حسين العودات/السفير

تزايدت الضغوط على النظام السياسي السوري في الأشهر الأخيرة، فمن الاتهامات بالتدخل في شؤون لبنان والعراق وفلسطين، إلى طلبات المعارضة بتحقيق إصلاح جدي وشامل ومواجهة مسؤولة للوضع الداخلي، وخاصة البدء بالإصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد ومعالجة ترهل إدارة الدولة، إلى مطالب لجنة التحقيق الدولية باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق المرحوم رفيق الحريري، إلى انشقاق عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية، إلى غيرها من الضغوطات والمصاعب والتهديدات التي يزداد عددها وتنوعها يوماً وراء يوم، بحيث أصبح من العبث الحديث عن الاستقرار والصمود والتصدي واطمئنان الناس على حاضرهم ومستقبلهم، وعن قوة النظام السياسي وقدرته، وصار ينبغي على الجميع الاعتراف بحجم المخاطر وخطورتها، والبحث عن سبل تؤهل النظام والشعب لمواجهتها، والوصول إلى طريق الخلاص، ولم تعد المكابرة والصلف وتجاهل هذه المصاعب جميعها تفيد أحداً، بل ربما تؤسس لاستفحالها وتفاقمها إن لم يوجد العلاج الشامل والموقف المسؤول.

ليس بالإمكان بعد الآن أن يستمر النظام بمواجهة هذه القضايا الشائكة بأداوته القديمة وآلية عمله السابقة ومنهجه المتداعي، لأنها قضايا جديدة تحتاج لأدوات جديدة ولن يحل المشكلة لا النوايا الحسنة ولا الوعود التي لا تتحقق غالباً، ولا الترقيعات السياسية والاقتصادية، ولا الديماغوجيا الإعلامية التي تتهاوى أمام تفجر الاتصالات وتعدد القنوات الفضائية وانتشار استخدام شبكة المعلومات العالمية، فليس سوى الحل الشامل والجذري والجدي كفيل بمواجهة ناجحة .

طالبت المعارضةالسورية طوال السنوات الأخيرة النظام السياسي أن يستقوي بالداخل أي بالشعب، ويكف عن المراهنة على صفقات خارجية أو على عامل الزمن أو على قواه الأمنية، وأن يعود ويقبل بالاعتراف بالآخر وعقد الحوار معه للوصول إلى توافقات (الحد الأدنى على الأقل) تمهيداً لعقد مؤتمر وطني يمهد لوحدة وطنية كفيلة بمعالجة المشاكل وحلها، ولم يستجب النظام السياسي لأي طلب من مطالب المعارضة واستخف بها وأقصاها وأغلق المنتديات ومنع الاجتماعات التي تناقش شؤون البلاد (وما زال) حتى لو كانت اجتماعا لبضعة أشخاص، وكأن المعارضة هي العدو الرئيس والخطر الداهم، مع أنها نادت باستعدادها للمشاركة بالإصلاح ورفضت العنف ومد اليد للخارج، وأصر النظام عملياً على أن نهجه القديم وأدواته وأساليبه القديمة ما زالت صالحة لحلحلة الصعوبات واستمرار النظام سواء منها المتعلقة بالوضع الداخلي أو بالإقليمي أو بالدولي، وما زال يراهن على قواه الخاصة وعلى إدارة الدولة المترهلة وعلى مؤسسة حزبية محيّدة وغائبة وجبهة وطنية لا وجود لها سوى على الورق، معتمداً على أجهزة الأمن التي لا يمكنها موضوعياً أن تصلح شيئاً أو تطور شيئاً حتى ولا أن تساهم بتحقيق الاستقرار الأمني الذي تزعم أنها حققته فهي بالواقع تخلق الأزمات الأمنية ولا تحلها، وتسيء للاستقرار والأمن والاطمئنان ولا تحققها.

يقف النظام السياسي السوري الآن أمام جبل من الصعوبات والضغوط والتهديدات والمشاكل والمخاطر، وإنكار هذا كله أو تجاهله إنما هو نوع من العنت الذي لا تحمد عقباه، كما أن البطء في المعالجة يزيد الأمور تراكماً وتفاقماً لا شك فيهما.

يماطل النظام السياسي السوري في تحقيق الإصلاح والتطوير ويبدو أنه إما مرتبك وإما غير راغب أوغير قادر، حتى أنه لم يباشر في تنفيذ مقررات المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث رغم تواضعها ومرور نصف عام عليها، وما زالت وسائل الإعلام تعد الشعب السوري ببدء التنفيذ دون أن يرى شيئاً ملموساً في الواقع، وتبشره بتشكيل اللجان واللجان المتفرعة عن اللجان، لإعداد مشاريع قوانين الأحزاب والمطبوعات و(التضييق) على القوانين الاستثنائية والمحاكم الاستثنائية والحوار الوطني ومكافحة الفساد وغيرها، دون مرتسمات حقيقية في خير الواقع، حتى أنه أصبح عاجزاً عن تعديل الوزارة أو تشكيل وزارة جديدة رغم الحاجة إليها، وكلما صدر تصريح أو ضغط أو جد حدث يتأخر كل شيء ويزداد جمود السلطة وإدارة الدولة، ومن حدث إلى حدث تنتقل سورية من ركود إلى جمود، والجميع يترقب دون أن يعرف ماذا يترقب. ما زال الحل يكمن بدرجة رئيسية في الداخل، في الإصلاحات الداخلية، في العودة إلى الشعب ومشاركته في إدارة شؤونه، والاستفادة من جميع مكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وينبغي أن يقتنع النظام بهذا الحل وأن يتحلى بالشجاعة لفعل هذا، لا أن يرجئ كل شيء دون أن يعرف لماذا وبانتظار ماذا، ويبدو أنه إن لم يفعل ذلك يكون قد أضاع فرصة جديدة لإنقاذ البلاد والعباد.

إن الصخب الإعلامي لا ينفع أحداً، وتجاهل الحراك المجتمعي السوري لا يلغيه، والاستخفاف بالمعارضة مهما كانت قوتها لا يوصل إلى الاستقرار، ولا بد من مواجهة شاملة تشارك فيها جميع القوى للوصول إلى حل شامل ولا مجال للتردد والخجل والتجاهل والجهل والإقصاء والترقيع والانتظار.

إن كان النظام راغباً وقادراً فينبغي أن يفعل هذا، وإن لم يكن فليصارح شعبه، ويبدو أن الباحث عن حلول أخرى كمن يفتش عن إبرة في كومة قش، ولا بد من العود إلى البدء.