يبدو ان محاولي ابقاء الرئيس اميل لحود في منصبه من قوى 8 آذار حتى انتهاء ولايته يتعمدون وضع قوى 14 آذار امام شروط شبه تعجيزية للاتفاق على اختيار رئيس بديل، منها ان يكون مقبولا من الرئيس لحود ومن العماد ميشال عون ومن "التحالف الشيعي"، وهذا معناه استبعاد المرشحين البارزين من الصف الاول واختيار مرشحين عاديين من الصف الثاني وما دون، مما يجعل المطالبين باستقالة لحود يفضلون بقاءه حتى نهاية ولايته على تحمل وصول شخص الى منصب الرئاسة لمدة ست سنوات، لا يختلف عنه.

وهكذا تضع قوى 8 آذار قوى 14 آذار بين خيارين صعبين: إما القبول ببقاء الرئيس لحود في منصبه حتى نهاية ولايته، وهذا يشكل نكسة كبيرة لها واسقاطا لأهم هدف من اهدافها، واما القبول برئيس "كيفما كان" تختاره قوى 8 آذار، ويجاريها "التيار الوطني الحر" نكاية بمعارضي وصول عون الى قصر بعبدا.

والواقع، ان قوى 8 آذار اذا نجحت في محاولتها هذه فانها تكون قد وضعت قوى 14 آذار في طريق مسدود. وعرضتها مع الوقت للتفكك، لأن قوى 8 آذار تكون هي الرابحة سواء في حال تمكين الرئيس لحود من البقاء في منصبه حتى نهاية ولايته، او في حال اختيار رئيس جديد خلفا له لا يختلف عنه نهجا وسلوكا، فتقوم مع بداية عهده تحالفات جديدة تغيِّر صورة المشهد السياسي السائد حاليا، وتترجم الانتخابات النيابية المقبلة التي قد تجرى باكرا، النتائج تكوينا لاكثرية جديدة، وتكون قوى 14 آذار هي المسؤولة عن ذلك لأنها لم تتفق، لا سيما القيادات المسيحية فيها، على اختيار رئيس جديد من الصف الاول له مبادئه الثابتة ومواقفه الوطنية التي لا يساوم عليها، واتاحت نتيجة لخلافها اختيار رئيس من الصف الثاني وما دون، يكون لعبة في ايدي قوى 8 آذار ومن وراءها.

كذلك يرى مسؤول سابق ان على قوى 14 آذار ان تحبط محاولات قوى 8 آذار لتحول دون عودة البلاد الى زمن الوصاية السورية، وهذا يتطلب من البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير القيام بدور حاسم لطالما قامت به بكركي في الازمات الحادة والمحطات المفصلية من تاريخ لبنان، فتضطلع بمسؤولية تسمية مرشحين للرئاسة يكونون من الصف الاول وهم في الواقع قلة ومعروفون، وذلك من اجل قطع الطريق على محاولات المجيء برئيس جديد للجمهورية يكون من الصف الثاني وما دون. واذا كان سيد بكركي، يجد نفسه في وضع حرج بتسمية مرشح واحد، فان في امكانه تسمية عدد من المرشحين المقبولين من طائفتهم قبل ان يكونوا مقبولين من طوائف اخرى، ويكونون من الصف الاول اسوة بطوائف اخرى تتمثل بمن يعتبرون ممثلين لها من الصف الاول وفي مناصب في الدولة، اذ لا يعقل ان تكون طوائف ممثلة بخيرة وابرز رجالها وطوائف ممثلة بأشخاص عاديين يسهل القفز فوقهم.

