الشراع اللبنانية/حسن صبرا

هو أمر منطقي ومنطلق من الالتزام العروبي الموقف الداعي إلى منع تكرار تجربة العراق الدامية في سوريا، وكما قال الرئيس حسني مبارك لرئيس النظام السوري: ((يا بشار الأمة العربية ما تحتملش عراق تاني في سوريا)).

ومن حق اللبنانيين كلهم، وليس فيهم من يدعو إلى تكرار تجربة العراق السابقة في سوريا، ان لا يصبح لبنان هو الساحة المهددة بأن تعود للحرب ليس كما كانت سابقاً بل بما آل إليه العراق مع وبعد الاحتلال الأميركي له.. وهو الأسوأ.

سوريا بلد عربي من حق وواجب العرب جميعاً الحرص على أمنه واستقراره، ولبنان أيضاً بلد عربي من حق وواجب العرب جميعاً الحرص على أمنه واستقراره.

حتى إذا قلنا ان النظام في سوريا هو الذي يهدد لبنان ويمارس تهديداته اغتيالات ومتفجرات وسيارات مفخخة ولوائح وفرق موت وتطاولاً على أعلى المستويات والمؤسسات، فإن هذا يعني ان من حق وواجب الدول العربية جميعاً ان تسعى إلى حماية لبنان أولاً.. فهو المهدد من الاستخبارات السورية، ولها ان تبحث معها الطريقة الملزمة كي توقفها عن تنفيذ مسلسل الموت والاغتيالات والتفجيرات، وان تكف عناصرها في لبنان عن بث سموم الفتنة بين اللبنانيين.

نقول من واجب الدول العربية ان توقف النظام السوري عن الاستمرار في مخططه الإرهابي ضد أمن واستقرار لبنان واستهداف قادة الرأي والكلمة الحرة فيه، ورموز الاستقلال الجديد الذي فجرته ممارسات الإرهاب والوصاية الأمنية السورية ضد لبنان واللبنانيين طيلة 30 سنة منها 15 سنة منفردة، حتى لا يستدرج النظام السوري الوصاية عليه وعلى لبنان، مثلما استدرجها حين مدد قسرياً لإميل لحود في رئاسة الجمهورية فاستصدر القرار 1559، ودفع هو أولاً ثمنه خروجاً مهيناً من لبنان، ويدفع لبنان ثمنه انتقاماً من النظام السوري ضد لبنان واللبنانيين.. بتدخل الدول العربية مع النظام في سوريا بتوقف إنزلاقه نحو وضع شبيه بالعراق.

والرئيس حسني مبارك الذي يقود الدعوة إلى عدم تكرار مأساة العراق في سوريا – ومعه الأمة العربية كلها وفي المقدمة دائماً لبنان وبنوه – مدعو لاسترشاد موقفين سابقين لزعيمين من مصر، أرض الكنانة نفسها.. تجاه لبنان.

 الموقف الأول هو موقف جمال عبد الناصر الحريص دائماً على الوضع الخاص للبنان رسالة ودوراً، والذي بلغ الحرص الناصري نحوه، انه امتنع عن زيارته طيلة عصره العظيم، حتى لا تسبب هذه الزيارة أي صدع في صفوف ابنائه، وهو العارف انه في وقت قد يحمل فيه بعض اللبنانيين سيارته ترحيباً ومحبة، فإن بعضاً آخر سيعتبر زيارته تحدياً لمشاعره وتأليباً للبنانيين بعضهم على بعض، حين يستقوي البعض منهم به وبزيارته، ويعتبره الآخر منهم محرضاً للفتنة بينهم.

حرص جمال عبد الناصر على لبنان ايجابي بالاصل لأنه انطلق في هذا الموقف عندما كان رئيساً لدولة الوحدة أي الجمهورية العربية المتحدة المشكّلة من مصر وسوريا، كان جمال عبد الناصر رئيساً لسوريا حين اتخذ هذا الموقف وعندما سعت اكثرية النواب الذين زورت انتخاباتهم للتجديد لشمعون، وثارت المعارضة بانتفاضة 1958 تدخل جمال عبد الناصر لوقف المواجهة التي استمرت ثلاثة اشهر فقط وتم انتخاب فؤاد شهاب اهم رئيس جمهورية في تاريخ لبنان.

 الموقف الثاني هو ما ردده الرئيس الراحل انور السادات يوم 5/6/1975 حين اعادة افتتاحه قناة السويس بقوله والحرب تطل على لبنان بأنياب ومواقد مشتعلة: ارفعوا ايديكم عن لبنان.

كان السادات يعرف تماماً طبيعة الصفقة التي عقدها النظام السوري عام 1974 مع وزير خاجية اميركا يومها الصهيوني هنري كسينجر بل لعل عزيزه كسينجر كما كان السادات يحب أن يناديه أسرّ له بهذه الصفقة التي اطلقت يد حافظ الاسد في لبنان لاخضاعه.. فكانت الحرب وكان الدم وحماماته التي حذّر منها السادات حتى اطلق عبارته الشهيرة: ((ارفعوا ايديكم عن لبنان)).

لكن على قدر ما كانت هذه الدعوة مثالية وبريئة فإنها في الوقت نفسه سمحت للذين قال لهم السادات عبارته ان يمسكوا بلبنان قتلاً وتمزيقاً وارهاباً واغتيالات.. كان واجباً على السادات ان يمنعهم لا ان يكتفي بمناشدتهم.

الرئيس حسني مبارك الحريص على سوريا حريص ايضاً على لبنان ولقاءاته مع القيادات اللبنانية التي تنقل له مر الشكوى من ممارسات الاستخبارات السورية ضد لبنان وبنيه لا يستطيع ان يقف عند قول السادات ارفعوا ايديكم عن لبنان.. بل يملك القدرة على منعهم من استعادته ساحة صراع او فريسة للالتهام كما كان طيلة 30 سنة حتى لا يتحول لبنان الى عراق ثان، وهو – أي الرئيس العربي – حريص على الا تتحول سوريا الى عراق آخر.