السير سيريل تاونسند /الحياة

بُعيد الانتخابات اللبنانية في حزيران (يونيو) الماضي انضممت شخصياً إلى من آمنوا بأن هذا البلد العربي الجميل، على رغم مآسيه، اهتدى بعد عناء ومشقة إلى الطريق المؤدي الى مستقبل آمن وأفضل، وولى ظهره للحرب الأهلية الدامية والمريرة التي استمرت 15 عاماً. حتى أنه لاح بعض الأمل بإصلاح النظام الانتخابي اللبناني المتداعي بعد طول انتظار.

عندما أخرج السوريون قواتهم من لبنان بمساعدة قوافل من الشاحنات القديمة وغير الآمنة كلياً لتقادم الزمن عليها في البلد، بدا أن في الإمكان إقامة علاقة سليمة بين لبنان وسورية تفيد الجارين اللذين تربطهما أواصر ومنافع مشتركة.

تساءل البعض حينذاك إن كان جميع ضباط الاستخبارات السوريين الذين يرتدون ثياباً مدنية قد خرجوا بالفعل من لبنان. أما الآن، فيبدو أن فريقاً صغيراً وشديد الخطور من هؤلاء بقي في موقعه وهو ضليع بالبلد وبحوزته أدوات تدمير غاية في التعقيد.

كما ورد بعض التقارير المقلقة عن تعرض سياسيين وموظفين حكوميين ورجال أعمال لبنانيين لضغوط وتهديدات لمنعهم من مساعدة الجبهة المعارضة لسورية ومؤازرتها، بالإضافة إلى أن كثيرين من المحيطين بالرئيس لحود تعاملوا مع الاستخبارات السورية سنوات طويلة وتمرسوا بأساليبها الإجرامية.

في 12 كانون الأول (ديسمبر) الجاري غيب انفجار كبير في إحدى ضواحي بيروت الشرقية جبران تويني، 48 عاماً، فقتل مع سائقه واحد المارة. كان تويني شخصية بارزة في لبنان وقد سدد اغتياله ضربة قاسية للبلد الذي شهد منذ شباط (فبراير) الماضي 14 عملية تفجير أودت بحياة 13 شخصاً. وكان أيضاً ناشر جريدة «النهار» اللبنانية المتحررة التي أسسها جده. ولعب تويني من موقعه كسياسي بارز دخل مجلس النواب هذا العام دوراً مهماً في تفجير حركة الدعم للمطالبة بوضع حد للسيطرة السورية التي أدّت إلى انسحاب القوات السورية في نهاية المطاف.

وفي أحد المقالات الأخيرة التي كتبها رئيس تحرير «النهار»، هاجم سورية، متهما إياها بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية». وأراد أن تحقق الأمم المتحدة في مسألة المقابر الجماعية المخفية التي اكتشفت أخيراً قرب المركز السابق للاستخبارات السورية في شرق البلاد. ويرجح أنها مقابر الجنود اللبنانيين الذين اختطفتهم المخابرات العسكرية السورية.

وقد عكست حياة التويني تاريخ لبنان المعاصر وفظاعاته. فقد حصل على شهادتين من فرنسا، ثم أطلق مسلحون فلسطينيون الرصاص عليه في بداية الحرب الأهلية فأصابوه في رجليه قبل أن يختطفه بعض عناصر الميليشيات اليمينية بعد عدة اشهر من ذلك. وفي 1990، مع دخول السوريين بيروت لجأ البطل الجسور المدافع عن استقلال البلاد إلى فرنسا.

وبعد اغتيال رفيق الحريري في شباط الماضي، وجد التويني اسمه بين الأسماء التي تتصدر لائحة اللبنانيين المهددين بالقتل، فالتجأ إلى فرنسا مرة أخرى. وقد قدم تويني شهادته في التحقيق الذي أجراه ديتليف ميليس بتكليف من مجلس الأمن، وأكد ان الرئيس بشار الأسد هدد رئيس الوزراء السابق الذي تمتع بالشعبية والثروة بشكل مباشر في دمشق. ولم يرجع السيد تويني إلى بيروت إلا يوم الحادي عشر من كانون الأول وتجول في العاصمة في سيارة مصفحة. وحظي المحرر الذكي بشعبية أكبر في لبنان من تلك التي تمتع بها في البلاد العربية حيث اعتبر شديد الموالاة لفرنسا وللغرب. وكان تويني صرح على شاشة التلفزيون بأن نظام صدام حسين الوحشي ما كان ليسقط من دون مساعدة الغرب، وهو محق على الغالب.

أما الألماني ديتليف ميليس، كبير المحققين الجنائيين المحترم، فرفع تقريره الثاني إلى مجلس الأمن في 12 كانون الأول قبيل عودته القريبة إلى ألمانيا، وهو يفيده من خلاله بأن تورط سورية في مقتل رفيق الحريري و22 شخصاً آخر في انفجار سيارة مفخخة عند واجهة بيروت البحرية، أصبح أوضح. وأشار ميليس أيضاً إلى بطء تعاون السلطات السورية مع المحققين وإلى ضغطها على أحد الشهود لكي يغير أقواله. وقد أصدر المجلس قراراً يهدد فيه بإمكان اتخاذه «خطوات إضافية» ضد سورية، كما أسس لجنة فرعية حول العقوبات.

وليس مستغربا أن غالبية اللبنانيين تعتقد بمسؤولية سورية عن التفجيرات والاغتيالات ويقلقها بقاء الرئيس لحود في منصبه، بسبب قربه من النظام في دمشق. ويعي اللبنانيون جيدا أن حربهم الأهلية بدأت بعد اغتيال بعض الأشخاص على يد الفصائل الدينية في البلد.

لا شك في أن لسورية أسبابها الخاصة لزعزعة استقرار جارها من خلال تغذية التوتر بين مختلف طوائفه. لكني أشك بقدرة المجتمع الدولي على وقف التحرك السوري، على رغم الكره الذي يحظى به.