ويتساءل المسؤول ايضا اذا لم يكن في استطاعة بكركي وقوى 14 آذار ايصال رئيس للجمهورية يعتبر من النخبة ومن البارزين في الطائفة المارونية، وفي ظروف مؤاتية لإيصاله، ففي اي ظرف يستطيعون ذلك؟ ولماذا يكون للطوائف الاسلامية اشخاص بارزون في مناصب مهمة في الدولة، ولا يكون للطوائف المسيحية امثالهم في المناصب العائدة لها، علما انه قد تكون لبعض الزعماء المسلمين مصلحة في الا يكون رئيس الجمهورية من الصف الاول؟

لقد تعاقبت على رئاسة الجمهورية منذ الاستقلال، وجوه مارونية بارزة، وكان المتنافسون على منصب الرئاسة الاولى من خيرة وجوه الطائفة وابرزها، ولم يكن يجرؤ اي شخص من الصف الثاني على الترشح لهذا المنصب كما هي الحال اليوم نظرا الى ما كان للمنصب من اهمية وهيبة ووقار ومسؤولية كبيرة، لذا، كانت معركة الانتخابات الرئاسية تنحصر بمرشحين اثنين بارزين، اذا فاز اي منهما فان فوزه يبعث على الارتياح في اوساط الناس. فمن اجل العودة الى زمن انتخاب رؤساء الجمهورية من الوجوه المارونية البارزة، ينبغي على القيادات المسيحية تسهيل مهمة بكركي في اختيار مرشحين للرئاسة يكونون من الصف الاول ومن الذين يوحون الثقة بثباتهم على مبادئهم وعلى مواقفهم الوطنية التي لا مساومة فيها خصوصا في ما يتعلق بالسيادة والاستقلال والقرار الحر، ومن الذين لهم من ماضيهم السياسي ما يجعل اللبنانيين يأملون في مستقبل زاهر وواعد. واذا تعذر التوصل الى توافق على مرشح واحد، فلا مانع من التوافق على لائحة باسماء بارزة من الصف الاول وهي محدودة، وقد لا تتجاوز الثلاثة، كي ينتخب مجلس النواب واحدا منها وتقطع بذلك الطريق على انتخاب رئيس من الصف الثاني وما دون، فيحدث انتخابه يأسا واحباطا عند اللبنانيين يدفع الى مزيد من الهجرة.

لقد كان الخارج، كما هو معلوم حتى مع بداية عهد الاستقلال، هو الذي يصنع الرؤساء في لبنان بالتفاهم مع القوى السياسية الاساسية، لكن هذا الخارج باستثناء زمن الوصاية السورية، كان يختار رؤساء من الصف الاول ومن ابرز الوجوه في الطائفة المارونية، امثال بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب وكان المنافسون لهم من الوجوه البارزة ايضا امثال اميل اده وحميد فرنجيه وريمون اده وبيار الجميل، فعلى الخارج اذا شاء التدخل في صنع رئيس جديد للبنان، ان يصب هذا التدخل في مصلحة رئيس من الوزن السياسي الثقيل، ومن بين الشخصيات البارزة والقوية ليس بشعبيتها فحسب، بل برجاحة عقلها وحكمتها ورصانتها وخبرتها في شتى المجالات فترتاح لها الفئات اللبنانية على اختلاف اتجاهاتها ومشاربها ومذاهبها. والاجدى ان يكف بعضهم عن الكلام على اكثرية نيابية لا تعكس حقيقة الاكثرية الشعبية، لئلا يصبح في الامكان الطعن بكل اكثرية نيابية تنبثق من الانتخابات ولا تأتي نتائجها لمصلحة بعض الزعماء وطموحاتهم.

ويختم المسؤول السابق بالقول انه اذا لم يتوصل المتحاورون الى اتفاق على مرشح واحد للرئاسة الاولى يخلف الرئيس لحود، وهذه بدعة تتعارض والديموقراطية، وذريعة لتبرير بقاء الرئيس لحود حتى نهاية ولايته، فان في الامكان الاتفاق على لائحة بأسماء مرشحين من الصف الاول وعلى مجلس النواب غربلتهم بالتصويت، فيفوز منهم من ينال الاكثرية المطلوبة. اما ان يظل الاتفاق مسبقا على مرشح واحد شرطا للقبول بتنحية لحود او فرض رئيس "كيفما كان" فيعني ابقاء لبنان امام شرط تعجيزي مدبر.