طفت على سطح العلاقات الأردنية - السورية، أزمة جديدة تضاف إلى رصيد الأزمات التي تعرضت لها هذه العلاقة طوال العقود الماضية. وكان الرئيس السوري بشار الأسد وجه انتقادات لاذعة لشعار "الأردن أولاً" الذي أطلقه العاهل الأردني الملك عبد الله قبل نحو ثلاث سنوات، وجاءت انتقادات الأسد للأردن خلال كلمة ألقاها أمام اجتماع للأحزاب العربية اختتم أعماله في دمشق الأربعاء 8-3-2006.

وبالرغم من أن هجوم الأسد على الأردن كان من "العيار الثقيل"، وذلك حينما قال في كلمته أمام مؤتمر الأحزاب العربية "شخصيا أعتبر شعارات من طراز الأردن أولا مقدمة لشعارات مثل إسرائيل وأمريكا ثانيا"، إلا أن عمّان فضّلت أن لا ترد على دمشق بطريقة مباشرة، مفضلة أن يقوم كتاب المقالات والأعمدة الثابتة في الصحف اليومية، بتولي هذه المهمة.
وأشارت تصريحات الرئيس السوري، إلى مدى تراجع العلاقات بين بلاده والأردن، في الوقت الذي رُصد فيه تجميد لهذه العلاقة طوال السنة الماضية، حيث لم تشهد هذه العلاقة أي اتصال سياسي بين أي من مسؤولي البلدين. واتخذت عمان، موقفا مؤيدا للتيارات اللبنانية المعارضة للتواجد السوري في لبنان، فيما برزت تصريحات ضمنية من بعض المسؤولين الأردنيين، طالبت فيها دمشق بالالتزام بالقرارات الدولية. كما برزت تلويحات من قبل عمان ضد دمشق، اتهمتها فيها بعدم ضبط حدودها، الأمر الذي أدّى إلى تسلّل إرهابيين مفترضين للأراضي الأردنية، ومحاولة تنفيذ عدد من العمليات ضد المصالح الأردنية.

وبدأت الصحف اليومية المحلية في الأردن، حملة "مسبوقة" على القيادة السورية، وتجاوزتها لتصل إلى الأحزاب الأردنية التي شاركت ضمن اجتماعات المؤتمر المذكور في دمشق. وجاء أقوى هجوم في هذا الصدد، في مقال وزير الإعلام الأردني الأسبق صالح القلاب، حينما أشار صراحة في مقال نشرته صحيفة "الرأي" الرسمية، إلى تورط النظام السوري في "أمن الأردن" حينما قال "في كل مرة يسمع الأردنيون أن هدية متفجرة عبرت حدود بلادهم من دولة مجاورة؛ يعرفون أن المقصود هو الشقيقة العزيزة سورية". وأشار القلاب إلى أن السلطات الأردنية تتجنب ذكر اسم سورية "تمسكاً بحسن الجوار، واحتمال تجاوزات الشقيق لعل وعسى أن يوقف تجاوزاته"، وفق تعبيره.
ووصف القلاب النظام السوري بأنه "مصاب بعقدة النفوذ الإقليمي، وبمرض انفصام الشخصية"، معتبرا أنه يتعامل وفق منطق "الشقيق الأكبر في هذه المنطقة، الذي له الحق في إملاء إرادته على أشقائه الصغار، والمقصود هنا هو لبنان وفلسطين والأردن، وفي بعض الأحيان العراق أيضا"، على حد تعبيره.

واعتبر القلاب أن النظام السوري "ساهم في إشعال نار الفتنة والحرب الأهلية في لبنان في منتصف عقد سبعينات القرن الماضي، ثم قدم نفسه كمخلص في فترة لاحقة، ولقد أذاق منظمة التحرير وأفتعل كل الانشقاقات التي ضربتها وضربت كل فصيل من فصائلها من أجل وضع الرقم الفلسطيني في جيبه إلي جانب الرقم اللبناني"، وفق وصفه.

وأشار الوزير الأردني السابق، في مقاله الذي عنونه تحت اسم "عيب"، إلى أن الحكم السوري حاول دوما "إضعاف الأردن، من أجل أن يقدم نفسه للإسرائيليين والأمريكيين ولأوروبا والغرب كله على أنه وكيل هذه المنطقة، وأنه المفاوض الوحيد باسم كل دولها".
ثم وسع القلاب دائرة هجومه، لتشمل الحزبيين الأردنيين الذين كانوا ضمن المؤتمر، وهم أعضاء حزب جبهة العمل الإسلامي، وحزب البعث فرع الأردن، حيث وصفهم القلاب بأنهم "أردنيو جواز السفر فقط"، مشيرا إلى أنهم "واجهوا شتائم الرئيس بشار للأردن بالزغاريد والهتاف وبالتصفيق المتواصل حتى احمرت أكفهم"، حسب ما كتب.

وأضاف القلاب مهاجما ممثلي الحزبين الأردنيين قائلا "لو أن لدى هؤلاء الذين سمعوا شتم شعبهم بآذانهم، وقابلوا شاتمه بالتصفيق الحار والهتاف والزغاريد؛ قطرة من ماء الوجه وذرة من الحياء؛ لعادوا من عاصمة الأمويين التي طال ليلها، وهم يخبئون وجوههم بأيديهم خجلا، إذ ليس أكبر من هذا العار عارا"، بحسب ما يرى.
وفي سياق ذلك؛ فضل كتاب آخرون، فتح ملف العلاقات الحدودية بين الأردن وسورية، حينما تحدث سلطان الحطاب في صحيفة "الرأي" أيضا عن عبارة "الأردن جنوب سورية"، وهي العبارة التي كررها عدد من الساسة السوريين خلال السنوات الماضية، واصفا هذه العبارة بأنها "سطو على التاريخ والجغرافيا"، ومشيرا إلى أن من حق الأردنيين أن يقولوا إن سورية هي شمال الأردن.

وأشار الحطاب إلى أن "من سخر من شعار: الأردن أولا؛ سخر من الوطن الأردني وليس من الحكومة أو النظام في الأردن"، معتبراً أن الحزبيين الأردنيين الذين سمعوا ذلك الهجوم "وسكتوا عليه لا يمثلون الشعب الأردني". أما الكاتب الإسلامي السابق سميح المعايطة، الذي يكتب عمودا يوميا في صحيفة "الغد"، فقد نعى مؤتمر الأحزاب العربية بأنه تحول إلى "كومبارس تابع للموقف السوري ولاتهام هوية الأردنيين بالتبعية لاسرائيل". وأخذ المعايطة علي حاضري المؤتمر عدم تدخلهم بمسألة عشرات الآلاف من السوريين الذين لا يستطيعون العودة لبلادهم، في إشارة إلى أعضاء جماعة الأخوان المسلمين السوريين.
يشار إلى أن جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لحركة الأخوان المسلمين في الأردن، شاركت في المؤتمر المذكور بالرغم من مطالبة "أخوان سورية" لهم بعدم المشاركة، في الوقت الذي قرر فيه الأخوان المسلمين في اليمن عدم المشاركة في هذا المؤتمر احتجاجا على موقف دمشق من حركة الأخوان المسلمين في سورية.