النهار /روزانا بو منصف

يشكك سياسيون كثيرون في خلفيات ازمة مقاطعة وزراء التحالف الشيعي الحكومة وقد تجاوزت خطوتهم الاعتراض على مطالبة الاكثرية النيابية بمحكمة ذات طابع دولي للنظر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتوسيع التحقيق ليشمل كل الاغتيالات الاخرى وخصوصا انهم كانوا وافقوا على توسيع التحقيق بعد محاولة اغتيال الزميلة مي شدياق لكنهم لم يعلنوا اعتراضهم او مقاطعتهم الا بعد اغتيال جبران تويني كما انهم كانوا منفتحين على مبدأ المحكمة الدولية. ويبرر السياسيون شكوكهم بالعودة الى البيان الوزاري لحكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة والذي وضع قبل ستة اشهر فقط في 25 تموز الماضي وتحدث عن "حسن العلاقة مع الشرعية الدولية واحترام قراراتها في اطار الحفاظ على المقاومة والتعاون مع سوريا ومعالجة السلبيات الضارة بمصلحة البلدين".

في الايام التي سبقت مناقشة البيان الوزاري وتلتها اعتبر مسؤولون في "حزب الله" ان "البيان الوزاري قطع الطريق على الادارة الاميركية في توظيفها التحولات السياسية لخدمة مشروعها علما ان هذه الادارة بالعودة الى مواقف مسؤوليها لم تخف خيبتها من تجاهل الحكومة اللبنانية اي ذكر للقرار 1559. كما اعتبر حلفاء سوريا من المسؤولين السابقين ان البيان الوزاري كرس شرعية المقاومة ويمكن العودة بسهولة الى تصريحات هؤلاء. وفي الحديث عن العلاقات اللبنانية – السورية لم يستطع وزير الخارجية السوري فاروق الشرع اخفاء سعادته بما جاء في البيان الوزاري عن هذه العلاقات وقد توجه رئيس الحكومة بعد ايام على نيل حكومته الثقة الى دمشق.

هذا الانقلاب في موقف التحالف الشيعي لا يجد له مراقبون أي مبررات أكان بالنسبة الى الرئيس نبيه بري الذي يريد فتح حوار حول عناوين ثلاثة هي معرفة الحقيقة والعلاقات مع سوريا والقرار 1559 في الوقت الذي يتمسك فريقه في التحالف الشيعي باتفاق ما سمي التحالف الرباعي بحيث ينسف اي تفاهم في هذا الاطار قواعد الحوار نفسه الذي يرغب بري في اجرائه، ام بالنسبة الى "حزب الله" الذي يرى كثيرون انه يحاول "تسييل" التطورات الاقليمية الاخيرة في العراق وايران وحتى مظاهر القوة التي تحصنت وراءها سوريا على قاعدة مواقف روسية جديدة يغذيها تيار في الخارجية الروسية من ضمن قواعد الحرب الباردة سابقا مع الولايات المتحدة والعالم الغربي من اجل ارساء توازن جديد في لبنان تماما كما كان يحصل ابان جولات الحرب في لبنان حين كانت سوريا تنكفئ تحت وطأة تطورات معينة لتعاود الهجوم في ظرف مختلف وتفرض على الآخرين من اعضاء المجتمع الدولي الانكفاء عن لبنان لانشغالات خاصة بهم او سياسات جديدة وخصوصا انها اعتبرت لبنان دائما يدور في فلكها وناهضت كل محاولات استقلاله.

وترى سوريا ان المرحلة الجديدة مع انتهاء مهمة القاضي الالماني ديتليف ميليس مختلفة كليا وكأنها هي التي اطاحت ميليس علما انها تستفيد حكما من تنحيه الطوعي وكذلك يفعل التحالف الشيعي وكأنما ما قبل ميليس هو غير ما بعده.

