بدأ في واشنطن العد التنازلي لممارسة ضغوط على أعلى المستويات لتطويق سوريا، ومن ثم الانقضاض عليها بلائحة اتهامات تفتح ملفات قديمة وادعاءات “إسرائيلية” بحيازتها أسلحة الدمار الشامل العراقية، وهي الادعاءات التي رفض عدد من أجهزة الاستخبارات الأمريكية قبل فترة الأخذ بها، واعتبرت مشكوكاً بقوة في صحتها.

هذا الأمر حدا بالجهات الرئيسية داخل الولايات المتحدة و”إسرائيل” التي تقف وراء الدفع بهذه المزاعم لإقناع صانعي القرار في واشنطن، بالسعي الى إضفاء المزيد من المصداقية على مروجيها حيث يصل الى واشنطن بعد أيام نائب رئيس الوزراء السويدي السابق وزعيم الحزب الليبرالي السويدي ببير أهلمارك بدعوة من معهد “جينزا” وهو المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي لمقابلة قادة الرأي وواضعي السياسات، للتحدث عن ترشيح كل من جون بولتون السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة ووكيل وزارة الخارجية الأمريكي الأسبق المحسوب على المحافظين الجدد وأحد فرسان اتهام النظام العراقي الأسبق بتطوير برامج أسلحة الدمار الشامل، وكينيث تيمرمان المحرر المشهور بكتاباته على مدى عشرين عاماً عن أسلحة الدمار الشامل، والمعروف بأنه مخترع تعبير “الدول المارقة”، والتي ضمت سوريا وإيران وكوريا الشمالية وليبيا - لجائزة نوبل للسلام.

وجاء في حيثيات الترشيح لجائزة نوبل للسلام “مجهوداتهم لكشف الخطط النووية الإيرانية السرية، والكشف عن الكذب المتكرر لإيران على لجنة البرادعي”، وكذلك “جهودهم الدولية للقضاء على عمليات شحن أسلحة الدمار الشامل، وهي التي أدت الى تفكيك الشبكة السرية التي كان يترأسها العالم الباكستاني قدير خان، لا سيما تقرير تيمرمان الذي يحظى بالاعجاب لحساب معهد سيمون ويزنتال، ونبه فيه الى علاقة إيران بخان”.

وفي التقرير نفسه، الذي ينظر اليه في الولايات المتحدة و”إسرائيل” ودولياً، على انه المرجع الرئيسي لبنية أسلحة الدمار في ما يسمى “الدول المارقة” في الشرق الأوسط، خص تيمرمان سوريا بجزء مطول عن “الأسلحة البيولوجية والصواريخ فيها”.

من المعروف ان تيمرمان أسس “منظمة من أجل الديمقراطية في إيران” والممولة من مؤسسة الوقف الوطني للديمقراطية، ولكن الأهم انه ومعه أشخاص لهم انتماءات واضحة ب”إسرائيل” بدأوا منذ فترة الترويج لأفكار تتحدث عن قيام صدام حسين بنقل أسلحة وبعض برامج أسلحة الدمار الشامل في قوافل الى سوريا في 24 ديسمبر/ كانون الأول ،2002 وقبل ثلاثة أشهر من غزو العراق، وان ارييل شارون كان قد نقل هذه المعلومات الى الإدارة الأمريكية، إلا ان إدارة الاستخبارات بالخارجية الأمريكية، شككت فيها ولم تعرها اهتماماً.

وحالياً فإن الترويج لهذه الأفكار بدأ مجدداً مع تصاعد الخلافات بين واشنطن ودمشق، حيث سيتم يوم 18 من فبراير/ شباط الجاري إذاعة شرائط مسجلة مدتها 12 ساعة، يقول هؤلاء انها تحمل الدليل وعلى لسان صدام حسين على قيامه بإصدار أوامر لمسؤولين عراقيين سابقين بنقل أسلحة الدمار الى سوريا.

وسيتم ذلك خلال المؤتمر الاستخباراتي السنوي الذي سيعقد في أحد الفنادق القريبة من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) وتعقده سنوياً مجموعة التعليم، ومقرها ولاية فلوريدا، وهي تمثل مجلساً من المستشارين يقولون عن أنفسهم انهم شركة مسجلة غير ربحية، تحت اسم “القمة الدولية الاستخباراتية”. والمؤتمر أو القمة التي ستتم على مدى ثلاثة أيام (17-20 فبراير) تنعقد حسب رأيهم “لإعطاء الفرصة للمجتمع الاستخباراتي الدولي للتعلم والاستماع وتبادل الأفكار مع الخبراء حول الحرب المشتركة على الارهاب”. ويضم المجلس الاستشاري للقمة المدير السابق ل”CIA” ولواءات وجنرالات من الموساد والرئيس السابق للجنة الاستخبارات المشتركة البريطانية.

