مشكلة الغرب مع إيران شبيهة بمشكلته مع العرب، فهو لا يحسن التعامل مع المعتدلين، وعندما ينبري له المتطرفون يتبرم منهم ويشكو من بروزهم على الساحة، سواء كانوا منتخبين أو غير منتخبين. ويفضل الغرب المعتدلين لأنه يكسب معهم متجاهلاً أن كسبه خسارة لهم لا تلبث أن تنعكس على وضعهم وصدقيتهم. وفي المقابل، يرفض الغرب المتطرفين لأنهم يسعون الى مكاسب وحقوق لا يريد أن يمنحها اليهم لئلا يعزز مواقعهم ويشحذ قوتهم ويزيد من مطالبهم وطموحاتهم.

وهكذا، فعندما توصلت الترويكا الأوروبية الى اتفاق بشأن الملف النووي مع إيران محمد خاتمي، فإنها لم تقرأ جيداً تطورات الوضع الداخلي الإيراني. وحتى ذلك الاتفاق لم يجر تفعيله وتحسينه بسرعة لترى طهران مكاسبها فيه، فبدا كأنه كان خدعة لحكومة خاتمي. وبمجيء محمود أحمدي نجاد الى الرئاسة تغير المشهد كلياً، واتضح ان الجناح المحافظ في الحكم يريد تصحيح الوضع لمصلحة إيران ولم يعد وارداً الاستغناء ولو موقتاً عن المضي في أبحاث الطاقة النووية على رغم الاستمرار في إعلان أن الهدف هو انتاج هذه الطاقة للاستخدامات السلمية.

عدا الفشل الأوروبي في التفاوض، يبدو أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية عجزت أو منعت من الاتفاق على آلية مراقبة للنشاط البحثي الإيراني، لذا ارتؤي منع إيران من مواصلة الأبحاث. وفي الوقت نفسه لم تفلح طهران في معالجة الشكوك الدولية بشأن نياتها، كما لم تستطع تبديد الاتهامات التي تنسب إليها العمل لانتاج اسلحة نووية... لكن، ينبغي البحث جيداً عما إذا كان هناك أصلاً مخطط جدي للتعاطي مع إيران والحق «الممكن» الذي تستطيع تحصيله أم أن الهدف كان أساساً حظر اقترابها من أي شيء نووي، لمجرد أنها مصنفة أميركياً وإسرائيلياً دولة في «محور الشر»، فضلاً عن أنها دولة مسلمة وإسلامية.

كل هذه الاعتبارات ساهمت في جعل الملف ملفاً قذراً ينفع فقط لاستخدامه في استهداف ايران والسعي الى تغيير نظامها وسلوكها وايديولوجيتها. أي أنه تحول الى مشروع حرب محتملة وكأن الولايات المتحدة تحنّ الى تجربة انجازاتها النووية بعد مرور نصف قرن على قصف هيروشيما وناغازاكي، بالاضافة طبعاً الى تلهف اسرائيل الى احاطة نفسها بحزام استراتيجي واسع وغير نووي بل يكون لها وحدها في وسطه إمكان حيازة السلاح النووي. لكن المغامرة الأميركية في العراق، ودخول النفوذ الايراني بقوة الى هذا البلد، جعلا مشروع تطويع ايران وتدجينها صعباً ومكلفاً وغير مضمون النتائج. فأي عمل عسكري ضد ايران يستوجب انسحاباً اميركياً شبه كامل من العراق، وأي انسحاب كهذا لا يمكن أن يتحكم بما سيحصل بعده. وأي استبدال للقوات الأميركية بأخرى عربية، مثلاً، لا يعطي العراق أي اضافة مفيدة لمعالجة مشاكله الأمنية، ثم انه يفترض مسبقاً حصول مواجهة عربية - ايرانية. انه ذهاب الى أقصى تخطيط شرير لخدمة مصالح اسرائيل وأمنها.

وعندما قال جورج بوش ان السلاح النووي الايراني (وهو غير موجود بعد) خطر على اسرائيل والعالم، كان يعني عملياً أنه خطر على أميركا والعالم. وهذه ليست سوى بداية الكلام، ففي مرات مقبلة سيعمد بوش الى مزيد من الدقة في التعبير، فـ «الخطر على اسرائيل» هو دعوة الى الأميركيين للبدء بالتفكير في التعامل مع هذا الخطر، ولو قال «خطر على أميركا» لوجب عليه أن يكمل بدعوة الأميركيين الى مساندته في مواجهة هذا الخطر. لكنه لم يصل بعد الى هذه النقطة. لا بد من معالجة الهم العراقي أولاً.

كان الأمير سعود الفيصل واضحاً في تنبيه الغرب الى أنه أحدث ضرراً فادحاً في أمن المنطقة عندما سمح لاسرائيل بالتسلح نووياً، كما كان واضحاً أيضاً في التعبير عن القلق العربي والخليجي من أي سلاح نووي ايراني. لكن الغرب اعتاد أن يتعامل مع الملاحظات العربية المتعلقة باسرائيل بصمت، لأنه بنى تفكيره الاستراتيجي على أساس واحد هو أمن اسرائيل، وليس أمن المنطقة. ولذلك يسمح لإسرائيل الآن باقحام نفسها في الملف الايراني تحريضاً وترويجاً لأخطر السيناريوات بما فيها الحرب.