غسان تويني/النهار

لا نريد ان نبدأ السنة الجديدة بالمزيد من الدموع، حتى ولا مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام (الذي كان حديثه القنبلة خاتمة أحداث 2005) ولا نبكي بالطبع عليه... وهو عن ذلك في غنى!

حسبنا من الحدث أمران: الأول انه "شهد شاهد من أهله" في شكلٍ لا يترك مجالاً للشك في "الحقيقة" التي يتوق الى معرفتها اللبنانيون، وصارت الآن قاب قوسين أو أدنى في عهدة لجنة التحقيق الدولية.

والأمر الثاني ترقّب اليوم الذي ينشر فيه نائب رئيس سوريا لا مذكراته، وقد تطول كتابتها والذي نعرف عنها ان الجزء الأول منها يتناول العراق، يليه جزء ثانٍ عن لبنان... انما الذي نترقّبه في أسرع من ذلك ونتمنى نشره هو نص المذكرة التي قال انه رفعها الى الرئيس البشّار والقيادات المختصة، وبقيت في الادراج. ذلك ان موضوع المذكرة كما قال أبو جمال، ولا نخاله إلا صادقاً، هو مستقبل الحريات والديمقراطية... وخصوصاً بعد فضح بعض الوقائع التي تعني لبنان كالملايين الـ35 التي تناولها آخر قيّم "أمني" على مصيرنا من بنك "المدينة" (أية مدينة هي؟) وكان رد الفعل الوحيد للرئيس بشار على ذلك ان وصف الرجل بما وصفه به بدل احالته على المحاكمة والسجن بتهمة السرقة وسوء الائتمان و"الفساد"!!؟

***

نتجاوز ذلك كله الى ما يمكّننا من الابتسام واستقبال السنة المقبلة بشيء من التفاؤل بأن تكون فعلاً "سنة الحرية" كما كانت السنة التي طوينا "سنة الاستقلال".

والذي يمكّننا من الابتسام، بكثير من الترفّع، هو المشهد التلفزيوني لجلسة مجلس الشعب "الشامي" حيث كان يتوالى السادة "النواب المحترمون"(؟!) في تلاوة أوراق يقرأونها بكثير من التلعثم وكأنهم تلامذة "صف ثانٍ" ثانوي يشتركون في مسابقة خطابية في ختام سنة دراسية ما!!!

لماذا الابتسام؟... للتشفي؟

لا، كلا، بل لأننا ندرك أية حياة برلمانية نجونا منها، أو من المثلها التي كان يريدها لنا "النظام الأمني" (والأحرى أن نسمي الأمور بأسمائها فنقول "الحكم الجاسوسي")، ولم يفلح على رغم كل ما قام به من محاولات اذلال وسرقات وصفقات "مدينية" وسواها عمّر بنتيجتها قصوراً في قراه واسواقاً (على حد ما قال الرئيس البشار، ولا مناص من تصديقه ولو لم يُنزل بأحدٍ عقاباً او جزاءً).

فارفعوا رؤوسكم أيها اللبنانيون، وأيها النواب، أنّى كنتم وكيفما كانت تحالفاتكم والمآخذ... لقد فشل "الحكم الجاسوسي" (ونموذحه الذي ذكره أبو جمال الذهاب باتهام وزير الخارجية المأمون سورياً بالتآمر مع سفير اميركا لمجرّد لقائه اياه في سيارة، بينما كان في سعه ومن صلاحياته الاجتماع به في أي مكان، علناً وبلا رقيب) وفشلت الاغتيالات التي فجّرت أجساد الشهداء بفظاعة بربرية أسوأ ما فيها انها حرمتنا ان نعانق الشهداء ولو امواتاً ونطبع على الخد او الجبين قبلة عرفان الجميل والفرح ببطولتهم وتكرار الآية الكريمة: "وجزاهم بما صبروا جنّة وحريرا".

***

أما بعد، فَنَعَم ستكون السنة الجديدة "سنة الحرية"، والأحرى أن نقول "سنة الأحرار" لأن الحرية ليست شعاراً "هيولياً" مبهماً بالمعنى الفلسفي، بل هي ان تتجسد الحرية في أحرار يستمرون في تحصين حقوق الانسان والمواطن، بل الوطن أرضاً ومثالاً بلغة لا يخشّبها الخوف ولا الارهاب ولا الافساد ولا دفع الجواسيس أحرارنا الى تقبّل الاستشهاد كرماء مبتسمين، كما "ابو بهاء" عندما خرج من مجلس النواب صباح 14 شباط بعدما ودّع الأقربين وذهب "وشرب فنجان قهوة" قبل أن يذهب على طريق الارهاب المفخّخ وكأنه كان عالماً في بصيرته وحدسه بما ينتظره ولا يبالي!!!

كذلك الحبيب جبران الذي رفض كل تحذير وأبى إلا أن يسير على الطريق المفخّخة اياها كي لا يقال انه خاف أو هرب... فكانت الطريق تلك طريقه الى الخلود، خلود الرسالة لا خلود الجسد.

***

أما بعد، وبعد... فعودة، مثنى وثلاث ورباع، الى كلام سماحة السيّد محمد حسين فضل الله: "أيها اللبنانيون، ارحموا بلدكم"!

بل أكثر "ارحموا شهداءكم، اينما استشهدوا فكلهم معاً شهداء الوطن الواحد، والله الواحد الأحد، الخالد الصمد، يظل هكذا مهما حاول البعض "تحزيبه" او تجزئته او احتكاره، او تجزئة الوطن باسمه... انه للحق وحده "سميع مجيب".

فلا تأبهوا أيها اللبنانيون بالآلهة الخشبية والكرتونية، آلهة الاستبداد والتجسس باسم الأمن والسرقات باسم حق الولاية.

صوت الشعب وحده من صوت الله، اله الحق والخير والجمال والعدل، ولا أحقاد في الايمان.

وافرحوا بما فعلتم وما صار لكم، ولا تبكوا ولا تيأسوا، ان الله مع الصابرين.

افرحوا بما اعطيتم ان تروا من مهازل العدى، اياً تكن، واضحكوا معي طويلاً وقولوا ان لا قاتل يسير في جنازة قتيله ويسلم ولو لم نقتله نحن. فبعض العقاب على الجرم يأتي من الجرم عينه.

ولنستمع كلنا معاً الى ما جاء في انجيل يوحنا امس الاحد، يوم ختان يسوع المسيح، الذي كان قد أعلنه البابا يوحنا بولس الثاني "يوم السلام العالمي"، قال: "السلام استودعكم وسلامي اعطيكم (...) فلا تضطرب قلوبكم ولا تفزع".

كل عام وأنتم بخير ولنجعل معاً السنة المقبلة على الحرية "سنة الأحرار" بالحق والايمان بالله الذي سيحاسب كل من حاول توظيف الالوهة في التعبّد للاستبداد.