غير معقول هذا الاتهام الذي يوجهه نائب الرئيس السابق في سوريا عبدالحليم خدام بعد ان شارك في صناعة الحزب والدولة 43 عاماً..

وغير معقول ان يقول اي انسان ’’عليّ وعلى اعدائي يا رب’’ لمجرد انه خسر جولة! فالنائب السابق لم يطرد من مناصبه، حتى يشعر بأنه اهين وعليه ان يهدم المعبد على المصلين فيه..

ولم يتقدم هو بالاستقالة من كافة مناصبه، احتجاجاً منه على قتل الحريري او فتح السجون، ولا لان سوريا حاولت الانحراف في سياستها الثابتة، وهي عدم الاعتراف بإسرائيل وعدم القبول ان تكون ذيلاً لتنفيذ السياسة الامريكية..

هذه هي بعض المبررات ليقوم نائب الرئيس السابق بفتح جميع الحنفيات، بمناسبة وبدون مناسبة على رأس الهرم وعلى النظام الذي قام هو شخصياً المساعدة ببنائه على مدى 43 عاماً.

سقوط انتخابي!

المعروف ان عبدالحليم خدام كان حتى حزيران الماضي، العنوان الذي يحمل الصولجان وهو الذي يحارب الدنيا للدفاع عن دمشق قلعة الاحرار..

ولكن القلعة في حزيران الماضي تصدعت وانهارت، عندما جرت الانتخابات العادية التي تجري كل اربع سنوات للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وفشل خدام هذه المرة في الوصول الى عضوية القيادة العامة. وبذلك حسب الانظمة الديمقراطية التي كان خدام هو حارسها على مدى الثلاثة والاربعين عاما، فكان عليه ان يتخلى عن كل مناصب نائباً للرئيس ورئيساً لعدة ملفات في منتهى الخطورة واهمها ملفا فلسطين ولبنان.

على ما يبدو، كان نائب الرئيس خدام عندما وضع هذه الانظمة، كان يتوقع ان يبقى الى الابد في قمة الهرم لانه كان يستطيع ان يفعل كل شيء، ولعلنا جميعاً نذكر ان نائب الرئيس خدام تجاوز منصبه العادي وتولى اعلى المناصب في عاصمة العلويين عندما انتقل المرحوم حافظ الاسد الى جوار ربه، فاصبح عبدالحليم خدام القائم بأعمال رئيس الجمهورية.

ومنذ اللحظة الاولى التي تسلم فيها المنصب الاعلى في سوريا، اخذ يعمل جاهداً بدون كلل او ملل لتعديل الدستور السوري ليتسنى لبشار ان يصبح رئيساً للجمهورية، بعد ان استطاع تعديل الدستور الذي يشترط في عمر رئيس الجمهورية، ان يكون في الاربعين من عمره، فقام بتعديل الدستور ليصبح الشرط ان يبلغ 34 عاماً بدون زيادة او نقصان، وهو العمر الذي كان فيه بشار في ذلك الحين.
والسؤال الذي يجب طرحه الان على خدام الذي اتهم الرئيس بشار في لقائه مع برنامج ’’العربية’’ بأنه الجاهل الذي اخذ يعتقد ان امريكا ضعيفة وانها ستأتي زاحفة عند قدميه تطلب رضاه، مما جعله يرتكب الاخطاء في لبنان والعراق واتهمه بأن قراءته للتطورات العالمية قراءة خاطئة.

عدّل الدستور لخدمة بشار!
والمعروف ان الرئيس بشار لم يكن بعيداً عن خدام، الذي جاهد وناضل من اجل تعديل الدستور السوري حتى يتيح الفرصة لاعتلاء بشار سدة الحكم السوري..

فلو لم يكن بشار ناضجاً مقنعاً محنكاً وطنياً صادقاً، لما غامر خدام ببذل ما بذله من جهد لتقديم العرش السوري على طبق من ذهب لبشار لقيادة المسيرة التي جاءت في احلك الظروف..

والمعروف ايضاً ان سلطات الحكم انتقلت من الاباء الى الابناء في معظم الدول العربية، ولكن المعروف ايضاً ان الحكام الجدد كانوا يباشرون الحكم بطاقم جديد، باستثناء بشار الذي احتفظ بالحرس القديم، وكان الوحيد الذي ترك للشعب ان يغربل طبقة الحكام القدامى وكانت احدى ’’الغرابيل’’..

تلك العملية الانتخابية التي اخرجت خدام من جنة الحكم!!
الرئيس بشار لم يكن هو الذي طرد خدام من جنة الحكم ولم يكن هو الذي اسقطه في الانتخابات ولم يكن هو الذي كشف ما كان الشعب يخطط له ان تكون القيادة الجديدة في مستوى الطموحات والامال.. وهنا نتوقف عند الاحداث التي فتحت فم نائب الرئيس السابق، الذي اتهم الرئيس السوري والسوريين جميعأ بأوصاف، ما كان يجب ان تنطلق من الانسان الذي احكم قبضته على الانفاس طيلة 43 عاماً!! فالمرحوم رفيق الحريري امتدت له يد الغدر والخيانة قبل اكثر من عام من تشهير خدام بسوريا وبالرئيس السوري بشار..

فلماذا لم يكشف خدام هذه الوقائع ان كانت صحيحة في حينها ويكفي سوريا ولبنان والعالم عناء البحث والتحقيق عن القاتل الحقيقي ما دام خدام يضع كل الاسرار في جيبه التي تمتلىء بكثير من الحكايات والاتهامات..

جاء لانقاذ ميليس! ولماذا صمت خدام بعد فشله في الانتخابات الحزبية التي جرت قبل ستة اشهر وتخلى بموجبها عن كافة صلاحياته وهيمناته ولم يتكلم ضد الرئيس الاسد والاجهزة والشعب الذي يأكل من الحاويات، الا بعد ان انهارت تحقيقات ميليس المحقق الاول الهارب الذي تفاجأ بتراجع بعض الشهود الذين اتهموا سوريا انها وراء العمليات، ولكن عندما كشفوا امام الرأي العام، اضطروا لاداء تلك الشهادات الكاذبة مما سارع بتقديم ميليس استقالته تحت مبررات اخرى.

الا ان نائب الرئيس السابق فاجأ بإعلان استقالته من جميع مناصبه وشدد الحملة على الرئيس السوري واتهم النظام انه وراء اغتيال المرحوم الحريري!

حمى الله سوريا!
واسأل نائب الرئيس السوري السابق، حسب خبرته الواسعة في دهاليز السياسة: لو تحقق له هذا التدخل الامريكي، الذي تنتظر الولايات المتحدة نضوج المبررات لاحتلال سوريا، التي رفضت حتى الان تسليم جثة يهودي واحد لاسرائيل، وهو كوهين: هل ينتهي هذا الاحتلال بسقوط النظام السوري فقط، ام انه سيبدأ بقتل مئة الف سوري، كما جرى في افغانستان والعراق، قبل ان تطأ قدم اي جندي اميركي واحد، واحة الامويين الامجاد؟! لكن سوريا التي حفل تاريخها بالمقاومة الباسلة، عبر مسيرتها الوطنية الحافلة بالمقاومة والشجاعة والبطولات، كفيلة بجعل نهاية كل غزو، كما هي نهاية المغامرة الحاقدة في العراق، التي فشلت معها كل المؤامرات!!