بير رستم

"الجزيرة السورية لم تكن يوماً أرضاً كردية" هكذا يعنون الأستاذ كميل سهدو مقاله المنشور –أو الذي ينشره الأخ السوري أورنامو- في نشرة كلنا شركاء عدد 27 شباط 2006 ولنبدأ من العنوان أولاً وهو الذي يدعو إلى الحقيقة والمحبة فنقول له: إنك بدأت بداية سيئة ومناقضة تماماً لما تدعو له يا أخ أورنامو؛ "لا نبغي تشويه سمعة أي طرف بل نشر الحقيقة كما هي خدمة لوطننا السوري من خلال سحب البساط من تحت اقدام المتطرفين لكي تسود ثقافة المحبة ما بين السوريين في الجزيرة ونقصد بالسوريين عموم الفئات (العربية – السريانية – الكردية – الارمنية - اليزيدية)".

أولاً: إنك تنكر حقيقة وواقع ديموغرافي لمنطقة الجزيرة؛ بأن الأغلبية الساحقة فيها ومن سري كانية "رأس العين" إلى ديريك هم كورد ولا يمكن القفز على هذه الحقيقة وإنكارها إلا للذي فقد بصيرته نتيجة غل قومي عنصري وهذه منافية لما تدعو إليه.

وثانياً: إنك لا تفرق بين الانتماء الأثني العرقي وانتماء الشخص إلى دين ومذهب؛ حيث إنك أدخلت الأيزيديون وهم جماعة دينية كوردية حصراً واعتبرتهم بمثابة أثنية عرقية مختلفة وهذه إما ناتجة عن جهل بهم وهذه تنفي عنك صفة الباحث وإما إنه ناتج وكما أسلفنا عن حقد شوفيني وهذه الأخرى تنفي الموضوعية عن دراستك.

وثالثاً: تبث روح العداء بين مكونات المنطقة وذلك عندما تدعي حقائق مزيفة وكمثال على ذلك عندما تكتب؛ "تنشر في عموم المواقع الانترنييتية والصحافة العربية معلومات مغلوطة عن تاريخ الجزيرة السورية، تمهيدا لفصل هذه المنطقة عن بلدنا سوريا وبالتالي فرض اللغة والثقافة الكردية على عموم السكان في شمال شرق وطننا كما حدث في شمال العراق". فليس صحيحاً أن حكومة إقليم كوردستان قد فرضت اللغة الكوردية على عموم السكان في الإقليم وأي مراقب موضوعي عندما يقوم بزيارة الإقليم سوف يكتشف بأن كل المكونات العرقية تمارس حقوقها الثقافية؛ من التدريس باللغات القومية إلى نشر الصحف والمجلات وقنوات تلفزيونية.. والخ. وتأسيساً على هذه الفكرة المغلوطة والقائمة على إلغاء مفهومي العرق والجغرافية الكوردستانية فإنك لا تكتب كوردستان كدالة جيوسياسية وإنما تقول شمال العراق وهذه أيضاً تبين لنا مدى أفقك وأفق ثقافة المحبة والتي تدعو إليها وبالتالي وتأسياً على هذه العقلية الإلغائية فإنك تتهم الكورد بأنهم يمهدون "لفصل هذه المنطقة عن بلدنا سوريا وبالتالي فرض اللغة والثقافة الكردية على عموم السكان في شمال شرق وطننا". وهذه العقلية لا تختلف بشيء عن العقلية التي تسود في محكمة أمن الدولة والتي بموجبها يحاكم الكورد على أساس إنهم يحاولون "اقتطاع جزء من سورية وإلحاقها بدولة أجنبية" دون أن يسموا تلك الدولة وذلك في زمن التكتلات الاقتصادية-الاجتماعية الكبرى.

