الحكومة الاميركية قررت معاقبة اللواء آصف شوكت، رئيس الاستخبارات العسكرية السورية، على احسن ما فيه، فبيان وزارة الخزانة الاميركية جمد ارصدته في الولايات المتحدة لعلاقته مع «حزب الله» و «حماس» و «الجهاد الاسلامي».

الادارة الاميركية تعتبر الفصائل الثلاثة هذه منظمات ارهابية، ونحن نعتبرها حركات تحرر وطني في وجه الارهاب الاسرائيلي. وفي حين انني (ولن اتحدث باسم غيري) اقابل قادة المقاومة وأدعوهم دائماً في مكاتبهم وعبر ما اكتب الى وقف العمليات الانتحارية، فإن الادارة الاميركية تؤيد اسرائيل على عماها، مما يعني انها تؤيد الارهاب.

تعريف الارهاب، هو انه قتل مدنيين غير مشاركين في القتال، وهنا نجد ان اسرائيل ارهابية أضعاف أضعاف المقاومة عندما نقارن عدد القتلى من المدنيين بين الاسرائيليين والفلسطينيين خلال السنوات الخمس الاخيرة، معتمدين الارقام الاسرائيلية، لا أي ارقام اخرى.

أهم من ذلك ان الولايات المتحدة ليست في موضع ان تتهم أحداً بالارهاب. وبما انني سأقسو في كلامي فإنني امهد له بالقول انني احب الولايات المتحدة علناً، وقد تعلمت فيها وأقمت، ويحمل اكثر افراد اسرتي المباشرة الجنسية الاميركية بمن فيهم ابني بحكم ولادته في واشنطن، ولي بين الاميركيين صداقات باقية، وكلامي التالي لا يمكن ان يُرفض او تُقلل اهميته بزعم صدوره عن كاتب آخر يكره اميركا، فأنا احب اميركا (مرة اخرى) وكلامي هو عن سياستها الخارجية، وليس عن مجمل هذه السياسة وانما عن ذلك الجزء الخاص بالشرق الاوسط الذي خطفه محافظون جدد ليكوديون مجبولون بالعنصرية وكره العرب والمسلمين، بل تحقير كل الناس لأن ولاءهم الوحيد هو لاسرائيل.

كان يفترض ان تكون السطور السابقة مقدمة لرأي آخر ابديه في السياسة الخارجية الاميركية، غير انني لا أحتاج الى ذلك، وانما اكتفي بتقرير منظمة مراقبة حقوق الانسان، ومقرها نيويورك. فتقريرها لسنة 2006 الذي صدر لتوّه يقع في اكثر من 500 صفحة ويدين الولايات المتحدة اكثر مما يدين دولاً معروفة بانتهاكها حقوق الانسان.

اول كلمات في المقدمة التي وقعت وحدها في 40 صفحة كانت ان الولايات المتحدة تعمل من منطلق «افعلوا كما اقول لا كما افعل». ولا ادري من أين جاء الاميركيون الذين كتبوا التقرير بهذه العبارة، فهي في الاصل مبدأ فقهي معروف عندنا، والحاكم يقول للناس خذوا بأقوالي، ولا تأخذوا بأفعالي. وهذا يخالف قول القرآن الكريم: «يا أيها الذين آمنوا، لمَ تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون».

كنيث روث المدير التنفيذي لـ «منظمة حماية حقوق الانسان»، قال «ان محاربة الارهاب محورية لقضية حقوق الانسان، غير ان استخدام وسائل غير شرعية ضد ارهابيين مزعومين خطأ ويعطي مفعولاً عكسياً». وهو اضاف ان الوسائل غير القانونية تغذي التجنيد في صفوف الارهابيين، وتمنع الجمهور من مساعدة جهود مكافحة الارهاب، وتوجد مجموعة كبيرة من المعتقلين الذين لا يمكن ان يحاكموا.

