بوضوح وصراحة ودون مواربة أو لف أو دوران ؛ مجلس الشعب الحالي لا يمثل الشعب ولا يعبر عنه، مجلس الشعب الحالي يمثل الحكومة ورؤية الحكومة للشعب،ولأن الحكومة لا تريد أن ترى إلا (( هدول )) فاختارت أفضل بضاعة من الموجود وأوصلتهم إلى المجلس فوصلوا.

لكن واقع الحال هو أن الحكومة ترى كل شيء و(( شايفة )) كل شيء وتعرف كل شيء لكنها وحسب اعتقادها أن هذه الطريقة في إيصال ممثلي الشعب إلى مجلس الشعب هي أضمن الطرق وأسلمها للحكومة والشعب والبلد.

لكننا نخالفها الرأي في ذلك ، فقد أثبتت تجارب المجالس السابقة كلها أنها مجالس أحسن (( بشوي صغيرة )) من مجالس موافقون … موافقون

لكن مجالس (( النعم )) هذه كلها لم تكن تحظى بثقة الناس ، وقد أمِل بعض الناس خيراً من المجلسين الأخيرين لكن مع الأسف خيب المجلسان الأخيران آمال الناس ولم يضيفا شيئاً على من سبقهما ، بل على العكس شهدنا ظواهر في المجلس الأخير لا تسر الخاطر، فهذا جاء ليبيض شاشه وأمواله وذاك ذو ماضٍ جاء ليحتمي بالحصانة الممنوحة له وآخرون مسيّحوا جوخ على الآخر فكانت ضالتهم مجلس الشعب فولجوه ، وأثرياء لم يكن ينقصهم سوى البروظة والبرستيج فسفحوا الملايين للوصول ووصلوا، وكثرة من الكثرة الباقية لم يفعلوا سوى أن يبصموا حين يطلب إليهم ذلك.

في انتخابات الدورة السابقة للمجلس كتبنا في الرائدة (( الدومري )) قلنا بأننا نريد مجلساً للشعب وليس مجلس لوردات وكلنا يذكر كيف أنفقت الملايين وسفحت الأموال سفحاً ،ورغم ذلك لم يستحوذ أصحاب هذه الملايين إلا على نصف أصوات الناخبين وكان لافتاً جداً آنذاك أنه إذا ما قورنت هذه الأصوات بعدد من يحق لهم الاقتراع لبدا جلياً أن الكثرة الغالبة رغم احتياجها لا تباع ولا تشترى.

وقد تمنينا على قيادتنا في المستقبل أن يتركوا الناس ليختاروا ممثليهم دون اللجوء إلى قوائم موحدة للجبهة وبذلك يتم اختيار المخلصين والنظيفين والمحبين لأوطانهم بعيداً عن أية اعتبارات أخرى.كذلك طلبنا أن يتم تحديد بعض المواصفات لقبول المرشح منها نظافة يده وتاريخه وتوفر حد أدنى من التأهيل الأكاديمي له لا يقل عن الشهادة الثانوية.

كما طلبنا أن يتم تحديد سقف للمبالغ التي ترصد للإنفاق على الحملة الانتخابية وأن لا تزيد في أحس أحوالها عن مليون ليرة سورية للمرشح الواحد ، فالله سبحانه لا يريد أن تقوم دولة للأغنياء بيننا وإذا أراد الله أن يهلك قرية أمر متر فيها أو أمّر متر فيها فيفسقون فيها فيدمرها تدميرا.

الآن تغيرت معطيات كثيرة ، محلية وإقليمية ودولية، فالنار تأتي من الضواحي وينتظرون أن تشتعل النيران في البيت والناس ملّ قلبهم من الحديث عن الفساد وعن الجدية في مكافحته وهم يرون بأم أعينهم أن النهب والسلب شغال وعلى عينك يا تاجر.

