هيثم المهنا

أن تتعطل آلة , تصلح أو يستغنى عنها , وأن تتعطل عجلة آلية , أو محرك طائرة , قد يحدث ضرراً حسب واقع الحال أو لا, وتكون كارثية هذه العطالة محدودة التأثير أو قليلته , أما أن يتعطل الفكر لدى الإنسان , فتلك حالة من الجنون , فكيف إذا أصابت مساحة من البشر , فهذه حالة الهذيان .
وفي حالنا القائمة , ومنذ اغتيال الرئيس الحريري , تعطلت آلة الفكر لدى فريق من اللبنانيين , وقامت الدنيا عندهم ولم تقعد , وجاء ميليس وفريقه , فكانوا جزءاً من الجوقة الطبالة , وأدلى بدلوه فكانت قرارات لم تعرف من الحقيقة حتى أسمها , وهم يقرؤون كل شيء بالمقلوب , ينتفخ البالون ويزداد انتفاخاً كلما قيلت شائعة عن سورية , وكأنها المذنب في كل ذلك , / وفي ذهنهم أنها المذنب بدون جدال/ وهو لا يدري أن انتفاخه هواء أم تبناً , هم يحشونه أو ينفخون فيه , وهو يصدق أن يقول الحقيقة ويمارسها وهو الأدرى بأنه يمارس كل أشكال الحقد والغباء والعهر السياسي والفكري والاجتماعي والأخلاقي , حتى صدق نفسه , وكان أول قابليها والمقتنعين بها.

لقد ظنوا أنهم أخرجوا الدب من الجب, وأنهم المعلمون وهم الجهلة , ارتكبوا ويرتكبون المعاصي ويدركون أنها من فعل الشيطان ( ويعرفون من الشيطان) والاثم والخراب , ويعلنون الحصافة والفطنة و (المرجلة) مع إدراكهم المسبق بزيف ما يعلنون , وكذب ودناءة ما يتفقهون.

ويأتي هسام هسام .... أو سمه ما شئت , المقنع , المهرج , أو غير ذلك , ويكشف العورات كلها , وبغض النظر عن ماهية الشاهد , ألا أنه قال حقيقة , لقد كشف العورات وبالاسم والمكان والزمان والهوية بل وبالانتماء . بالحيثيات والأدلة الدافعة , فاسقط بأيديهم , وارتبك المرتبكون , وحارت أذهانهم الحائرة , وانثقب البالون ليفرغ ما فيه.... ولك أن تفسر , وليدرك وهو المدرك سلفاً أن حبل الكذب قد انقطع , وأن ما رسمه من لوحات فجور , ومانشيتات فلتان لا أخلاقي هي هويتهم , وترجمات أسيادهم للحدث , لمجرد أن يكون المتهم مداناً قبل وقوع الحدث وأثناءه وبعده وإلى الأبد , من أجل أن يمر قرار أو موقف أو تخلق حالة ما لحالة ما بهتاناً وزوراً .

فمهلاً أيها المنتفخون , مهلاً يا آلة ضرب الأهل بالأهل , يا وحوشاً بلا أسنان , ركبت لكم أنياب شرهة سامة , لتمزق أجسادكم وأجساد ذويكم من بني العرب , الصامتين منهم والمجارين والمستأجرين , ولتقفل كل الأفواه , وتقطع كل الألسن التي ترفض إلا الحقيقة وآخرها سورية العرب , ولكن , خاب فألكم , فما كانت ولن تكون سورية ذلك الجسد المنفوخ عهراً ودجلاً وزوراً , ولا كانت في يوم من تاريخها حجر "دومينو" أو بيدق شطرنج يلعب بها أصحاب الشهوات الشاذة , وممارسو القتل جهاراً أو سراً , وما كانت إلا جبل الشموخ وأرض الكرامة , وسيف الحق والعروبة وموطن الأمن والامان لاهلها ,ولاهلها , ولاهلها من العرب والعالم .

