اميل خوري/النهار

تواجه سوريا مأزقا يجعلها تفتش عن مخرج منه، فان هي استجابت طلب لجنة التحقيق الدولية الاستماع الى الرئيس الاسد والوزير فاروق الشرع وغيرهما من المسؤولين السوريين، في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، فانها تخشى ان تدخل دائرة الاتهام واعتبارها متورطة في هذه الجريمة، وان هي لم تستجب طلب اللجنة، فانها تخشى ان تتعرض لعقوبات وربما لتطبيق الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.

لذلك، فان سوريا طلبت مهلة تنتهي يوم الاحد المقبل لدرس طلب لجنة التحقيق الدولية واتخاذ موقف منه في اطار ما تعتبره تعاونا كاملا معها ولكن في اطار السيادة الوطنية وحصانة المسؤولين فيها، وهذا الموقف سوف تتخذه بعد الاستماع الى الموفد السعودي من القمة التي عقدت في الرياض بين العاهل السعودي والرئيس المصري، والتي قررت الطلب من سوريا التعاون تعاونا كاملا مع لجنة التحقيق الدولية من اجل معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، ولكي لا تورط نفسها في مواجهة مع المجتمع الدولي، وان تعمل على تهدئة الاجواء بينها وبين لبنان فلا تظل هذه الاجواء، ملبدة والعلاقات متشنجة وان تبدأ التهدئة بوقف الحملات الاعلامية والتصريحات العنيفة المتبادلة...

ولا بد من انتظار نتائج مقابلة الموفد السعودي للرئيس الاسد ولنتائج زيارة الرئيس حسني مبارك للرئيس شيراك لمعرفة ما سوف تقرره سوريا لتأكيد تعاونها كاملا مع لجنة التحقيق الدولية، ولا تتخذ من الحرص على بقاء نظامها ما يشجعها على التشدد في مواقفها.

لقد شرح لبنان الرسمي موقفه من التحقيقات الدولية ومن العلاقات مع سوريا وفي مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة وكان هذا اساس البحث في القمة المصرية السعودية وقد ازال هذا الموقف كل التباس وسوء فهم وتفهم للجدل الذي اثير حول مساعي الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى التي تعطلت قبل ان تبدأ لانها انطلقت من فهم خاطئ بحيث صور تحقيق الامن في لبنان مقابل التوقف عن معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، وهذا ما حمل عمرو موسى على القول في مقابلة اذاعية "ان الرأي العام العربي والجامعة العربية يؤيدان استمرار التحقيق في اغتيال الحريري لان من غير المقبول قتل رئيس وزراء سابق او اي سياسي او انسان بهذه الطريقة. وهما يريان ان الوضع في لبنان يجب ان يستقر ولا يجوز ان يترك الملف اللبناني السوري للاهواء"، واعتبر ان الوضع في المنطقة لا يمكن ان يستقر بالوضع الحالي في لبنان لانه يؤدي الى تداعيات كبيرة جدا وان استغلال اغتيال الحريري من البعض ادى الى الكثير من الالتباس واوقع الموضوع كله في التباس". وتوقع ان تثمر الاتصالات العربية في ما يخدم لبنان وعلاقته مع سوريا.

لقد اوضح لبنان الرسمي في مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة موقفه من العلاقات اللبنانية – السورية ومن ملف اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه بالقول ان هذه العلاقات لا يمكن الا ان تكون علاقات طيبة ولما فيه مصلحة البلدين ولكن في اطار سيادة كل منهما وعدم تدخل اي من الدولتين في شؤون الاخرى. لان لبنان حريص على سيادته واستقلاله وقراره الوطني الحر حرص سوريا على ذلك، وان التاريخ والجغرافيا يفرضان وجود علاقات جيدة بين لبنان وسوريا ولا يمكن تغيير لا التاريخ ولا الجغرافيا بين البلدين اللذين يفرضان ذلك! إلاّ ان الحرص على هذه العلاقات شيء والحرص على معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه شيء آخر ليس حبا بمعرفة ذلك فقط، بل حبا بوضع حد لمسلسل الاغتيالات وضرب الاستقرار في لبنان. لانه اذا لم تعرف الحقيقة في هذه الجريمة، فان مسلسل الجرائم يستمر وتستمر معه معاناة اللبنانيين وافتقادهم الامن والامان. وهذا ما جعل الرئيس السنيورة يقول: "اننا نريد معرفة الحقيقة لنردع من يمكن ان تسول له نفسه في ارتكاب جرائم اخرى".

لذلك ينبغي الفصل بين ملف التحقيقات الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وملف العلاقات اللبنانية بحيث لا يؤثر هذا على ذاك. فالقرار باجراء هذه التحقيقات لمعرفة الحقيقة هو قرار صدر عن مجلس الامن بالاجماع ووافق عليه لبنان كما وافقت عليه سوريا وان لا دخل للعلاقة بين البلدين في سير هذه التحقيقات ونتائجها كي يتحول لبنان مكسر عصا وفشة خلق، بحيث تنعكس هذه النتائج على امنه واستقراره وكأنه المسؤول عنها سياسيا واقتصاديا وهو الذي يقرر الاستماع الى كبار المسؤولين في البلدين.

لقد ادلى عبد الحليم خدام بمعلومات مثيرة حول حقيقة ما جرى بين الرئيس الاسد والرئيس الحريري وحدد بالتواريخ والاسماء ما حصل في الاجتماع الذي هدد فيه الرئيس الاسد الرئيس الحريري بقوله له: "سأسحق من يخرج على قرارنا" ويقصد بذلك التمديد للرئيس لحود. وقد رفع هذا التهديد ضغط الحريري فنزف الدم من انفه اضافة الى تعرضه لتهديدات كثيرة اسمع فيها كلاما قاسيا جدا وشتائم. ولم يرد مجلس الشعب على هذه الوقائع بسوى اتهام خدام بالخيانة العظمى وبالفساد، في حين كان يفترض ان يرد على المعلومات التي اوردها خدام في حديثه المتلفز، وهل هي صحيحة ام ملفقة، واذا بكلام النواب في مجلس الشعب السوري يقتصر على شتمه وتخوينه.

والسؤال المطروح هو: هل تقرر سوريا ان تتعاون تعاونا كاملا مع لجنة التحقيق الدولية فعلا لا قولا من اجل الوصول الى معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، فاذا كانت سوريا بريئة من هذه الجريمة كما تؤكد، فلا حاجة لها الى البحث عن عراقيل تؤخر مسير التحقيق او تضلله. وفي انتظار معرفة الحقيقة، فان العلاقات ينبغي ان تظل طبيعية مع لبنان، وان يسودها الهدوء الى ان تنتهي التحقيقات وتظهر الحقيقة، وعندها يبنى على الشيء مقتضاه ونأخذ من العلاقات اللبنانية السورية الشكل الذي تحدده نتائج التحقيقات.