والآن نأتي إلى المقال نفسه ولنقرأ ماذا يكتب الأستاذ كميل سهدو؛ "لو كان للأكراد تواجد في الجزيرة فلماذا لم يتركوا لنا أي اثر يجعلنا نغيير نحن وكل الأثريين والباحثين قناعتنا التاريخية...
الحكومة السورية لم تأخذ الأرض من الأكراد لتعطيها إلى العرب الغمر وإنما وزعت عليهم أراض من أملاك الدولة، التي تكونت بعد قانون الإصلاح الزراعي
كان السكان الأكراد الأكثر استفادة من قانون الإصلاح الزراعي حيث وزعت عليهم الدولة أراضي زراعية في مئات القرى التي كانت تعود ملكيتها أصلا إلى ملاكين عرب وسريان". هناك حشو وانتقال سريع بين المواضيع كما إنه يحاول أن يجهز وبأسرع ما يمكن على الضحية كأي "جزار" -مع الاعتذار لاستخدامنا هذه المفردة- وذلك بإطلاقه رصاصات رحمة عدة وليس رصاصة رحمة كما هي معروفة في مثل هذه المواقف وسوف نقف عند رصاصاته الخلبية واحدة فواحدة.

إن الادعاء بأن الكورد لم يتركوا أي أثر في الجزيرة هو باطل بالأساس وتدحضه الواقع السكاني للجزيرة؛ حيث الأغلبية السكانية لمنطقة الجزيرة هم كورد -كما أسلفنا- وهذه أقوى وأكثر من تمسكه بالشواهد الأثرية مع العلم إن للكورد وكما لغيرها من شعوب المنطقة؛ الحضارات السريانية، الآرامية والأشورية وأيضاً الحضارة العربية-الإسلامية وكما لغيرهم شواهد وآثار في المنطقة وذلك حسب المراحل الزمنية وهيمنة هذه الشعوب والحضارات على منطقة الجزيرة –موضوع البحث- فأي باحث موضوعي لا يستطيع أن ينفي الحقائق وإننا نحيله في هذا الموضوع إلى الأبحاث والدراسات المتعلقة بالجزيرة ومنها أبحاث الدكتور فاروق إسماعيل.

ثاني هذه القضايا إنك تدعي بأن؛ "الحكومة السورية لم تأخذ الأرض من الأكراد لتعطيها إلى العرب الغمر وإنما وزعت عليهم أراض من أملاك الدولة، التي تكونت بعد قانون الإصلاح الزراعي". إننا من لسانك ندينك؛ من أين أتت أملاك الدولة هذه أساساً فهل كانت الجزيرة أرض بور من غير سكان أم الحكومة السورية إستملكها بعد أن طرد الفلاح الكوردي منها وكل قاصي وداني يعرف هذه الحقائق بل ما زال هناك الأشخاص والوثائق والتي تثبت ملكيت أولئك الفلاحين الكورد لتلك الأراضي، هذه من ناحية ومن الناحية الأخرى، أنت قلت وبفصاحة لسانك بأن العرب الموجودون في الجزيرة هم "عرب الغمر" أي إنهم أوتوا من أماكن الغمر وتم تسكينهم في الجزيرة ومن ثم وزعت عليهم أملاك الدولة وبالتالي فهم ليسوا من سكان الجزيرة الأصليين ونعتقد بأن هذه لا تحتاج إلى تعليق.

وفي آخر فقرة تناقض نفسك وتقول: "كان السكان الأكراد الأكثر استفادة من قانون الإصلاح الزراعي حيث وزعت عليهم الدولة أراضي زراعية في مئات القرى التي كانت تعود ملكيتها أصلا إلى ملاكين عرب وسريان". كيف يستقيم هذا والعرب هم عرب الغمر جيء بهم من مناطق أخرى ومن الناحية العملية الواقع المعاش تنفي ادعائك بأن الكورد هم أكثر المستفيدين حيث ألاف الهكتارات نزعت منهم وما الأحداث الدموية والتي عاشتها بعض القرى القريبة من ديريك قبل سنوات إلا شواهد إضافية إلى ما يسمى بالحزام الأخضر (الأمني).

