علي الامين/صدى البلد

"المسألة تحتاج الى وقت"، "الوقت كفيل بمعالجة هذه القضية" "ثمة وقت طويل يفصلنا عن لحظة كشف الحقيقة الكاملة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومحاكمة مرتكبيها"، "الوقت" و"الزمن" ابرز المفردات التي تكررت كثيراً في سياق الحديث عن الملفات اللبنانية التي تولي وزارة الخارجية الأميركية اهتماماً بها، وخصوصاً منذ صدور القرار 1559 وما تلاه من أحداث وتطورات أمنية وسياسية.

مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، يعتقد أن لبنان مستمر في الانتقال من مرحلة الوصاية الخارجية والتدخل الأجنبي الى مرحلة الاستقلال والسيادة، ومنذ صدور القرار 1559 لم تغير الادارة الأميركية سياستها تجاه لبنان، وهي من ضمن المجتمع الدولي مستمرة في المسار نفسه الذي بدأ منذ أن صدر القرار 1559 وتضمنت بنوده انسحاب القوات العسكرية السورية من لبنان، وانهاء التدخل الأجنبي ونزع سلاح الميليشيات ونشر الجيش اللبناني على الحدود الجنوبية. فالادارة الأميركية مستمرة في السعي لتحقيق هذه العناوين، مدركة ان العقبات كثيرة في وجه تحقيق هذه الأهداف، وأولى هذه العقبات عدم اقتناع دمشق التي سحبت جنودها من لبنان، بضرورة الاقرار بأن دورها في لبنان يجب الا يتنافى مع استقلاله وسيادته.

المصادر الأميركية المسؤولة تشير الى أن دمشق تملك صلات قوية جداً مع بعض القوى السياسية والمجموعات اللبنانية وتستخدم نفوذها وصلاتها في سبيل عرقلة استعادة الحكومة اللبنانية سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية وفي مختلف المؤسسات الحكومية المدنية وغير المدنية. ولكن هذه الاندفاعة الأميركية التي انقلبت على مسار سياسي كانت اعتمدته حيال لبنان منذ اتفاق الطائف على الأقل، وقام على عدم مواجهة السياسة السورية في ادارة الأوضاع اللبنانية وربما دعم هذه السياسة، ــ هذه الاندفاعة الأميركية ــ يمكن وصفها بالصحوة أو السياسة الجديدة في المنطقة عموماً. وأكد المصدر المسؤول أن الادارة الأميركية لم يكن انخراطها في الأوضاع السياسية في المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً مثالياً، وفي لبنان "لم يكن لدينا تاريخ مثالي فيما مصالحنا في المنطقة ومنها لبنان، مصالح طويلة المدى". انطلاقاً من ذلك يلفت المصدر المسؤول الى أنه في السنوات العشر الأخيرة بدأ يترسخ في السياسة الخارجية ادراك لأهمية العملية الديمقراطية في "الشرق الأوسط" واتخذ أبعاداً أساسية في السياسة الخارجية مع الرئيس جورج بوش ووزيرة الخارجية غونداليزا رايس.

الأوضاع في لبنان تقدمت خطوات في هذا الاتجاه وحققت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة تمثيلاً سياسياً موضوعياً لم يكن متوافراً في الحكومات السابقة. ويضيف المصدر: نحن نعرف ان قانون الانتخاب الذي جرت على أساسه الانتخابات النيابية لم يكن قانوناً يؤمن صحة التمثيل لكن الانتخابات شكلت خطوة متقدمة على ما سبقها من انتخابات في ظل الوجود السوري العسكري والأمني.

وشدد المصدر على أن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بازاء مهمات ليست سهلة في ما يتعلق بما تود الحكومة تحقيقه اما لجهة مباشرة الاصلاحات السياسية والاقتصادية، أو لجهة ضبط الأوضاع الأمنية وخصوصاً مسألة السلاح الفلسطيني في المخيمات وخارجها.

أما الدور الذي تقوم به السياسة الخارجية الأميركية حيال لبنان فهو اعطاء الدعم قدر المستطاع، أي مساعدة اللبنانيين والحكومة اللبنانية لتثبيت الأمن وتحقيق السيادة والاستقرار. وفي هذا السياق تعتبر الادارة الأميركية أن مهمة لجنة التحقيق الدولية تحظى بدعم كامل منها، وينفي المصدر المسؤول ما يشاع أحياناً عن صفقة سورية ـــ أميركية قد تؤثر على مسار التحقيقات، وشدد على أن مسار لجنة التحقيق الجنائي يستمر في معزل عن العلاقات السورية الأميركية، وفي معزل عن المطالبة التي يجب أن تلتزم بها دمشق والمقدمة منذ زيارة وزير الخارجية الأميركية كولن باول في العام 2003، وفي هذا السياق تؤكد مصادر على اطلاع على مسار العلاقات الأميركية ـــ السورية أن القيادة السورية لم تتوقف عن تزويد القوات الأميركية في العراق بمعلومات عن حركة بعض الناشطين ضد القوات الأميركية في العراق، وأكدت ان العمليات الأخيرة التي جرت في القائم على الحدود السورية ـــ العراقية قد استندت الى معلومات سورية.

في كل الأحوال، يرى المصدر الأميركي المسؤول أن استقالة ميليس أمر شخصي يتعلق به، وفي الوقت نفسه لا تؤثر في عمل اللجنة التي يجب أن تبقى بعيدة عن أي شبهة تربطها بأي شخص خصوصاً أن عملية التحقيق سوف تحتاج الى وقت طويل، وهي ليست سهلة، والاستقالة لم تكن مفاجئة بسبب ان المحقق الألماني كان قد ربط مهمته بمدة زمنية بنهاية التحقيق او المحاكمة كما أكد المصدر الذي نوه بما أنجزه المحقق الألماني وخصوصاً لجهة الحصول على قدر من التعاون السوري، وهو قد نجح في الاستماع الى مسؤولين سوريين خارج سورية بعدما كانت ترفض القيادة السورية ذلك، وهذا انجاز مهم ولكن ليس نهاية المطاف، وثمة محاولات سورية جرت لتثمير هذه الاستقالة في سياق الانتصار السوري، كدأب السياسة السورية على ادعاء انتصارات وهمية كما علق المصدر الأميركي في وزارة الخارجية الأميركية.

الاهتمام الأميركي في لبنان، يقوم على فرضية احداث التغيير من دون التورط في أي تدخل عسكري أو أمني مباشر، ومن دون أن ينجر البلد نحو تطورات دراماتيكية قد تقلب الموازين السياسية رأساً على عقب. ثمة رغبة في حصد النتائج السياسية بأقل التكاليف الممكنة من دون معرفة إن كان مسلسل القتل من بين هذه التكاليف أم يتجاوزها؟