السفير / ساطع نور الدين

لم يكن قرار نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام الظهور معارضا من باريس بالذات وعلى شاشة تلفزيون سعودية بالتحديد، عبثا او صدفة. كما لم يكن اسهاما متأخرا في كشف الحقيقة المعروفة في جريمة اغتيال صديقه الرئيس رفيق الحريري.

ثمة ما يوحي بان تحولا جوهريا طرأ على المواجهة بين دمشق من جهة وبين بيروت وعدد من العواصم العربية والدولية من جهة اخرى، التي شهدت في الاسابيع القليلة الماضية تصعيدا جديدا، كاد يوحي بان الجانب السوري الذي اطمأن الى ان النظام ليس مستهدفا والعقوبات ليست واردة، وشرع في شن هجوم مضاد على جبهات مجلس الامن الدولي والغجر والسراي الحكومي والمكلس.. يوشك على العودة الى مواقع انتشاره ونفوذه السابق في لبنان.

وبدا لوهلة ان المجتمع الدولي تراجع الى حد التسليم مرة اخرى بانه ليس لسوريا من بديل في لبنان سوى الفوضى وربما ايضا تنظيم القاعدة الذي انضم اسمه الاسبوع الماضي الى جبهة المواجهة واسلحتها المحرمة..

لكن واشنطن ابلغت رسميا عددا من القوى اللبنانية، ان محاولة الانقلاب السورية على موازين القوى الجديدة في لبنان ليست مقبولة ولا بد من الرد عليها بجدية عبر المزيد من التماسك بين قوى الاغلبية النيابية، حتى ولو اقتضى الامر التراجع عن القرار الدولي السابق باشراك حزب الله في الحكومة.. واعادة فتح ملف سلاحه حسب قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1559.

في هذا الوقت كانت باريس تلزم الصمت وتبدو انها خارج خط المواجهة، حتى باتت تتلقى الاتهامات، من مصادر عديدة بينها واشنطن انها تخلت عن لبنان وعن دعم التحقيق الدولي في اغتيال صديق الرئيس الفرنسي جاك شيراك.. وما زالت ترفض سحب سفيرها من دمشق، بخلاف السفيرة الاميركية التي استدعيت من العاصمة السورية في اليوم التالي للجريمة، ولم تعد حتى الان.

في هذا السياق، اطل خدام من باريس ليحدث دويا هائلا يفوق كل ما صدر من واشنطن طوال العام الماضي، ويعيد تصحيح النظرة الى المواجهة والمدى الذي بلغته، وينبىء بان المجتمع الدولي يستعد لاختراق حدود جديدة، تتعدى التحقيق الدولي في الجريمة وتمس معادلة الاستقرار في لبنان وسوريا على حد سواء.

هو بمثابة رد مباشر على الهجوم السوري المضاد على الجبهة اللبنانية، لكنه ينقل المواجهة للمرة الاولى الى الداخل السوري، والى القيادة السورية التي لم يسبق ان تعرضت لمثل هذا التشكيك العلني في شرعيتها وكفاءتها ومصداقيتها، ولمثل هذا الاتهام الصريح بالتورط في الجريمة.

اذا لم ينجح حديث خدام في حفظ توازن القوى فان المعادلة تصبح على النحو الاتي: اللعب في الداخل اللبناني سيؤدي الى اللعب في الداخل السوري وسيأخذ منحى تصاعديا من الان وحتى حزيران العام 2007.