أمضى اللبنانيون يوماً كاملاً منذ اسبوع تتنازعهم اخبار لقاء غير مقصود بين رئيس الجمهورية العربية السورية الشقيقة، ورئيس الوزراء اللبناني، الذي اعتبر مصافحة عابرة على مدخل قاعة اجتماع الملوك والرؤساء العرب، لقاء يستوجب بيانا، ما استتبع بيانا آخر يعيد الامر الى نصابه في الحجم والقصد..
وهنا لا بد لنا ان نقول بأن الطبيعي هو ان يلتقي الاشقاء، ويكون المستهجن المستغرب انقطاع اللقاء.. لكن للقاء اصول وقواعد كما للفراق آليته ايضاً، ولا يمكن لعاقل ان يتبع في سلوكه آلية خلافية، وهو في معرض التحضير للقاء...
ومن غير ان نرى موجبا للتذكير «بقصائد المديح» التي كالها فريق من اللبنانيين ضد سوريا، واتهامها من غير دليل بارتكاب جريمة نكراء كان المستهدف الحقيقي فيها لبنان وسوريا والمقاومة التي يعتبرها العرب مجمعين التعبير الصادق عن الارادة الشعبية لمقارعة الاحتلال... من غير التذكير بهذا وبسواه من الصفحات السود التي الحقت بملف العلاقات السورية اللبنانية خلال سنة ونيف من الزمن يستوقفنا هنا ما يتعمده بعض مَن كان على طاولة الحوار من مواقف على تقاطع مباشر مع هذه الزيارة.
فبعد ان كلف المتحاورون وبإجماعهم، الرئيس فؤاد السنيورة بالعمل على ما يثبت دولياً ان مزارع شبعا لبنانية، وان يطلب المساعدة من سوريا في هذا الصدد.. (ونحن وإن كان لنا موقف من هذا الموضوع لا يتقاطع مع هذا التكليف من حيث الغرض لاننا لا نرى حاجة للبحث فيه فالأمر حسم منذ سنة 2000 وتعلم الامم المتحدة ذلك، ولا يغير قناعتنا قول بعض المقتحمين لشأن لا يفقهوه، او المنكرين لحق وطني استجابة لاملاء خارجي) فاننا نستهجن كيف يستمر من يطلب المساعدة بمهاجمته الشخص الذي اليه يلجأ، ثم لا يوفر فرصة لاستفزازه واستعدائه، ما يطرح الاسئلة: هل الطلب غير جدي؟! ام ان التكليف ملغوم؟، او ان المطلوب افشال المهمة.. ومن غير شك فان لاي اجابة تعتمد دلالات سلبية ليست في مصلحة الفريق الذي يطلب الشيء ويعمل ضده... ثم نذكرهم أليس من يتهمونه بأنه بقايا النظام السوري اقدر على المهمة في دمشق وهو ما زال رئيساً للجمهورية يعطيه الدستور حق التفاوض باسم لبنان.
واذا كان تحرير مزارع شبعا اليوم مسؤولية وطنية كما يطنب البعض في الادعاء، وان هذا البعض يخشى عظائم الامور الكونية اذا بادر للعمل على التحرير قبل اثبات اللبنانية هذه، فاننا نلفته الى ان هناك خريطة موقعة من لبنان وسوريا في ما خص المزارع تحديدا ومنذ العام 1946، وان التفاهم هذا حول المزارع اشار اليه الامين العام للامم المتحدة في تقريره الى مجلس الامن، ووافقت سوريا مجددا عليه وهو بحكم القواعد العامة للقانون الدولي العام ملزم للطرفين (لبنان وسوريا) ولها ايضا... اما التأخير في اخلاء الارض فانه ليس لعدم معرفة الامم المتحدة لمن الارض، خاصة وانه لا نزاع حولها، بل سببه الرغبة في ادخال لبنان في دائرة التفاوض مع اسرائيل بحسب القرار 242... تفاوضاً لم يفتح القرار 425 بابه، وعطل على اسرائيل فرصة الكسب على الطاولة ما عجزت عن اخذه في الميدان.
وهنا نريح المتعبين بالتزاماتهم غير القابلة للتنفيذ، ونقول لهم ان الديبلوماسية الدولية لن تعطي حقا لاحد ان كان هذا الامر سينتزع من اسرائيل، وان اهتمام الغرب بلبنان ليس لتحرير ارضه، بل لاراحة اسرائيل من سلاح المقاومة التي تتخذ اليوم هدفا مباشراً تحرير مزارع شبعا كما حررت معظم الجنوب، لكن مهمتها لن تنتهي بالتحرير، (الارض والاسرى) فهناك اهم واخطر من كل ذلك: حماية لبنان التي لم تؤمنها اتفاقية الهدنة التي الغتها اسرائيل من غير حق، ونحن متمسكون بها، ولا يتمكن الجيش بتسليحه الحالي من احكامها، ونحن على ثقة تامة بمقدرته على ذلك لو توفر له السلاح المواجه للسلاح الاسرائيلي، انها حماية توفرها منظومة دفاعية متكاملة من جيش ومقاومة يحتضنهما شعب مقتنع، وسلطة ترى مصلحة لبنان اولاً.. لكن ليس لبنان اولاً على الطريقة الاميركية التي يرددها بعض ممن لا يفقهون القصد الاميركي المتمثل حقيقة بنزع سلاح المقاومة من لبنان اولا ثم منه الى مَن تبقى من مقاومين...
اهداف مستحيلة، يعجز المتطوعون عن تنفيذها، وهنا مكمن ما يشعرون من خطر عليهم، ليس لأن هناك احد يهددهم كما نعتقد، لكنهم بحاجة الى هذا التهديد فيخترعونه لاستدرار العطف والاهتمام، بل لانه في المبادئ القانونية مبدأ اساس «ان استحالة التنفيذ يسقط التكليف»، واذا رأى المكلف ان من اوكل اليه الامر عاجز عن تنفيذ طلبه فانه سيتخلى عنه، وهنا تكون الخسارة التي فيها يقول الخاسرون: لا بالشام عيدنا، ولا بواشنطن لحقنا العيد..
اما المقاومون الذين أفشلوا المشروع فانني اظنهم يقولون للخاسرين المحبطين الخائفين عودوا الى الصف الذي غادرتموه، فانه احرص عليكم رغم كل ما فعلتموه من اجنبي وعدتموه واخلفتم، لا ليقظة ضمير بل لعجز في الامكانات.. وكان العجز في مصلحتكم ومصلحة الوطن...