النهار

اميل خوري

هل يمكن القول ان سوريا اجتازت "قطوع" المواجهة مع لجنة التحقيق الدولية بسلام وذلك بالموافقة على استماع الاخيرة الى مسؤولين سوريين في فيينا، ام ان امامها اكثر من قطوع يمكن ان تجتازه الى ان تُعرف الحقيقة؟

يقول مندوب سوريا الدائم لدى الامم المتحدة فيصل المقداد في حديث له "ان العقبة الرئيسية التي تواجه التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه هي: الى اي مدى سيكون للتحقيق صدقية. فالتقرير الذي صدر ونوقش من مجلس الامن عكس تسييساً واضحا وابتعادا حقيقيا عن تحقيق يمكن ان يحترم. ذلك ان البداية التي انطلق منها التحقيق ليست دقيقة والنتائج الاولية التي توصل اليها في بعض الفقرات لم تكن دقيقة، فيما المطلوب من التحقيق ان يقود بشكل اساسي الى كشف الحقيقة فقط، وليس الى استنتاجات او توقعات وتصوراتِ، وهو ما اثار التشكيك في صدقيته".

واضاف: "ان على القاضي ميليس ان يعطي الشهود السوريين الضمانات التي يجب ان يتمتع بها اي متهم اثناء عملية التحقيق معهم، وان يركز في تحقيقاته على كل الاحتمالات ولا يغلق الباب امام اعداء آخرين للبنان وللرئيس الحريري الذين قد يكونون هم الذين نفذوا وارتكبوا الجريمة بغية الحاق الضرر بالعلاقات بين لبنان وسوريا، وان اللجنة القضائية السورية زودت القاضي ميليس محاضر تحقيق اجرتها مع بعض المتهمين لكنه بدا انه يرفض التعاون معها. وان اللجنة ارسلت رسالة الى القاضي سعيد ميرزا ، النائب العام التمييزي، تطلب منه الوثائق، كما طلبت من القاضي ميليس معرفة طبيعة التحقيقات التي يريد اجراءها، والوثائق التي تثبت تورط بعض المسؤولين السوريين، وهو يأمل في ان يكون القاضي ميليس صادقا في نياته للتعامل مع سوريا، لا ان يوجه الاتهامات اليها بلا مبررات، مع ان سوريا قالت انها ستتعاون مع التحقيق وان كل من تثبت ادانته بصورة مطلقة، وبناء على دليل مادي هو خائن ويجب ان يعامل على هذا الاساس".

والسؤال المطروح في الاوساط الرسمية والسياسية والشعبية هو: هل ينتهي التحقيق مع المسؤولين السوريين بطلب توقيفهم في حين ان معلومات المصادر السورية تقول انها حصلت على ضمانات تقضي بعودتهم الى سوريا بعد انتهاء هذا التحقيق. وما الذي يحصل اذا تم توقيفهم او رفضت سوريا طلب توقيفهم قبل ان تطلع على نتائج التحقيق لمعرفة ما اذا كان فيها ما يوجب ذلك. وهذا يعني ان مواجهة جديدة ستقع بين سوريا ولجنة التحقيق الدولية تتحول بعد ذلك بينها وبين المجتمع الدولي اذا ما انتقل الحديث الى موضوع فرض عقوبات على سوريا بدعوى انها رفضت التعاون مع لجنة التحقيق الدولية ولم تستجب طلب توقيف من يجب توقيفهم من المسؤولين السوريين.

وفي حديث للسفير السابق جوني عبده ان روسيا اعطت سوريا ضمانات باستخدام "الفيتو" في مجلس الامن ضد اي مشروع عقوبات يطرح اذا تعاونت مع لجنة التحقيق الدولية تعاونا تاما ، وذلك ردا على قول سوريا لروسيا انها تخشى ان تطلب منها الولايات المتحدة الاميركية مطالب جديدة بعد ان تكون قد استجابت مطالب لجنة التحقيق الدولية.

