عبارة شاعت في أوساط قوى 14 آذار في إشارة الى تعويلها على دور ما لرئيس مجلس النواب يعزّز حملتها لإسقاط رئيس الجمهورية إميل لحود. ولا يتردد أفرقاء في قوى 14 آذار في الإيحاء أن بري يتحيّن المناسبة للإنتقال من موقعه في الطرف الشيعي الى قوى 14 آذار في ضوء ما لاحظه هؤلاء من تمايز بين قطبي الفريق الشيعي، أي بري والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، توطئة لانقسام محتمل في الموقف الشيعي، الموحّد منذ الإنتخابات النيابية صيف 2005، نظراً الى ما يعتقده فريق 14 آذار تضارباً في المصالح السياسية المستقبلية للزعيمين الشيعيين.

أما الأسباب التي تحمل أفرقاء في 14 آذار على تعليق آمال عريضة على انضمام بري اليهم، وتالياً ترجيح كفة التوازن السياسي للقوى المنخرطة في هذا التحالف، فتكمن في الآتي:

كونه رئيساً لمجلس النواب سيكون المعني المباشر بالإستحقاق الرئاسي الذي سيلي اخراج لحود من السلطة استناداً الى الصلاحية الدستورية المعطاة له بتوجيه الدعوة الى النواب لانتخاب خلف للرئيس الحالي.

ولهذه الصلاحية، في الغالب، بُعد سياسي يوازي الإلزام الدستوري هو أن رئيس المجلس لا يدعو الى جلسة الإنتخاب الا بعد أن يشعر أن الوضع الداخلي، بما في ذلك طبيعة التنافس وتوازناته، بات مهيأ لمواجهة الإستحقاق توافقاً أو معركة انتخابية، فلا تتعرض البلاد لأزمة دستورية خطيرة.

أن بري رئيس كتلة برلمانية كبيرة من 16 نائباً يكتمل بها نصاب الثلثين الذي تحتاج اليه الغالبية النيابية (71 صوتاً) من أجل انعقاد جلسة انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية. وليست هذه حال كتلة "حزب الله" التي تضم 14 نائباً، ولن يكون في وسعها منفردة تعطيل اكتمال عقد جلسة الإنتخاب.

تدرك قوى 14 آذار أن التفاهم مع بري أسهل منه مع "حزب الله"، ولذا حاذرت ولا تزال التصويب على رئيس المجلس مكتفية بتوجيه انتقاداتها وحملاتها الى "حزب الله"، تارة بذريعة احتفاظه بالسلاح، وطوراً بحجة استمرار تحالفه مع سوريا. بذلك يبدو بري في تقدير أفرقاء في قوى 14 آذار الزعيم الشيعي الذي لا مفر من الحاجة الى دوره من جهة، والشريك الشيعي المحتمل في إدارة الحكم ما دام "حزب الله" سيصبح في مرحلة ما بعد إطاحة لحود الهدف المباشر في تنفيذ القرار 1559 بتجريده من سلاحه. علماً أن قوى 14 آذار لم تهضم بسهولة انتخاب بري رئيساً لمجلس النواب للمرة الرابعة السنة الفائتة، وهي وجدت أن الطائفة الشيعية من خلال قطبيها فرضت على الغالبية النيابية هذا الخيار.
. وأسباب أخرى

الا ان رئيس المجلس يقف على طرف نقيض من هذه الأسباب لاعتبارات أخرى:

أولها، تمسكه بوحدة الموقف الشيعي منذ انتخابات 2005 ودفاعه عن سلاح المقاومة، اعتقاداً منه أن الطريقة التي تدير بها الغالبية النيابية السلطة وطبيعة اتصالاتها بالخارج تثير القلق حيال العلاقة مع الطائفة الشيعية.

