اميل خوري /النهار

استعان الرئيس السنيورة لانقاذ حكومته بالامين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى وبسفير المملكة العربية السعودية في لبنان لاقناع وزراء "التحالف الشيعي" بالعدول عن اعتكافهم ومعاودة حضور جلسات مجلس الوزراء وذلك بعدما اخفقت الاتصالات التي قام بها شخصيا وقام بها سواه في التوصل الى اقناع هؤلاء باعادة النظر في موقفهم، لأن دقة المرحلة التي يواجهها لبنان لا تحتمل التجاذبات المحلية والاقليمية والدولية.

ويبدو ان مساعي السفير السعودي لدى الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله لم تسفر عن نتيجة سوى الحصول على وعد بالنظر في الموضوع، وسمع الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى من الرئيس لحود، عندما بحث معه في موضوع الوزراء الشيعة وفي الاوضاع الامنية المقلقة في لبنان، انه التزم الحياد وحرص على عدم التدخل في الخلاف القائم بين الاكثرية الوزارية والاقلية حول انشاء محكمة دولية وتوسيع صلاحيات لجنة التحقيق الدولية بحيث تشمل كل جرائم الاغتيال ومحاولات الاغتيال التي وقعت في البلاد، لكنه لفت الى ان هذه الاكثرية استعجلت اتخاذ قرار في هذا الشأن وكان في الامكان التريث الى ان يتم التوصل الى توافق.

اما في ما يتعلق بالاوضاع الامنية المقلقة الناجمة عن الاغتيالات، فان الرئيس لحود قال للأمين العام للجامعة العربية ان ثمة من يحمّله مسؤولية كل ذلك، في حين ان صهره وزير الدفاع الياس المر تعرض لمحاولة اغتيال كادت ان تودي بحياته، وان النائب والصحافي جبران تويني الذي كان يتعرض للتهديد باغتياله، قد تم تنفيذ ذلك به. وثمة من يقول انه هو، اي رئيس الجمهوريةـ، مستهدف ايضا ومعرض لخطر الاغتيال، فكيف يكون هو المسؤول عما يجري في البلاد وفي الوقت نفسه يكون معرضا لهذا الخطر؟

الى ذلك، فان تردي الاوضاع الامنية في لبنان من جراء استمرار مسلسل الاغتيالات، وتوتر العلاقات بين لبنان وسوريا استدعى قيام الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى بزيارات لكبار المسؤولين في لبنان، وبزيارة دمشق ولقاء الرئيس بشار الاسد للبحث في الوسائل الآيلة الى تهدئة الاوضاع وتخفيف التوتر في هذه العلاقات، كما استدعى عقد لقاء مطول بين رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري والرئيس حسني مبارك.

والسؤال المطروح هو: هل تتوصل المساعي والاتصالات الجارية الى تهدئة الوضع الامني والسياسي المتوتر في لبنان فيعود الوزراء الشيعة المعتكفون عن موقفهم ويستأنفون عملهم الرسمي، ويتوقف تاليا مسلسل الاغتيالات والتوتر السياسي.

يقول ديبلوماسي عربي ان الساحة اللبنانية تحولت ساحة صراع وتجاذب بين سوريا وايران من جهة والولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمجتمع الدولي من جهة اخرى وذلك منذ صدور قرار مجلس الامن الرقم 1559. واذا كانت الانتخابات النيابية قد اتت بأكثرية ظن انها تستطيع ان تحكم وفقا للنظام الديموقراطي، فقد ردت سوريا وايران على مجيء هذه الاكثرية باقامة تحالف شيعي يتألف من حزبين كبيرين هما "حركة امل" و"حزب الله" مدعوم من الرئيس لحود وقريب من "التيار الوطني الحر" برئاسة العماد ميشال عون بدون ان يبتعد في الوقت نفسه عن قوى 14 آذار وذلك وفقا لتطور معركة الانتخابات الرئاسية والمواقف منها. وقد استطاعت الاقلية المركبة من هذا التحالف التحكم بقرارات الاكثرية وفرملة تحركها ونشاطها الى حد جعلها "مكربجة"، بحيث بات في امكان سوريا وايران استخدام هذه الاقلية كورقة ضاغطة في مواجهة ضغوط الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمجتمع الدولي والتهديد بزعزعة الاستقرار في لبنان وفي دول اخرى مجاورة لو ان مجلس الامن قرر فرض عقوبات او توقيف من يتهمهم تقرير ميليس بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه.

وقد ادى قيام معادلة جديدة في ميزان القوى في لبنان الى جعل سوريا وايران قادرتين على زعزعة الاستقرار فيه وفي اي دولة في المنطقة ما لم يُعَد النظر في المواقف بحيث ان السعودية ومصر سارعتا للسعي الى تهدئة الاوضاع وجعل مجلس الامن يتجنب اتخاذ قرارات تستفز سوريا، وهذا الموقف التقى وموقف روسيا والصين والجزائر، مما جعل هذا المجلس يكتفي بقرار عادي مدد بموجبه للجنة التحقيق الدولية ستة اشهر الامر الذي يجعل مساعي تهدئة الاوضاع في لبنان تنجح واقناع الوزراء الشيعة بالعودة عن اعتكافهم بعدما تردد انه كان لسوريا يد في ذلك ردا على مواقف الرئيس السنيورة التي تعتبرها سلبية منها، وتوقيت اطاحة حكومته عندما توعز الى هؤلاء الوزراء بالانسحاب منها ودعم العمل على تأليف حكومة جديدة تتمثل فيها كل الاحزاب والكتل الاساسية بحيث تكون اشبه بحكومة وحدة او اتحاد وطني ترتاح الى سياستها وتتعاون معها وتساعدها على اشاعة الامن والاستقرار في كل ارجاء لبنان.

كل هذا، يتوقف في رأي بعض المراقبين على مدى نجاح الاتصالات والمساعي الجارية محليا واقليميا ودوليا من اجل التوصل الى حلول وتسويات تبدد هواجس سوريا وشعورها بالقلق من خلال سير التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، وقد يكون القرار الذي صدر اخيرا عن مجلس الامن مطمئناً لسوريا الى ان تنتهي التحقيقات في هذه الجريمة بحيث يبنى عندئذ على الشيء مقتضاه، وتتخذ في حينه الخطوات اللازمة.