وسوف نترك الجانب التاريخي للباحثين والمختصين فهم أقدر على البحث والرد ولكن لنا بعض الأسئلة والملاحظات وسوف نبديها لكم وللأخوة القراء والمهتمين بالشأن السياسي السوري. إنه يذكر في مقاله المشار إليه؛ "لم يذكر التاريخ البعيد ولا القريب ولا حتى المتوسط أي كلمة تشير إلى كردستان كدولة أو وطن له كيان مستقل، حتى المكتبة الألفية الإسلامية (للإخباريين المسلمين) لا توجد فيها أية كلمة تشير إلى هذا المصطلح وان كان قد وردت في بعض الكتب إشارات مقتضبة إلى الكرد على أنهم أعراب الفرس أي ما معناه بأنهم لم يكونوا يوما سكان أصليين في هذه المنطقة التي لم يكن لهم فيها عبر التاريخ أية مملكة أو دولة، وحتى الإمارات التي يتغنون بها (كانت عبارة عن أقطاعات) لا يعود تاريخها إلى أكثر من مئتي عام ولم تعمر طويلا لأنها أصلا تكونت نتيجة ظروف استثنائية احتلالية بمباركة من العثمانيين المتوحشين الذين جلبوهم من أواسط أسيا (كأنكشاريين) واستخدموهم حراسا لمكتسباتهم".

هو يقول بأن التاريخ لم يشر بأي كلمة إلى "كردستان كدولة" وهذه لاتنفي حقيقة وجود الجغرافية الكوردستانية كأرض وشعب مسلوب الإرادة من قبل إمبراطوريات كبرى كالفارسية والعثمانية ومن قبلهما العربية الإسلامية. فالكورد مثلهم مثل غيرهم كالعرب كانوا بدو ورحل ولكن داخل هذه الجغرافية وما تسميتهم بـ"أعراب الفرس" إلا تأكيداً على ذلك. أما بخصوص مقولتك بأن الكورد "جلبوا من قبل العثمانيين المتوحشين" فهي عارية عن الصحة تماماً؛ حيث الكورد كشعوب هندو-أوربية وتواجدهم في المنطقة تسبق الوجود العثماني بكثير، فأنت الذي قلت قبل قليل بأنهم يسمون بـ"أعرباب الفرس" وليس أعراب الترك أو العثمانيين، وصحيح أنه في التاريخ الحديث لم تقم أي دولة كوردية بل كانت هناك بعض الإمارات الكوردية في زمن العثمانيين فهذا لا ينفي حق هذا الشعب في العيش الكريم على أرضه وأما بخصوص دعم تلك الإمارات من قبل العثمانيين فإنك تجني على التاريخ ونحيلك إلى تلك الفترة والصراعات الدموية والتي نشبت بين تلك الإمارات الكوردية من جهة والخلافة العثمانية من جهة، حيث ما زال الصراع مستمراً إلى يوماً هذا.

أما بخصوص المسألة التاريخية والآثار فلا يمكن ومن خلال مقال أن نثبت بأن الكورد ينتمون إلى الحثيين والحوريين والسوبارتيين ولا أن ننفي ذلك فهذا شأن علماء الآثار والباحثين في تاريخ المنطقة ولكن مع ذلك فالكثير الكثير من الدراسات تشير على أن الكورد هم أحفاد أولئك ولا ندري كيف أستنتجت أنهم ليسوا بأحفاد لهم وما هي القرائن الي أعتمدت عليها لتثبت أن تلك الشعوب انقرضت من التاريخ كما انقرض الديناصور والماموت، دون أن تترك شعوب وقبائل تورث تاريخها وثفافتها ولغتها وبحيث دون أن ينسى الزمن وتلاقح الثقافات أن تترك آثارها على خصوصياتها الثقافية واللغوية ويتم تحويرها وتطويرها.

وكمثال على تطور اللغات وأحياناً الوصول إلى نوع من القطيعة بين الجذر والفرع وكنوع من الرد على قولك؛ "لا نعلم الحجة التي جعلت الكرد ينسبوا فيها أنفسهم إلى هذه الأقوام مع العلم بان اللغة المتروكة على الألواح الفخارية لا تمت بشكل أو بأخر إلى اللغة الكردية (اللغة الكردية مجموعة لهجات السوراني لا يفهم على الباديني أو الكرمانجي) التي لم يكن لها يوما حرفا تكتب به، ففي شمال العراق يكتبون بالحرف العربي وفي تركيا يكتبون بالحرف اللاتيني". فإننا نحيلك إلى كتاب العلامة طه حسين؛ "في الأدب الجاهلي" حيث يقوم بمقارنة نص حضرموتي "ولا ننسى بأن اليمن هم العرب العاربة" مع نص حبشي من جهة ومن الجهة الأخرى مع النص القرآني "وهي لغة العرب في الجاهلية وإلى يومنا هذا" فيجده بأنه أقرب إلى الحبشية منها إلى العربية، فهل نقول بأن الحضارة الحضرموتية هي حضارة حبشية وليست عربية.

