عبدالله اسكندر/الحياة

القاسم المشترك لكل الاغتيالات السياسية الكبيرة في لبنان، ومنذ عقود، هو ان القتل جاء في مرحلة تكون فيها الضحية تعبر عن موقف متحفظ او معارض للسلوك السوري في لبنان. وفي كل مرة، كانت تقول سورية إنها هي المستهدفة من الاغتيال، بما في ذلك حالة النائب والصحافي جبران التويني الذي امضى أيامه، منذ اغتيال الحريري وبدء التحقيق الدولي في الجريمة، على وقع التهديد بالقتل. وهو مثله مثل كثيرين من معلني معارضتهم للدور السوري في لبنان، ضمتهم لائحة قتل واحدة. منهم من قضى ومنهم من ينتظر.

والمقصود بسورية هو ذلك النظام الأمني - السياسي الذي جرى بناؤه، شيئاً فشيئاً، منذ دخول القوات السورية الى لبنان صيف العام 1976، بحجة منع التقسيم ووقف الحرب الأهلية التي كانت منظمة التحرير الفلسطينية طرفاً فيها. وتعرضت قيادة المنظمة للتهديد والاغتيال في كل مرة كانت تختلف حساباتها عن الحسابات السورية. أي ان هذا النظام الأمني - السياسي ربط استمراره بإمساك كل أوراق اللاعبين في لبنان، حتى بات هذا السلوك نوعاً من آلية حكم، بدليل ان أي تحد له كان يُترجم، في الرد السياسي على الاقل، بتهمة التآمر على سورية.

وواجه السياسيون اللبنانيون، منذ اتفاق الطائف الذي تم التوصل اليه بعد تحييد قدرات منظمة التحرير على ان تكون عنصراً فاعلاً، وضعاً من اثنين: التطابق مع النظام الامني او الانتقال الى موقع التآمر.

ويبدو ان هذا المنطق ما زال يحكم السلوك السوري في لبنان، رغم ان دمشق لا تتأخر بالاستنكار والتنديد كلما تعرض زعيم لبناني للاغتيال أو اغتيل آخر. لكن معنى الاستنكار والتنديد يظل مجرد كلام ما لم يترافق مع تغيير معايير التصنيف من جهة، والانتقال الى اعتبار ان العلاقة اللبنانية - السورية لا تستقيم إلا بعلاقة دولة بدولة وليس علاقة دولة بأطراف داخليين، أفراداً أو أحزاباً. ففي الحال الاولى يمكن ان يكون اي عمل مشترك في اتجاهين، وفي الثانية لا يمكن إلا أن يكون في اتجاه واحد ويكون القوي فيه هو المستفيد. ولذلك كانت العلاقة السورية مع اطراف لبنانيين، بغض النظر عن الشعارات التي تحكمها، هي في خدمة الآلية التي تحددها السلطة السورية. وهذا ما اكدته التجربة، في كل المراحل التي قطعها الوضع اللبناني منذ بدء حملة الاغتيالات في خريف العام الماضي.

ومن أجل قطع الشك باليقين، وبما ان كل جرائم القتل ما تزال مجهولة الفاعل، وبما ان السلطات السورية تنفي نفياً قاطعاً علاقتها بها، ينبغي توفير الآليات والسبل التي توصل الى القاتل، أي الإسراع بإعلان تأييد ما ترتأتيه الحكومة اللبنانية، حتى إن كانت من طلب المساعدة الخارجية، من أجل التوصل في اسرع وقت الى الهدف. وهذا يتطلب الاقلاع عن ترداد ان المستهدف هو دمشق فيما القتيل على الأرض هو جبران التويني، بما يمثله في الصحافة وحرية الرأي وما يمثله في السياسة كعضو فاعل واساسي في الغالبية النيابية. وقد يكون هذا الظرف المأسوي هو المناسبة التي يظهر فيها «حزب الله» وحركة «امل»، بصفتهما الطائفية والسياسية، قناعتهما بأن ثمة مشتركا مع الآخرين في لبنان، ويعلنا رفع تحفظاتهما عن خطط الحكومة المنبثقة عن الأكثرية في سعيها لجلاء الحقائق المتعلقة بالقتل اولاً وباستعادة دور الدولة، كدولة، في ادارة البلاد وشؤونها بعدما أريد لها ان تكون فقط مبرراً لاستمرار آلية الحكم في النظام الأمني.