وخلال اليوم الأول للمؤتمر تمت دعوة شخصية مهمة، حرصوا على عدم إعلان اسمها وسميت “مجهولاً” لتعلن هذه الشخصية عن شرائط صدام حسين التي تثبت -حسبما يقولون- انه هرب أسلحة الدمار الشامل لديه الى سوريا.

كما سيتحدث آخرون وسيقدمون أوراق عمل ستأخذ في الاعتبار، حسبما علمت “الخليج” أقوال جنرال طيران عراقي سابق هو جورج سادة والذي يقيم في اوكلاهوما بالولايات المتحدة منذ 2002 عن عملية نقل أسلحة الدمار الى سوريا، وسادة الذي كان رئيساً سابقاً للكنائس الانجليكية في العراق كان قد أصدر مؤخراً كتاباً اسمه أسرار صدام تحدث فيه عن قيام صدام بتحويل طائرات مدنية أزيلت مقاعدها الى ناقلات لأسلحة الدمار الشامل الى سوريا.

ومن المتوقع ان تركز القمة الاستخباراتية الدولية على هذا الملف، حسب مصادر “الخليج” وسيقدم خلال جلساته ما وصف بأنه خرائط وأدلة توضح أماكن إخفاء هذه الأسلحة في مناطق بالبقاع (في لبنان) وأيضاً في مناطق ما بين مدينتي حماة والسليمانية.

جدير بالذكر ان هذه “القمة الاستخباراتية الدولية”، أطلقها مركز كان في الأصل يحمل اسم مركز تعليم الهولوكست الدولي، ومركز ولاية فلوريدا. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول تم بسرعة توسيع وتغيير مهمته “لمكافحة الارهاب” وأصبح “مركز تعليم الأمن القومي والاستخبارات” ويفخر المركز بأنه قام بعمل برامج تحر قومية استخدمت محققين خاصين لجمع معلومات عن “تمويل ارهابيين محليين في الولايات المتحدة”. كما يفخرون في المركز بأنهم من ساعدوا على كشف وإدانة البروفيسور سامي العريان (الذي تمت تبرئته مؤخراً من دون الافراج عنه). كما قاموا بتمويل العديد من البرامج ما بين عامي 2004 و2005 لتمويل مؤتمر لتعليم “وكالات الاستخبارات الأمريكية”.

في هذه الأثناء، سلم رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي فان بيتر هوكسترا وكالة الاستخبارات الأمريكية أشرطة تسجيلية مدتها 12 ساعة يتحدث فيها صدام حسين مع كبار مستشاريه حول قضايا عراقية بالغة الأهمية بما فيها موضوع أسلحة الدمار الشامل، وذلك بحسب ما ذكر جمال وير نائب هوكسترا.

وأوضحت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية صباح أمس نقلاً عن جمال وير، ان “هوكسترا يعتقد بأن التسجيلات ستلقي الضوء عما إذا كان الرئيس العراقي المخلوع أخفى أسلحة غير تقليدية قبل إسقاط نظامه عام 2003”.

ويضيف وير ان محللي أجهزة الاستخبارات الأمريكية أكدوا ان الصوت في الأشرطة التسجيلية هو لصدام حسين. وذكر جون لوفتس المدعي الفيدرالي السابق الذي سلّم الأشرطة لرئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب هوكسترا، على موقعه الالكتروني، ان هذه التسجيلات تعود للعام 2000. وكشف انه بدوره تسلم هذه الأشرطة من محلل سابق في الاستخبارات العسكرية الأمريكية، من دون ان يوضح من أي جهة حصل هذا المحلل على أشرطته تلك.

وكانت صحيفة “نيويورك صن” أول من كشف الأحد الماضي عن إخضاع هذه الأشرطة للتدقيق، ونقلت عن هوكسترا قوله ان البيت الأبيض يدعم جهوده في المضي قدماً في تحقيقه حول هذه الأشرطة وأسلحة صدام.

وانتقد هوكسترا الاستخبارات الأمريكية وكيفية متابعتها لهذا الملف قائلاً: “أنا أحاول ان أعرف ما إذا كانت استخبارات ما بعد حرب العراق هي على قدر سوء استخبارات ما قبل الحرب”.

ونقلت “نيويورك تايمز” عن النائب الديمقراطية جين هيرمن قولها انها سوف تستمع لهذه الأشرطة، ولكنها ترفض كلام رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، مشددة على ان “اللجنة سوف تعيد فتح ملف أسلحة الدمار الشامل ولذلك يجب ان يكون هذا التحقيق بمشاركة الحزبين الجمهوري والديمقراطي ومبنياً على الحقائق وليس السياسة”.