النهار- سحر بعاصيري - لو لم يشاهد العالم صور الانفجار الرهيب ويشهد على زوال الرجل عن وجه الارض، لكنّا سمعنا ربما تشكيكا في حقيقة حصول جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

لكننا نسمع أموراً أخرى يصعب فهمها.

والصعوبة لا تكمن في تفهم ظهور شهود زائفين، فهذا قد يحصل في اي تحقيق ومهمة اللجنة ان توضح الواقعة. بل تكمن في تلك المصادفات التي يظهر فيها شاهد زائف في لحظة مفصلية يكون على سوريا ان تجتاز فيها عتبة جديدة من "التعاون" مع التحقيق.

ظهر أولا السوري محمد زهير الصدّيق. تردد اسمه وزيفه عشية الزيارة الاولى للمحقق ديتليف ميليس لسوريا في ايلول ثم صار قضية كبيرة في تشرين الاول.

والان ظهر السوري هسام طاهر هسام الذي قال انه خدم مخابرات بلاده 13 سنة في لبنان وادعى تزويد لجنة التحقيق جزءاً كبيراً وحساساً من معلومات اعتمدتها في تقريرها الاخير الى مجلس الامن. وهذا الهسام الذي قال انه "الشاهد المقنّع" وان تحركاته كانت مراقبة، لم يستطع الافلات من اللبنانيين الذين اجبروه على تزوير شهادته الا عشية بدء التحقيقات مع خمسة مسؤولين سوريين في فيينا.

الاول، الصدّيق، تبين انه محتال، وقد تحول من شاهد الى مشتبه فيه واحتياله يبقيه في سجن فرنسي بعدما صدرت مذكرة توقيف في حقه في لبنان"لتورطه في الجريمة".

أما الهسام، فقضيته تبدو أكثر تعقيداً لأن روايته سلسلة من التناقضات والثغرات والالتباسات من لحظة دخوله المونتيفردي الى لحظة وصوله الى فندق امية. لكنها قضية نموذجية لاحتمالات ثلاثة: إما انه شخص محتال وإما شاهد مزروع وإما شاهد قرر التوبة.

الاحتمال الاخير هو الاقل اقناعا، لانه اذا كانت "توبته" صحيحة فعلى الاقل تتطلب من المسؤولين التحقق منها ومن المعلومات التي أدلى بها. ولكن منذ لحظة وصوله الى بلاده كان يروي القصة عبر الاعلام ويرويها بكثير من الارتياح والنشاط كأن لا معاناة الشهادة بالاكراه ولا قلق الهروب ولا توضيح التوبة تركت أثراً عليه.

يبقى انه اما محتال وإما شاهد مزروع. وفي الحالين لا يعنينا من حقيقته الا انعكاسها على سوريا وادائها في التحقيق. وفي الحالين انه لا يخدمها اطلاقاً.

فاذا كان محتالا كيف تفسر سوريا تبنيها الرسمي له واعطاءه هذه المساحة الاعلامية ثم رفضها التشكيك في صدقيته وثمة علامات استفهام كبيرة على كل ما قاله؟ مثل هذا الموقف يعكس اهتماماً سورياً رسمياً بتقويض التحقيق أكثر مما يعكس اهتماماً بالتعاون معه لجلاء الحقيقة كما تقول، ويعكس اهتماماً باثبات عدم صدقية التحقيق أكثر مما يعكس اهتماماً باثبات صدقيتها في البراءة التي تصر عليها.

أما اذا كان شاهداً مزروعاً، فالنتيجة اسوأ، لانها تقوض صدقية سوريا وتفتح باب اتهامها بتعمد تضليل التحقيق.

وفي انتظار جلاء قضية الهسام، ثمة ما لا يمكن تجاهله: ان أي محاولة لفرد أو طرف للتذاكي على التحقيق من أجل تضليله أو تأخيره لا يمكن ان توقفه بل ستزيد المجتمع الدولي اصراراً على كشف الحقيقة، وهذه القضية - للتذكير فقط- في يد مجلس الامن. ثم ان الصدّيق والهسام وامثالهما لا يمكن ان يعودوا باي فائدة على سوريا لان الطريق الاقصر "لوقف مسلسل التضليل" كما تطالب، يكون بالمبادرة الى المساهمة الايجابية في كشف الحقيقة. وسوريا أحوج ما تكون الى ذلك.