وتقول مصادر ديبلوماسية ان سوريا سعت الى الافادة من انشغال الادارة الاميركية بأمور داخلية من اجل ان تعيد التوازن الى مواقعها في لبنان او على الاقل تدفع الادارة الاميركية الى فتح حوار معها لا يزال مستحيلا. ولذلك فهي تهدد النموذج الديموقراطي الذي ارتاحت واشنطن الى استعادته في لبنان. الا ان هذه المصادر تقول ان اللبنانيين اعطوا دوما سوريا اهمية تفوق حجم تأثيرها في الواقع رغم ان "من يكتوي بالحليب ليس كمن ينفخ في اللبن" والفارق كبير بين تعاطي الولايات المتحدة مع سوريا وتعاطي هذه مع لبنان. وبحسب هذه المصادر فان الولايات المتحدة تواصل التنسيق مع فرنسا والعمل من ضمن مجلس الامن الدولي. وهما عملتا في شكل متقارب جدا من اجل صدور قرار مجلس الامن 1644 والذي مدد للجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري ستة اشهر تنتهي في منتصف حزيران المقبل. كما تجاوبتا مع طلب لبنان توسيع التحقيق ليشمل تقديم المساعدة في التحقيق في الاغتيالات الاخرى التي بدأت منذ تشرين الاول 2004. كما طلب مجلس الامن من الامين العام للامم المتحدة ولجنة التحقيق التنسيق مع الحكومة اللبنانية في التوصيات من اجل توسيع عمل اللجنة. وصحيح ان القرار الاخير الصادر في 15 كانون الاول الجاري لم يفرض عقوبات على سوريا الا ان المسؤولين الفرنسيين والاميركيين رأوا ان روسيا واعضاء آخرين في مجلس الامن كالبرازيل والجزائر والصين قد لا يدعمون في هذه المرحلة فرض عقوبات. لذلك تستمر الاستراتيجيا القائلة بابقاء الضغوط على سوريا عبر لجنة التحقيق الدولية. اذ في حال اظهرت سوريا عدم تعاونها مع اللجنة، فان الولايات المتحدة وفرنسا قد تقترحان عقوبات. ومن بين الافكار التي يتردد انه يمكن اخذها في الاعتبار في هذا المجال فرض حظر السفر على كبار المسؤولين السوريين وتجميد ودائعهم وفرض حظر على وصول الاسلحة الى لبنان باستثناء تلك المخصصة للقوات المسلحة اللبنانية مما سيضع سوريا في موقع يضطرها الى منع عبور الاسلحة الى "حزب الله" والتنظيمات الفلسطينية وسواها في لبنان تحت طائلة مواجهتها عقوبات جدية في حال عدم التزامها هذا الحظر.

وبحسب مسؤولين في الادارة الاميركية فان تقرير القاضي ديتليف ميليس والذي اشار الى مشتبه فيهم سوريين سيضع موضع التنفيذ طلب توقيف اثنين منهم وعلى الاقل احدهما. لكن قضية المحكمة الدولية التي ستتولى النظر في الاتهامات التي قد توجه الى لبنانيين او سوريين في اغتيال الحريري لا تزال ضائعة من دون قرار في شانها. فاحد الاقتراحات القائلة باعتماد المحكمة الجنائية الدولية تتحفظ عنه الولايات المتحدة، واقترحت محكمة خاصة للامم المتحدة لكن فرنسا ودولا اخرى تعترض عليها لان محاكم مماثلة مكلفة جدا. اذ ان المحكمة التي اقيمت من أجل النظر في مجازر رواندا مثلا كلفت مئة مليون دولار في السنة. لكن في كل الاحوال فان فرنسا والولايات المتحدة تتفقان على ان سوريا لن ترسل اي مسؤول سوري لمحاكمته في بيروت امام محكمة لبنانية كاملة او محكمة تقام على ارض لبنانية.

هذا الواقع لا يخفي قلق بعض المراقبين من ان سوريا ستعمد الى الافادة من كل نافذة او منفذ لكن المجتمع الدولي لم يتغير ازاءها بعد ولو انها تحاول في الاساس اخافة اللبنانيين وتهديدهم وازعاجهم لانها لا تملك سوى محاولات التأثير على جارها الاصغر في ظل عجزها عن اي مواجهة في اي اتجاه آخر.