ثم أن مسألة اللهجات المحلية ليست خاصية اللغة الكوردية وحدها فكل لغات العالم تقريباً لها هذه الخصوصية وأقربها إلينا جغرافياً هي اللغة العربية والكل يعلم بأن السوري لا يفهم على المغربي إلا من خلال لغة الكتابة وليس من خلال اللهجة المحلية وهذا شأن الكورد فصحيح إن أبن السوران لن يفهم تماماً على أبن عفرين ولكن هذه على مستوى الفئات والشرائح الشعبية والمواطن المحروم من ممارسة ثقافته، أما على مستوى المتعلمين والمهتمين بالثقافة واللغة الكوردية، فإنني أبشرك بأننا نفهم على بعضنا البعض كالأخوة العرب وأنا أحد الذين يكتبون باللغة الكوردية وبالحروف اللاتينية وكوني سوري أقرأ الحرف العربي-الآرامي فإنني أتواصل مع كتاب منطقة سوران قراءة ودلالة؛ أي أنه هناك لغة وثقافة واحدة تجمعنا نحن الكورد. كل هذا وعلى الرغم إننا حرمنا من أشياء كثيرة وعلى عكس الشعوب العربية والتي لم تحرم من التقنية في مسائل التواصل وأيضاً عدم حرمانهم من التواصل والتلاقي وممارسة حقوقهم الثقافية كما هو ممارس وعبر عقود من التاريخ على الكورد.

أما ما يتعلق بمسائل الكتابة واستخدام الحروف العربية أو اللاتينية، فإننا نستغرب هذا التلاقي بين عقلية "باحث" مثلك وعقلية رجل أمن؛ حيث في آخر مرة تم استدعائنا من قبل إحدى الجهات الأمنية، وجه إلينا من بين عدة أسئلة نفس السؤال الذي تثيره ولا نعلم من منكم تأثر بثقافة الآخر. أستاذي العزيز، إما عن جهل أو تجاهل، تريد أن تطمس الحقائق؛ إن أقل الناس اهتماماً بتاريخ المنطقة وشعوبها، يدرك بأنها عرفت مجموعة حضارات وثقافات، بل هي التي اكتشفت الأبجدية الأولى ومن ثم حورتها وطورتها وتلاقحت مع غيرها. فالكورد مثلهم مثل غيرهم من شعوب المنطقة تعرضوا إلى كل تلك الموجات الحضارية ومثلهم مثل غيرهم من الشعوب الحية والتي لم تنقرض كغيرها من الشعوب والحضارات والتي كانت في يوم ما عريقة، وعلى الرغم من كل هذه الأحقاب الطويلة من الحرمان والعسف والدكتاتوريات التي عرفتها، فإنها استخدمت حروف عدة؛ إن كان جبراً أو طوعاً، لتورث ثقافة الأجداد للأحفاد وما يعرف اليوم بالحرف العربي والذي تستخدمه مجموعة الشعوب الإسلامية، إلا حروف آرامية حورت وتم تنقيطها في مراحل لاحقة وهذا يؤكد بأنه ليس فقط الكورد استخدموا أو يستخدمون حروف عدة، هذه من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الجمهورية الإسلامية في إيران ما زالت تمارس الحروف العربية-الآرامية فهل يعني هذا بأنه لم يقم للفرس حضارة، كما أن الأتراك استخدموا وعلى طول الخلافة العثمانية هذه الأبجدية الآرامية-العربية وبقرار من كمال أتاتتورك تم استبدالها بالحرف اللاتيني.

