النهار/إميل خوري

أي ثمن سيدفعه لبنان في حال استمر الصراع محليا واقليميا ودوليا على ارضه؟ فاذا انتهى هذا الصراع بتسوية، فقد تكون على حساب سيادته واستقلاله، او على حساب طي ملف جريمة اغتيال الرئيس الحريري مع غيره من الاغتيالات في مقابل الحفاظ على الاستقرار الامني، واذا لم ينته بتسوية بل بكسب النظام السوري وجعله يغير سلوكه او بكسره، فان لبنان يدفع ايضا الثمن سياسيا وامنيا واقتصاديا.

هذا هو المشهد كما تراه اوساط سياسية مراقبة وقد بدأ بالظهور منذ صدور القرار 1559 والتمديد للرئيس لحود رغم هذا القرار.

والصراع المحلي والاقليمي والدولي اشتد من خلال المواجهة السياسية الحادة بين فريق قوى 14 آذار وفريق قوى 8 آذار بعدما اوشك ان ينضم الى العماد ميشال عون باعلان مطالبته باستقالة الحكومة ردا على المطالبة باستقالة لحود. وان هذا الصراع قد يطول اذا لم يستطع اي من الفريقين حسمه لمصلحته بفعل توازن القوى والتعادل في المواجهة، فلا فريق قوى 14 آذار قادر على اسقاط الرئيس لحود لانه يحتاج الى اكثرية ثلثي عدد النواب، ولا فريق قوى 8 آذار قادر على اسقاط الحكومة لانه يحتاج الى اكثرية لحجب الثقة عنها وهي غير متوافرة حتى الآن، او الى استقالة ثلث عدد الوزراء كي تعتبر الحكومة مستقيلة.

واذا كان فريق قوى 14 آذار نجح في تحقيق نصف انتصار على النظام الامني اللبناني – السوري فان فريق قوى 8 آذار لم يمكنه من تحقيق النصف الباقي من الانتصار كي يتسلم زمام الحكم بكامله فجعله يراوح مكانه لاطالة امد المرحلة الانتقالية التي تحولت مرحلة معاناة للشعب وتفجيرات واغتيالات وعدم تمكين الحكومة من اجراء حركة تشكيلات ومناقلات وتعيينات امنية وادارية وقضائية للامساك بزمام الامور فلا تبقى البلاد مكشوفة امنيا، والادارات مشلولة والقضاء شبه معطل.

وتقول الاوساط نفسها ان الشعب وحده هو الذي يدفع ثمن كل صراع محلي واقليمي ودولي يدور على ارض لبنان، وان سوريا تتخذ من فريق قوى 8 آذار ورقة تواجه بها الضغط الاميركي وتطرحها للمساومة على امل التوصل الى تسوية ترفع عنها الضغط والا فانها تستمر في هز الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي في لبنان، وتحول دون تمكين حكومة الرئيس السنيورة من الحكم وتحويلها حكومة تصريف اعمال بابقاء وزراء "التحالف الشيعي" مقاطعين او معتكفين، اذا تعذر عليها تطييرها. وهذا من شأنه ان يلحق ضررا كبيرا بالاوضاع الاقتصادية والمالية ويحول دون اقرار الاصلاحات المطلوبة شرطا لانعقاد مؤتمر الدول المانحة في بيروت، كما ان من شأنه ان يثير نقمة الناس عندما تبدأ المعاناة المعيشية والمشكلات الاجتماعية، فيتحرك الشارع مطالبا برحيلها، وعندها تتدخل سوريا في تشكيل حكومة جديدة يكون لها فيها اكثرية موالية وتجعل الناس يرتاحون اليها من خلال ترسيخ الامن المشكو من زعزعته وقد بات اولوية عندهم، كما تجعل ملف التحقيقات في جرائم الاغتيال تأخذ وقتها الى ان تدخل دنيا النسيان.

ومع مجيء حكومة كهذه تكون سوريا قد عادت سياسيا الى لبنان بعدما خرجت منه عسكريا، وبات في امكانها مع هذه العودة التي تعتبرها "حقا لها"... التحكم في مجرى الامور الداخلية من خلال جبهة موالية وتصبح بفعل المصالح الشخصية وحرص البعض على تأمينها تمثل الاكثرية فيما فريق قوى 14 آذار يصبح اقلية، وهذا يضمن بقاء الرئيس لحود في منصبه حتى نهاية ولايته، ويجعل الاكثرية النيابية تنتخب خلفا له ترتاح اليه سوريا وتؤمن من خلاله وجودا سياسيا لها يكون بديلا من وجودها العسكري، وهذا ما جعل حزب "الكتلة الوطنية" يدعو اللبنانيين في بيانه الاخير الى الاختيار بين الاستقلال والسيادة وبين العودة الى الوصاية السورية.

والسؤال المطروح هو: هل تنجح سوريا في ما تخطط له من خلال فريق قوى 8 آذار المدعوم من الرئيس لحود، فتهدد الوضع الحكومي بجعل وزراء "التحالف الشيعي" ينسحبون من الحكومة في التوقيت الملائم اذا لم تبادر الولايات المتحدة الاميركية الى الدخول معها في تسوية وكان يهمها استمرار الحكومة الحالية لانجاز المطلوب منها انجازه ولكن في اطار العودة الى علاقات مميزة بين البلدين والتنسق في المواقف. ان الجواب هو عند كلا الفريقين المتواجهين سياسيا ومدى استعدادهما للعودة الى التعاون من اجل لبنان وليس من اجل اي جهة اخرى في ضوء ما اعلنه الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله.

ولكي يستطيع لبنان العيش براحة وامان، لا بد للولايات المتحدة الاميركية من جعل النظام السوري يغير سلوكه حيال لبنان لضمان الاستقرار السياسي والامني فيه، او تدخل معه في تسوية اذا كانت غير قادرة على تغيير هذا النظام حتى ولو لم يغير سلوكه، وتكون هذه التسوية اما في العراق او في فلسطين ان لم تكن في لبنان حيث تعتبر سوريا ان لها "حق العودة" اليه ولو سياسيا لان سوريا ما دامت تشعر بانها ليست بخير فانها قد لا تجعل جارها لبنان بخير...