والناس يتفجرون غيظاً وحنقاً عندما يسمعون أن ثروة خدام مليار ومئة مليون دولار وأن عائلة فلان ورثت عن أبيها المتوفى لا أدري أربع أو ست مليارات دولار، وأن المسؤول الفلاني و من طرف الجيبة وظف مليار ليرة بالمشروع الفلاني وأن كم وسيط وسمسار لبعض المسؤولين صاروا يتكلمون بمئات الملايين وأن كم تويجر شاركوا بعض المسؤولين فصاروا من أصحاب المليارات . في الوقت الذي فيه نسبة الفقر عندنا كذا ونسبة العاطلين عن العمل عندنا كذا وأسعار البيوت صارت بكذا وألف ألف كذا ومذا.

كل هذا يتطلب جهة نزيهة مخلصة نظيفة شريفة تملك القدرة والصلاحية على محاسبة الجميع، الكبار قبل الصغار ،والمدعوم قبل الغير المدعوم ، والمرضي عنه قبل المعترّ.

كل هذا يتطلب جهة مستقلة لا تنتمي إلا إلى الوطن ،صاحبة قرار يهابها الجميع وتحاسب الحكومة قبل الشعب والمسؤول قبل المواطن.

كل هذا يتطلب جهة قادرة على مواجهة الفاسدين واستئصال آلية الفساد التي تجذّرت بين ظهر انينا على مدى عقود خلت، والجهة الوحيدة المؤهلة للقيام بكل هذا هي مجلس للشعب منتخب من قبل الناس انتخاباً حراً ونزيهاً وصادقاً وشافاً وشفافاً.

قد يقول قائل ولكن الشعب ليس على درجة من الوعي ليختار ممثليه بحرية وغالباً ما تقوده عواطفه وهو شعب غوغائي تسيره مصالحه الضيقة وتتحكم فيه عصبياته وانتماءاته العرقية والمذهبية والطائفية وما إلى ذلك إضافة إلى كونه شعب فقير وقد يتحكم فيه أغنياؤه فيُشرى ويباع.

لا شك أن هناك بعض الحقيقة في كل هذا ولكن كل الحقيقة تقول بأن خوض التجربة هو المعيار الوحيد الصادق للحكم على نتائجها وإثبات نجاحها أو فشلها ، وإن كان ثمة ثمن للديمقراطية فعلى الشعب أن يدفع هذا الثمن، وإذا أساء الشعب في خياراته فعليه أن يتحمل نتائج هذه الإساءة وأن يتعلم من أخطائه.

ومع ذلك فيمكن تهيئة الأجواء لانتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية بالتوافق على قانون انتخابي علمي وموضوعي ومدروس وشامل وقارئ جيد لكل أطياف المجتمع السوري، وعلى أساسه تجري الانتخابات وحينها لابد وأن فرص نجاح العملية الديمقراطية ستكون أكبر بكثير من فرص فشلها، إضافة إلى أن الكثير من المخاطر والمهاوي التي يمكن أن يقع فيها الآخرون من جيراننا في مسألة اختيار ديمقراطي كهذه ، هي بعيدة عنا بحمد الله فنحن نتمتع بمجتمع متجانس يعيش فيه الناس وإلى حد معقول ومقبول بعيداً عن انتماءاتهم المذهبية والدينية والطائفية ومللهم ونحلهم.

أما إذا أردنا أن نتابع مسيرتنا البرلمانية كما هي وبنفس حالها وأحوالها فالمستفيد الوحيد من حل المجلس كما كتب (( الدومري السوري )) في موقعه هم:

( بائعوا الأقمشة ،والخطاطون ، وأصحاب مطابع الصور ، ولاصقوا الصور ومعلقوا اللافتات ، وأصحاب خيام الآجار ، وشباب العراضات ،ومعدي القهوة المرة، وبائعي الحلويات ، ومعمري الأراكيل، والجرائد الإعلامية، وشركات الخليوي و….

نحن بأمس الحاجة إلى مجلس جديد للشعب ، يمثل كل الشعب ، ويثق به الشعب وإذا لم نفعل فسنبقى نغني في الطاحون و سيبقى الفاسدون يسرحون ويمرحون ، والصفوف الأولى يحتلون .

والله يجيرنا من شيء أعظم .