وهكذا، فبعد تأكيدي انني لست اطلاقاً من هؤلاء الذين يكرهون اميركا، وبعد تسجيلي رأي منظمة كبرى تدافع عن حقوق الانسان في الممارسات الاميركية حول العالم، ازيد انني لا أعرف اللواء آصف شوكت. لم اره في حياتي، ولم يكن بيننا يوماً أي اتصال مباشر أو غير مباشر، ولو كانت الادارة الاميركية طلعت بأدلة ضده في اغتيال الرئيس رفيق الحريري لأيدتها ضده. لذلك، فكلامي موجه في الاساس الى الادارة الاميركية.

الادارة الاميركية لا تستطيع ان تتهم احداً بالارهاب، فهي تمارسه بدعم ارهاب اسرائيل، مما يجعلها طرفاً فيه، وهي تمارسه في شكل مباشر في كل مرة يقتل مدنيون في غارة جوية اميركية في العراق، او في عملية عسكرية في الفلوجة او الأنبار او الرمادي، او في شوارع بغداد حيث قتل مدنيون في سياراتهم لأن الجنود الاميركيين يطلقون النار على الشبهة. وهي تخالف قوانينها وكل قانون دولي بتعذيب المعتقلين.

الادارة الاميركية لم ترفض عبثاً الانضمام الى محكمة جرائم الحرب الدولية، وسفيرها لدى الامم المتحدة جون بولتون، وهو ليكودي آخر من دعاة الحرب، لا يستطيع ان يسخّف فكرة محكمة يؤيدها العالم باستثناء اميركا واسرائيل، فمجرد معارضته لها تعني انها ضرورية.

كيف يمكن ان تهبط الولايات المتحدة الى درك الارهاب، ممارسةً أو حمايةً لممارسيه؟ الجواب هو عند المحافظين الجدد الذين لم يكفهم قتل مئة ألف عراقي، فهم الآن يحرضون على ايران، ومنظّر العصابة الليكودية وليام كريستول كتب في بوقها «ويكلي ستاندارد» مقالاً تحريضياً عنوانه «والآن ايران» يصر على الخيار العسكري، بل انه لا يريد ان تنفذه بلده اسرائيل وانما الولايات المتحدة نيابة عنها.

اذا كان كريستول يعتقد انه بذلك يحمي الاسرائيليين، لأن الرد الايراني سيكون ضد الاميركيين، مع استعداده للتضحية بهم دائماً، فهو مخطئ، لأن الايرانيين الحاكمين قالوا لي ان اميركا واسرائيل بالنسبة اليهم واحد، وسيكون الرد ضد الاثنتين. وكريستول ليس صوتاً وحيداً صارخاً في برية القتل، فأمثاله يتبادلون التحريض، وقد قرأت حلقات لأمثال تشارلز كراوتهامر وفرانك غافني ومايكل ليدين. اما ألن كاروبا في «اتلانتا جورنال – كونستتيوشن» فاقترح ان تكون الضربة «حملة قصف هائلة تنهك قدرة ايران على انتاج صواريخ نووية او اطلاقها».

لو كنت على الدرجة ذاتها من حب القتل والقتال لكتبت اقول انني اتمنى ان تشن اميركا او اسرائيل ضربة عسكرية لايران، لأنهما لو فعلتا، فستدمر مصالح الاولى في المنطقة، وتدفع الثانية الثمن أضعافاً، وبما يشفيها من عسكريتها وغرورها، غير انني لا أستطيع ان اؤيد أي حرب لأي سبب، وأرجو ان يسود العقل في النهاية.

في غضون ذلك لا أجد في اتهام اللواء آصف شوكت بدعم حركات مقاومة وتحرير ما يضيره. وكنت أرجو لو ان الولايات المتحدة متحمسة لمعرفة من اغتال الرئيس رفيق الحريري، فهذا ما نريد وما نصر عليه مع المطالبة بمعاقبة المجرمين كائناً من كانوا. الا انها تستغل التحقيق لأغراضها الاسرائيلية. وأن «يتهم» لواء سوري بالوطنية فهذا فخر له.