موقع الرأي/ بشير البكر

وصف سياسي لبناني الحديث الذي أدلى به نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام الى قناة "العربية" بقوله،إن كلام خدام:"زلزال ارتدادي يوازي زلزال الانسحاب السوري بعد اغتيال رفيق الحريري".أراد هذا السياسي أن يقول أمرين :الأول ،إن الجوهري في الحديث هو شهادة خدام، عن العلاقة المتوترة بين رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري والرئيس السوري بشار الأسد ،و المفعول الذي سوف تتركه ، على مجرى التحقيق الدولي في عملية الاغتيال.إن من الواضح هنا هو أن التحقيق سوف يعرف حكما،نقلة نوعية بعد أن بدا وكأنه يراوح مكانه في الآونة الأخيرة،لقد زوده المسؤول السوري السابق بمعلومات، تسهل طريق المحققين نحو المستويات السورية العليا .والأمر الثاني، هوإمكانية تأثيرحديث خدام على بنية السلطة في سوريا خلال المدى المنظور.إن كل مقاربة تخرج عن هذين الخطين تحاول أن تضع "شهادة" خدام في سياق مختلف.

لا يأتي توقيت الحديث من فراغ ،فهو جاء في لحظة عصيبة يمر بها الوضع اللبناني جراء استمرار الدور التخريبي للنظام السوري ،ومحاولاته منع العملية السياسية من أن تأخذ مجراها،وقد أوشك هذا النظام خلال الأيام القليلة الماضية، أن يوقع لبنان في أزمة سياسة حادة،مستفيدا من جو تراخي الضغط الدولي عليه الذي عكسه قرار مجلس الأمن رقم1644 .وكان لافتا أن النظام السوري بدأ بشن هجوم معاكس، في محاولة للعودة الى الساحة الدولية، من خلال الاستثمار، تحديدا، في الدور الروسي .فليس مصادفة توقيع جملة من العقود الاقتصادية في الآونة الأخيرة مع روسيا،ومنها بناء مصفاة نفط في محافظة دير الزور بكلفة ثلاثة مليار دولار،هذا عدا الصفقات الثنائية مع محيط الرئيس فلاديمير بوتين من المافيات التي تمارس البزنس السياسي .وعلى العموم، فإن الحديث يحتمل عدة قراءات،منها بالخصوص واحدة ذات طبيعة تكتيكية،مباشرة.والثانية،تذهب نحو المدى البعيد،غير مباشرة.تريد الأولى أن تضع مسؤولية اغتيال الحريري على النظام الحاكم في دمشق من دون لبس.لم يتهم خدام أحدا بالتخطيط والتنفيذ،لكنه كاد أن يسمي النظام،وقال أن لديه معلومات خطيرة لم يكشف عنها بعد.وحين أفاض في الحديث عن التهديدات التي تلقاها الحريري من طرف الرئيس السوري ،والتجاوزات السورية في لبنان،وخصوصا فظاظة رستم غزالي، وتغطيته من طرف بشار مباشرة حتى بعد اغتيال الحريري،فإنه لم يترك أدنى شك في أن قرار القتل ،اتخذ من قبل بشار مباشرة.إن ما سبق أن نفاه بشار من توجيهه تهديدات إلى الحريري،أكده خدام،و ما لم يقله قاضي التحقيق السابق ديتليف ميليس،قاله خدام.بل إن شهادته ثبتت الاستنتاج الذي تم التوصل اليه من طرف ميليس في تقريريه،وهو:"إن الجريمة ماكانت لتتم من دون علم وتخطيط على مستوى عال في سوريا ولبنان".