وتنكشف اللعبة , وتسقط الأقنعة و ويعلن ميليس أنه لن يستمر , وينسحب ,وما يرعوون , لقد استحيا ميليس قليلاً ورفض , وهو أحد أحجار اللعبة , أن يلحق العار بشعبه , وأن يسيء إلى ألمانيا , لأن مصالحها لديه أكبر من أي اعتبار ,فآثر الانسحاب ولو بتعليلات لا تقنع أحداً . آثر ذلك ليحمي وجه ألمانيا وشعب ألمانيا , خاصة بعد أن قدم بيتر آلكن تقريراً مناقضاً لما جاء به , المهم أنه استحيا قليلاً , ولم يستحون , فهم لا يريدون أن يفهموا وهم يعرفون أنهم قتلوا الحقيقة , وأسيادهم يغرفون الحقيقة ويمارسون الفعل الشائن من اجل طمسها, قتلوا الحقيقة وهم المدركون أنهم قطعوا حبل الحياة بين سورية ولبنان وهم الغاوون , لست أهتم كثيراً إن قلبوا جلود وجوههم , ولبسوا أو لبسوا جلود التماسيح أو المحزونين الكاذبين , لكني أهتم كثيراً , وكثيراً جداً بلبنان المزروع في ضلوعنا , المغرد في سماء العروبة , الأخضر في دنياها , الباسم في حكايا الحوريات الجميلات , المتألق مع نسيمات الأرز والشربين , المعانق البحر والسماء , خلقه الله للفرح , يحمل عطر الماضي الجميل إلى حاضر المحاصرين الكالح ليحملها من يفترض أنهم أبناء الحضارة الذين تحولوا إلى أبناء الحيات .
لله در الحقد (واسمح لنفسي باستبدال حرف) لله در الحقد ما أعدله , بدأ بصاحبه فقتله , قتلوا أنفسهم مرتين , مرة قبل اغتيال الحريري , ومرة بعد اغتياله . الأولى يوم وجهوا التهمة لسورية وهم يدركون كذب ذلك , والثانية يوم أكدوها وصدّقوا ما كذبوه وطالبوا الآخرين تصديقه , وما دروا أنه يدينون أنفسهم ويسعون بها إلى الهاوية , إلى الموت , إلى أن لا يقول أحد عنهم أو لهم: رحمهم الله , فمحركوهم قاتلوهم , وأسيادهم لهم دائنون / فمن هانت عليه نفسه , هانت على غيره/ وهم في ذاتهم ماضون بذاتهم إلى المقصلة , ولا من يسمي عليهم .

انتفخ البالون , فطاروا في الجو لعبة طفل صغير , وظنوا أنهم في منطاد , وبدبوس رماه هسام (فش البالون) فسقطوا دفعة واحدة , فكيف بدبابيس أكثر من هسام , ذهب حصان طروادتهم , وتقطعت أوصال حكاياتهم السوداء وما عقلوا أو تعقلوا , يطلبون استنساخ ميليس جديد لعل حكاياهم تزهر معه من جديد , ولكن كيف يكون للشر أن يستمر , فانقلب السحر على الساحر , وبدل العقل والتعقل كان الجنوح والجنون . طلبنا الحقيقة , فقتلوها وهم يغالون بأنهم يبحثون عنها , دهروا علينا , فصبرنا فظنوا ذلك ضعفاً وإقراراً بذنب دون إعلان وخوفاً من واقعة يدركون أن لا ذنب لنا فيها . وتنكشف الأضاليل , وحتى الجلد الذي لبسوه وألبسوه لم يعد قادراً على التلون , وتسقط كل الأوراق حتى ورقة توت الحمايات الخارجية التي فرضت صمت الخارج وارتهان الحقيقة للضياع .
فهوناً أيها النخاسون , لقد انكشف المستور وكان مكشوفاً ولم تروه , وبان المطمور وكان ظاهراً , ولكن غشي على عيونكم , بدلتم المراكب من أجل أبخس المكاسب , حثثتم السير حيث الموت , موت الأحياء أحياء , فالحقيقة شمس لا تريدون أن تروها , بل تريدون قتلها فقتلتموها , فهل بعد ذلك تستحقون كل ما يقال أو يكتب , فالظن أنهم أخذوا أكثر مما يستحقون ومع ذلك نقول بحسن النية "سامحهم يا رب لأنهم لا يدرون ما يفعلون".