لم يصل عدد النساء اللواتي يتبوأن مناصب كبرى في إدارات الحكومات والدول الى عدد شهور السنة، فهن أقل من “دستة”، رغم كل ما يقال عن الانقلاب الأنثوي الذي حرّر النساء من بيوت الدمى.

الثامن من آذار يومهن الرسمي، لكن أيام السنة كلها من أجلهن، أمهات وشقيقات وبنات وحبيبات وزوجات وعمّات وخالات.

لكن هذا الودّ الذكوري إزاءهن لا يزال مُلتبساً كما كان الغزل وأشعاره في ذروة الالتباس عندما افتضح علماء النفس والاجتماع ذلك الحب القاسي، وقالوا إن الرجل الذي يتغزل بالمرأة لا يحميها، بل يوّد اقتناءها، لهذا سرعان ما ينصرف عنها بفظاظة إذا استشعرت قيْد أنملة من حريتها المهدورة.

قبل فترة كتبت إحداهن عن شوق مكظوم ومزمن لتولي امرأة من العالم منصب الأمين العام للأمم المتحدة، لكن الأمم رغم أنثويتها اللغوية لا تزال ذكورية، بل باترياركية متعصبة لأبي زيد الهلالي وسلالته بمختلف اللغات.

وحين أطلق على عقد في التسعينات بأنه عقد المرأة التبس الأمر على نساء قابعات في أقاصي العالم، وظنن للوهلة الأولى أن العقد هو من ذهب أو ماس وليس من أعوام.

وبعض الذكور الأشد زهواً بريشهم ظنّوا ذلك أيضاً، وبالرغم من تعاقب المؤتمرات الكونية عن أحوال المرأة، وتولي نساء مناصب رئاسية إلا أن الأوضاع العامة للنساء لا تزال في خطر، وثمة هدر منظم لإنسانيتهن في الإعلان والصورة، والرموز الجنسوية المتداولة، فالرقيق لا يزال موجوداً، والأرقّاء قد يكونون بيضاً أو سوداً أو بلون القمح، وكذلك النساء في عالم يتعامل معهن كمشاجب للحلي أو العروض.

لهذا فالثامن من آذار ذكر أيضاً كالسابع منه والتاسع والعشرين أيضاً، ولم تكن مصادفة أن شهور السنة ذكورية، من باردها المشبع بالصقيع حتى تموزها الحارق، وأيلولها الدموي.

إن لنساء العالم الحق في العديد من أيام السنة لكن على نحو جدّي، وليس على نحو احتفائي وطقسي، كأن تكون هناك مراجعة ومواجهة مع ما انتهى إليه المشهد النسوي في هذا الكوكب المذكَّر.

إن المرأة التي كابدت من شرور الذكر ستة آلاف عام لا تنتظر وردة حمراء في مناسبة لأن حكاية ليلى والذئب انتهت نهاية غير سعيدة، لكن العجائز من الجدات طاب لهن أن يحولنها الى تميمة أو تنويمة للأحفاد اللائذين بأحضانهن.

وعدد النساء اللواتي يتولين مناصب قيادية الآن في العالم أكثر بقليل من عدد أصابع اليدين، وثمة أحزاب رجالية لا تزال تعلن تعصبها وفاشيتها الجنسية ضد النساء، لأنهن مقترنات بالمكر والخديعة حسب ثقافة الليالي الألف، وقد تكون هذه مناسبة لتكرار القول بأن تحرير المرأة ليس مغامرة يقوم بها الرجل كما لو كان يصطاد لامرأته أرنباً برياً، لهذا لا يسرّ بعض النساء العربيات أن ترتبط الدعوة الى إعتاقهن برجل هو قاسم أمين، وهو أكثر ميلاً وانحيازاً الى هدى شعراوي، كما أن إحدى المثقفات العربيات طالبت علناً بحذف نون النسوة لا من كتاب النحو فقط بل من دماغ الرجل الذي تحتله واوات الجماعة.

المسألة أعقد وأكثر جدية من تقديم وردة أو غابة ورد الى المرأة في يومها، فذلك يضاف الى موروث الرشى الذكورية ويكرس واقع الحال.

لن نعطي لأنفسنا الحق في أن ننوب عنهن في يومهن.

وكل ما نريد التذكير به في ذروة هذا الاحتفال، رغم كونه أشبه بِشَعْرَة في الكأس أو الحساء، هو أن الثامن من آذار لا يزال ذكراً