فايز سارة (السفير)

تبدو الديموقراطية في سوريا بين الاولويات التي يطرحها الحراك السياسي والثقافي السوري، وهي الامر الذي جرى التركيز عليه بصورة متواصلة في الاعوام الخمسة الماضية، طبقاً لما عبرت عنه البيانات والمواقف التي أعلنتها الجماعات المدنية والحقوقية والسياسية، وقد جرى تكثيفها والتعبير عنها في <<إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي>> الذي وقعته أحزاب التجمع الوطني الديموقراطي وحزب المستقبل ومعها تحالفان من أحزاب كردية ولجان إحياء المجتمع المدني قي سوريا.

والاساس في الديموقراطية التي دعا الاعلان اليها، تمركز حول بناء نظام سياسي يتبنى ويعمل في إطار نظام تمثيلي تشاركي، يوفر احتياجات الفئات والجماعات الداخلة في تركيب الجماعة الوطنية، وضمان مشاركتها عبر صيغ قانونية وآليات ممكنة بصورة حقيقية وفعالة في النظام السياسي بسلطاته التشريعية والتنفيذية تحت رقابة ومتابعة السلطة التشريعية.

غير أن إقامة نظام ديموقراطي في سوريا، يرتبط بالعديد من الصعوبات الموزعة في أصولها ما بين صعوبات تتصل ببنية النظام القائم وسياساته، واخرى تتصل بواقع المجتمع السوري وتعبيراته المدنية والسياسية، وتمتد هذه الصعوبات من عمقها الداخلي الى صعوبات ذات بعد خارجي بحكم العلاقات التي تربط سوريا اليوم بالمحيط الاقليمي والدولي، وهو محيط تتزايد قوة تأثيره على سوريا بصورة متصاعدة.

والتدقيق في واقع الصعوبات المتصلة ببنية النظام وسياساته الداخلية، يقود الى قول ان أهم هذه الصعوبات يبدو في واقع النخبة الحاكمة. اذ هي نخبة أقلوية في طبيعتها الوظيفية والسياسية، أساسها عسكري أمني من جهة، ومنتمية الى حزب واحد، هو حزب البعث باعتباره <<الحزب القائد للدولة والمجتمع>> طبقاً لمضمون المادة الثامنة من الدستور السوري للعام 1973، ولا يغير في واقع أقلوية النخبة الحاكمة وجود <<الجبهة الوطنية التقدمية>> التي تشارك البعث شكلياً في حكم سوريا، ولا وجود مؤسسة <<تمثيلية تشريعية>> مثل مجلس الشعب السوري، لان القرار النهائي محكوم بالاقلية الحاكمة في دائرتها الصغيرة.

ومن بين صعوبات الديموقراطية التي خلقها نظام الاقلوية البعثية في سنواته الممتدة لأكثر من أربعين عاماً، ما يتمثل في التدمير المنهجي والمنظم للسياسة بما هي سلوك مجتمعي معني بعلم وفن إدارة الحياة، فتم تدمير النخب والجماعات السياسية، وتدمير النخب الاجتماعية وتنظيماتها، حيث أقصي المجتمع وقواه الفاعلة، واستندت تلك السياسة الى استمرار حالة الطوارئ المعلنة منذ الثامن من آذار عام 1963، وسط نمو متزايد لدور المؤسسة العسكرية الامنية في إطار نظام أمني قوي وفعال في مواجهة المجتمع وفعالياته، أحكم قبضة النخبة على مفاتيح السلطة والثروة ومفاصلها.

أما أهم صعوبات الديموقراطية ذات الصلة ببنية المجتمع السوري وواقعه الحالي، فهي تبدو في ضعف واقع التركيب السياسي والاجتماعي والثقافي، ووجود صراعات مختلفة داخل هذا التركيب، منها الصراعات ما قبل الوطنية ذات الطبيعة القومية والطائفية والجهوية، وكذلك بعض الصراعات الموروثة بين الجماعات السياسية، وكله يضاف الى نقص الطلب على الديموقراطية من جانب الاكثرية الوطنية، وبقاء هذه المطالب في إطار النخب والاقليات. ولعل إحدى أهم صعوبات الديموقراطية في سوريا، يكمن في أن أغلبية قوى المعارضة من قومية (غير عربية) ودينية إسلامية، ليست مجربة، وهناك تشكيك في مصداقية مواقف بعضها من الديموقراطية، كما ان انقسامات المجتمع وتشتت جماعاته السياسية، أمر يعيق بناء توافقات وإجماعات، وهذا يؤدي الى إعاقة الديموقراطية، التي قاعدتها القواسم المشتركة.

واذا كانت الصعوبات الداخلية، هي الاهم في ما يواجه الديموقراطية السورية من صعوبات، فإن ثمة عوامل خارجية تلعب دوراً ملموساً في إعاقة الوصول الى الديموقراطية ومنها وجود محيط إقليمي معاد للديموقراطية ممثلاً بنظم أمنية، يقدم بعضها أمثلة مشوهة، ويندرج في إطار صعوبات الديموقراطية قي سوريا النموذج العملي الذي تقدمه الولايات المتحدة ل<<الديموقراطية>> في العراق.

وصعوبات الديموقراطية السورية، لا تعني أبداً عدم القدرة على تحقيقها، بل ان الامر ممكن، وقد بدأ بالفعل مسار سوريا نحو إقامة نظام ديموقراطي منذ سنوات، وان يكن ذلك المسار ما زال ضعيفاً وبطيئاً، ليس فقط بسبب سياسات النظام غير الراغب بحزم على المضي في هذا المسار مفضلاً إجراءات ترقيعية في النظام السياسي الامني القائم على أرضية تجديد نفسه تحت شعار <<التجديد والتحديث>>. بل ان الامر يتصل ايضاً بالحراك السياسي والاجتماعي السوري الذي كان بطيئاً، وأقل فاعلية في خلق مسارات عملية نحو الديموقراطية. ويمثل <<إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي>> وما تلاه من ردود فعل متفاوتة في الساحة السياسية السورية نقلة نوعية باتجاه مضي سوريا نحو الديموقراطية بما أطلقه من أفكار وما أثاره من نقاشات في الحياة السورية.