ثانيها، أنه يقف خلف البطريرك الماروني مارنصرالله بطرس صفير في ما يتصل بمصير رئيس الجمهورية. وهو يقارب هذا الاستحقاق على نحو ما يفعل البطريرك: مغزى ذلك تبنيه المطلق كل ما ينادي به صفير الذي وضع حتى الآن الضوابط المقبولة والضرورية في المواجهة المفتوحة بين فريق 14 آذار ورئيس الجمهورية: ضد إسقاط الرئيس في الشارع أو بالعنف، توسّل الآلية الدستورية لتحقيق انتقال السلطة من عهد الى آخر، الإتفاق سلفاً على البديل من لحود قبل إسقاطه تفادياً لفراغ دستوري وتحوّطاً لانفجار التسابق الماروني على المنصب. وما دام البطريرك ينادي بهذه فإنها لسان حال رئيس المجلس أيضاً الذي يرى أن مصير لحود شأن مسيحي وماروني أولاً، وينبغي أن يكون بين يدي سيد بكركي.

ثالثها، أن بري ما أن يخلو منصب الرئاسة لأي سبب كان، سيدعو مجلس النواب الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية عملاً بصلاحياته الدستورية. إلا أنه لا يجد في هذه الدعوة حلاً دونه عدم التوافق على الرئيس البديل. ويعني ذلك، ربما، تعذر اكتمال الثلثين الحتميين لجلسة انتخاب الرئيس الخلف كونهما حساباً سياسياً أكثر منهما نصاباً دستورياً. وسيعمد بري، عملاً بالصلاحيات نفسها، الى توجيه الدعوة مرة بعد أخرى الى أن يلتئم الثلثان الدستوريان للإنتخاب.

وهنا ربما تكمن "الشائعة" التي يطلقها أفرقاء في قوى 14 آذار، وهي "إبحثوا عن نبيه بري". إذ يعتقدون أن توجيه بري الدعوة الى جلسة الإنتخاب يفترض أساساً أن نواب كتلته الـ16 سيحضرونها فيكتمل بهم الثلثان. والواضح أن الأمر قد لا يكون بمثل هذه البساطة والدقة ما دام الموقف السياسي العام لبري هو في صلب الموقف الشيعي الموحّد بينه وبين حليفه نصرالله. وهذا هو المقصود أيضاً بما كان رئيس المجلس ذكره عن فصل قاطع بين دوره كـ"خادم" للحوار الوطني الذي دعا اليه في 2 آذار المقبل بصفته رئيساً للمجلس، وكونه رئيساً لحركة "أمل" وهي فريق سياسي له مواقفه ووجهة نظره وشروطه للحلول المقترحة للمشكلات ومناوراته وطريقة تفاوضه. يصحّ ذلك أيضاً في مقاربته للإستحقاق الرئاسي إذ يحبّذ عدم استعجاله ليخرج توافقياً من طاولة حوار 2 آذار كجزء من رزمة اتفاق سياسي متكامل يشمل مشكلات أخرى موازية في خطورتها كالقرار 1559 والعلاقات اللبنانية - السورية والتحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وإدارة الحكم في المرحلة المقبلة.

في خلاصة ذلك أن المشكلة تراوح مكانها، وربما الى أبعد من 15 آذار المقبل: لا الشارع يخلع رئيس الجمهورية من منصبه لأن الشارع يستدرج آخر، ولا الآلية الدستورية متوافرة في ظل إحجام كل من الفريق الشيعي والرئيس ميشال عون عن تأمين نصاب الثلثين الضروريين لتقصير الولاية وانتخاب رئيس جديد. تبعاً لذلك بات في باب لزوم ما لا يلزم القول أن الخيار الثالث للمسألة الدستورية هو تخلي الرئيس السوري بشار الأسد عن نظيره وحليفه اللبناني ودفعه الى الإستقالة. وإذذاك يُفتح الباب جدياً على الجانب الآخر من المشكلة: منَ يخلف لحود وكيف؟

يعيد ذلك الكلام مجدداً الى التوافق مع الفريق الشيعي الذي يكتمل من خلاله الثلثان ما دامت الشائعة شائعة. وهو مغزى ما يتردد في بعض الأوساط عن إمكان البحث في مرشحين طبيعيين للمنصب كعون (الذي ترفضه الغالبية النيابية) والنائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود (اللذين يعارضهما الجنرال)، وآخرين ثمرة تسوية سياسية كالوزير شارل رزق والوزير السابق ميشال إده وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.