وتعتمد سوريا من جهة اخرى، حسب مصادرها، على تفهم الدول العربية لموقفها وحرصها على اظهار الحقيقة، وان ما من دولة عربية قالت ان سوريا مدانة وعليها ان تعترف، بل ان العرب يقولون انهم يتطلعون الى تحقيقات ذات صدقية تتبع سبل الحقيقة ومن يقف وراء الجريمة . لكن سوريا بحسب المصادر نفسها تعتب على بعض الفئات في لبنان التي تحاول تعميق الخلافات وتحاول بذل كل جهد ومال وامكانات من اجل إثبات التهم غير القابلة للتصديق ضد سوريا، وان زيارات تمت لدول عربية من اجل تعبئتها ضد سوريا. وتأمل المصادر نفسها ألا يتم تصعيد الامور في منطقة الشرق الاوسط، وان ثمة اجماعا عربيا على ضرورة عدم اضافة مشكلات تفجيرية في المنطقة علاوة على التفجيرات الحاصلة، خصوصا ان داخل الولايات المتحدة الاميركية موقفا شعبيا ضد اي خطوة تصعيدية وضد اي مغامرة جديدة، وتعتقد المصادر السورية نفسها ان المعركة المقبلة لن تكون ضد سوريا بل ضد الانظمة العربية وشعوبها التي تؤمن بأن سوريا بعيدة كل البعد عن ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، لذا فهي تستبعد فرض عقوبات عليها الا اذا ظل الجانب الاميركي يقول ان سوريا لم تقدم كل ما هو مطلوب منها، وهذا يدل على وجود مخطط اميركي لا يتعلق بلبنان ولا بالجريمة ، بل يتعلق بدعم اميركي للسياسات الاسرائيلية في المنطقة وتدمير كل فرص السلام وبالتالي ابقاء المنطقة تحت الهيمنة الاميركية للحفاظ على مصالحها المعروفة، لذلك فانها ليست في حاجة الى المزيد من المبررات لتنفيذ مخططها على رغم كل المحاولات التي تقوم بها سوريا.

الى ذلك، ترى اوساط سياسية مراقبة، ان المشكلة بين سوريا ولجنة التحقيق قد لا تنتهي عند التوصل الى اتفاق على اجراء التحقيق مع مسؤولين سوريين في فيينا، بل هناك مشكلات عدة على الطريق، منها:

اولا: الخلاف على طلب توقيف مسؤولين سوريين في ضوء نتائج التحقيق معهم، فسوريا قد ترفض توقيفهم بدعوى ان التحقيق لم يتوصل الى الادلة الدامغة التي توجب ذلك، وقد ينتقل هذا الخلاف الى مجلس الامن الدولي، ولا يكون اتفاق بين اعضائه على فرض عقوبات على سوريا بسبب تباين الآراء فيما بينهم على تقويم نتائج التحقيقات التي توجب طلب التوقيف.

ثانيا: عدم توقيف مسؤولين سوريين بسبب انتفاء الاسباب التي تتطلب ذلك، قد يفتح باب المطالبة باخلاء سبيل الضباط اللبنانيين الاربعة، لأنه لا يعقل ان يكون هؤلاء متهمين بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، ولا يكون للمسؤولين السوريين المعروف انهم كانوا اصحاب الإمرة والقرار في كل الشؤون اللبنانية لا سيما الامنية منها، اي علاقة لهم بالجريمة. وفي حال وصول التحقيق الدولي الى هذه النتيجة، فان السؤال الذي يصبح مطروحا هو: من اغتال الرئيس الحريري ورفاقه، اذا لم يكن لا مسؤولون لبنانيون ولا مسؤولون سوريون لهم علاقة بذلك؟!

ثالثا: ان يرد القاضي ميليس على عدم توصل مجلس الامن الى اتفاق على اتخاذ موقف من سوريا ومن رفض طلب توقيف مسؤولين سوريين بالتخلي عن متابعة التحقيق في جريمة اغتيال الحريري والاستقالة من مهمته.

رابعا: ان يؤدي طلب تشكيل محكمة دولية لمحاكمة المتهمين بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري بعد ان تكون قد اكدت التحقيقات ذلك، الى خلاف داخل السلطة اللبنانية وداخل مجلس الامن.

لذلك، فإن لبنان اذا كان قد نجا من المضاعفات فيما لو رفضت سوريا استجابة طلب لجنة التحقيق الدولية، فانه قد لا ينجو من مضاعفات رفض توقيف مسؤولين سوريين او عدم طلب توقيفهم وكذلك مضاعفات فرض عقوبات على سوريا، او رفض تشكيل محكمة دولية وسط انقسام اللبنانيين حول كل امر من هذه الامور وعدم توحدهم وتضامنهم لمواجهة نتائج التحقيقات الدولية بسلبياتها وايجابياتها، لأن التوصل الى معرفة الحقيقة الكاملة مشواره طويل...