الأشكال. ولكن في مقابل ذلك، يفترض في النظام السوري، في حال كان يريد بالفعل خدمة سوريا وإطلاق قدرات شعبها أخذ العلم بما قاله الرئيس فؤاد السنيورة في كلمته الى اللبنانيين في مناسبة عيد الاستقلال. قال السنيورة الرجل الحر الذي لا يحتاج الى دروس في الوطنية من أحد أن "على السوريين أن يتعودوا على أن لبنان بلد مستقل وأن استقلاله ليس معادياً لهم". نعم، هكذا بكل بساطة يفترض في المسؤولين السوريين، في حال كانوا حريصين بالفعل وليس بمجرد الكلام على مصلحة بلدهم، التخلي عن الأوهام ومواجهة الحقيقة والواقع في شأن كل ما له علاقة بلبنان.

لعلّ أخطر الظواهر التي رافقت ردود الفعل المتشنجة الصادرة عن أركان النظام السوري، نتيجة تقدم التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، السعي الى تعبئة الشعب السوري ضد لبنان واللبنانيين. هذه التعبئة دليل إفلاس ليس إلاّ، كما تعكس الأزمة العميقة التي يعيشها النظام والتي كان اغتيال رفيق الحريري أبلغ تعبير عنها. هذا لا يعني بالضرورة توجيه اتهام مباشر للنظام السوري بارتكاب الجريمة، إلاّ أن ما لا يمكن تجاهله أن الزلزال حصل في وقت كانت الأجهزة الأمنية السورية تسيطر على كل مفصل من مفاصل الحياة في لبنان عبر الجهاز الأمني المشترك الذي كانت اليد الطولى فيه للجانب السوري... شاء هذا الجانب أم أبى.

إن الحديث عن العلاقات السورية ـ اللبنانية يمكن أن يستمر أياماً وأسابيع طويلة ويمكن أن يتحوّل الى جدل لا طائل منه في حال أصرّ كل طرف على أنه يمتلك كل الحقيقة. هناك مآخذ على اللبنانيين وهناك مآخذ على السوريين، لكن الأكيد أن العلاقات لا يمكن أن تختصر بعبارة أن اللبنانيين ناكرون للجميل. إنها العبارة التي استخدمها الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير الذي تعرّض فيه للبنانيين شرفاء، مثل سعد الحريري وفؤاد السنيورة، لم يعملوا يوماً إلاّ لمصلحة لبنان وسوريا ومن أجل مستقبل أفضل للبنان وسوريا ولشعبي البلدين.

في انتظار أن يأخذ التحقيق مجراه، وهو سيأخذ مجراه، وستظهر الحقيقة عاجلاً أم آجلاً، ليس من مصلحة النظام السوري في حال كان بالفعل حريصاِ على سوريا وعلى شعبها الدخول في لعبة التحريض على لبنان واللبنانيين. هذه اللعبة لن تؤدي الى نتيجة لا لشيء سوى لأنها تدل على استغباء للشعب السوري الذي يظل شعباً حياً يمتلك حداً من الوعي يسمح له بالتمييز بين الأسود والأبيض وبين الحق والباطل وبين الكذب والحقيقة.

وفي انتظار جلاء الحقيقة أيضاً، يُفترض في النظام السوري أن يفكر منذ الآن في أن عليه التخلي عن الذهنية التي أوصلته الى حيث هو الآن، أي الى صدور قرار عن مجلس الأمن حمل الرقم 1636 وضع سوريا عملياً تحت وصاية دولية. هل يأخذ المسؤولون السوريون علماً بمضمون القرار أم يستمرون في التعاطي مع التطورات الإقليمية والدولية والتحقيق في جريمة العصر كما لو أن القرار لم يصدر بعد وأن الفيتو الروسي والصيني سيحولان دون صدوره، فضلاً عن أن للديبلوماسية الجزائرية التي تمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن دوراً في دعم الموقف السوري؟

أقل ما يستطيع النظام السوري عمله، أخذ علم بما حصل والتصرّف بطريقة مختلفة انطلاقاً من لبنان وليس من أي مكان آخر. من لبنان لسبب في غاية البساطة يتلخّص بأن العالم يراقب كل حركة يقدم عليها في البلد الجار، إضافة الى أن هذا العالم يعرف تماماً كمية الألغام التي خلّفها في الأراضي اللبنانية، بما في ذلك عدد الفلسطينيين وغير الفلسطينيين المسلّحين المنتشرين خارج المخيمات والذين يتنقّلون بحرية بين سوريا ولبنان.

في النهاية، هل يستطيع النظام السوري إعادة تأهيل نفسه؟ الجواب نعم في حال غيّر نظرته الى لبنان واللبنانيين وقرأ جيداً ومن دون عقد نصيحة الرجل الصادق الذي اسمه فؤاد السنيورة الذي لا يريد سوى الخير لسوريا والسوريين. أما السؤال المتعلق بمستقبل النظام، فإن الجواب عليه ليس في يد لبنان واللبنانيين. إنه في يد المجتمع الدولي الذي يريد أن يعرف من اغتال رفيق الحريري. وإلى إشعار آخر، يعتبر العالم الذي كان وراء صدور القرار 1636، أن خطأ اغتيال رفيق الحريري في حجم الخطأ الذي ارتكبه صدام حسين عندما اجتاح الكويت. هذا هو الوضع على حقيقته. والباقي مجرّد أوهام ورهان خاسر سلفاً على أن الانتقام من لبنان واللبنانيين يمكن أن يثني المجتمع الدولي عن السعي الى الحقيقة... الحقيقة التي هي طريق الخلاص للبنان واللبنانيين وسوريا والسوريين!