من حق البعض أن يجري قراءة لحديث خدام انطلاقا من وضعه داخل النظام منذ سنة1970،ودوره ومسؤوليته عن الحالة المأساوية التي وصلت إليها سوريا ولبنان.ومما لاشك فيه،إن مجال هذه القراءة واسع إلى حد كبير.فهو لم ينشق إلا حين أبعد من قيادة حزب البعث في حزيران/يونيو الماضي،ولايخفى على السوريين دوره البارز في وأد تجربة "ربيع دمشق"،وجولاته على المحافظات السورية،وهو يحرض ضد الانفتاح السياسي الذي تطالب به قوى المعارضة،ويحذر من أنه سوف يقود البلاد الى"الجزأرة"،لكن من غير العقلانية بمكان اليوم، رؤية كلام هذا المسؤول من هذه الزاوية فقط.إن الوقوف هنا يراد منه أحد أمرين:الأول ،هو إما خلط الأوراق من جديد، من خلال القول إن أقطاب النظام السوري لايختلفون عن بعضهم البعض، والتوقف عند هذا الحد في رؤية الحدث،أوعبر توجيه اسئلة من نمط: أين كان خدام طيلة هذه الفترة،ولماذا لم يتحدث عن الفساد حين كان في قمة هرم السلطة ؟والأمر الثاني ،هو تفريغ الحديث من حمولته السياسية ،وإخراجه عن سياق مفعوله البعيد المدى،لأننا شئنا أم أبينا لايمكن إلا أن نأخذ في عين الاعتبار القسم الذي تناول فيه خدام الوضع السوري الداخلي،وكان واضحا هنا،أنه لم يكن ينتقد لمجرد توجيه النقد،وإنما بقصد طرح تصوره السياسي ورؤياه،هو لم يتحدث عن عبث حين ركز على عيوب بشار الأسد لجهة الأنفعالية والفردية ،واعتماد حكمه على العائلة والفساد والاثراء غير المشروع.ولم يرد فقط القول إن الشخص اثبت فشله في امتحان قيادة البلاد، بسب ما يتميز به من"الانفعال السريع وردود الفعل"،بل تجاوز تشخيص الحالة الى طرح تصوره، لما يمكن أن يكون عليه الشخص الذي يجب أن يتولى هذه المهمة.وعلى الرغم من اللغة الديبلوماسية،والاطراء الذي ساقه خدام لبشار،ومن ذلك اتصافه بأدب رفيع،إلا أنه قدم جردة حساب للسنوات الخمس من حكمه،وطريقة ادارته للوضع في لبنان،فتفرده شخصيا بالسلطة هو من أسباب التدهور،الأمر الذي" وضع سوريا في حقول الألغام".إن المغزى البعيد من وراء ذلك بالنسبة لخدام هو طرح نفسه من منظور البديل لهذا النظام،ومن هنا نفهم،بل وعلينا أن نفسر سر انشقاقه في هذه اللحظة،وخروجه المبكر من دمشق قبل أن يلقى مصير غازي كنعان.

لقد نجح خدام في أن يسحب نفسه من النظام بأخف الأضرار حتى الآن،ويلجأ الى باريس حيث فجر مفاجأته.إن التقديرات تبدو متضاربة حول الخطوة اللاحقة نظرا لتعقيدات الوضع السوري،لكن القضية لن تقف هنا في جميع الأحوال،بل إن العملية بدأت لتوها.وهنا لابد من ملاحظة نقطتين هامتين:الأولى،هي أن توقيت حديث خدام لم يكن ليتم من دون استشارة اطراف عربية ودولية.وثانيا،إن هذا الحديث سوف يصبح صرخة في واد إذا لم تتبعه خطوات لاحقة تصدر من داخل تركيبة النظام نفسه.

وسواء طال الزمن أم قصر لن يجد السوريون أمامهم كمخرج، من حالة انسداد الآفاق أمام بلادنا، سوى المبادرة التي تقدم بها مؤخرا الاستاذ رياض الترك،حين دعا إلى استقالة بشار الأسد وحكومته،وحل الأجهزة الأمنية وتولي الجيش مهامها في صورة مؤقته،وتسليم السلطة الى رئيس مجلس الشعب الحالي،بانتظار ترتيبات تتفق عليها جميع الأطراف السياسية من دون استثناء لأحد، بما في ذلك حزب البعث.