وأما بخصوص التواجد الحديث للكورد في المنطقة وبأنهم أتوا مع العثمانيين فقد أجبنا عليه في فقرة سابقة وأيضاً ما يتعلق بمسألة التواجد العربي في المنطقة. أما ما يتعلق بخصوص الأخوة السريان والأشوريين فإننا نقر معه بأنهم من أبناء المنطقة بل كانت لهم حضارات وإمبرطوريات قديمة في منطقتنا وقد تعرضوا في مراحل تاريخية للغزو والقتل والدمار ككل شعوب المنطقة وربما في الفترة العثمانية عانوا الأمرين وذلك لاضطهادهم عرقياً ودينياً على عكس الكورد والعرب الذين عانوا من الناحية العرقية فقط، فلا يعني هذا أن ننكر على الآخرين حق الحياة والعيش الكريم.

إن الأستاذ كميل سهدو وبعد أن يسهب في تعريف القارئ بتاريخ مدن الجزيرة على إنها مدن سريانية ودون أن ينسى درجة القرابة مع الشعب العربي على أنهم أبناء عمومة –ونعتقد هنا لو كان للكورد اثنا وعشرون دولة ولهم هذا القوى والجيوش وأجهزة الاستخبارات مثل ما تملكها الدول العربية لكنا على الأقل أبناء خالته- المهم فالرجل وبعد ذاك الإسهاب في مسائل توافد الكورد على حد زعمه واحتلاهم لهذه المدن، وهذه الاحتلالية أشعرتني بنوع من الاعتزاز والفخر كأي شرقي مفعم بالرجولة والطغيان؛ فها نحن أيضاً أصبحنا "أسياد" وطغاة وبالتالي قللت إلى حد ما ذاك الشعور بالعجز والدونية وسيكولوجية الإنسان المقهور والذي يشعرك أنك قد تعرضت إلى استبداد تاريخي فمسخت شخصيتك، وهذا هي حقيقة الكورد في هذه المرحلة وبكل أسف.

نعم إنه بعد ذاك السرد يقوم بطرح السؤال الآتي؛ "يتواجد الآن في ألمانيا حوالي ثلاث مائة ألف كردي و سوف يصل عددهم بعد خمسين عام إلى ثلاثة ملايين، فهل سيقلق هؤلاء الدولة الألمانية ويطرحون مصطلحهم القادم (كردستان ألمانيا)". ربما ولما لا؛ فهل كانت أمريكا منذ خمسة آلاف سنة هي موطن الشعوب الأوربية وهل كانت كل ما تعرف اليوم بمجموعة الدول العربية أو الوطن العربي هي موطن العرب ومنذ الإنسان النياندرتالي، فالجواب لا بالتأكيد. فليكن وعلى حد زعمك بأن الكورد قدموا إلى المنطقة ومنذ عهود قريبة، ولم تقل لنا من أين أتوا هؤلاء الكورد، أمن هذا الكوكب أم من مجرة أخرى، فهذا لا يعني بأن هذه الأرض التي يعيشون عليها ليست بكوردستان وهي التي تعني في اللغات الهندو-أوربية بأنها أرض ذاك الشعب، مثلها مثل أفغانستان وباكستان وهندوستان.. والخ. أم تريد أن ترمي بنا أنت الآخر في البحر وتنهي المسألة ووجع الرأس من هؤلاء الغوغائيين الهمج؛ فأي ثقافة هذه وأي محبة هذه التي تدعو إليه.

وما يتعلق بمسألة إننا كلنا سوريين فلا تزاود على الكورد وعلى غيرهم، بل أنت تنفي عن الكورد سورييتهم عندما تقول بأنهم من خارج الحدود وما مسألة اللف والدوران حول مسائل الإصلاح الزراعي إلا نوع من الفذلكة الخطابية من قبلكم فلنعد إلى الوثائق والقرائن التي تثبت ملكية من، لكل تلك الأراضي التي تم الاستيلاء عليه من قبل الدولة وتم توزيعه على العرب الغمر دون الكورد وما مشروع الحزام العربي وفي الجانبين السوري والعراقي إلا شكل من أشكال الفصل العنصري وفصل من فصول العقلية العروبية والهلالية –نسبة إلى محمد طلب هلال ومشرعه السيئ الصيت، وليس إلى الهلال كأحد مراحل القمر فشتان بين الاثنين- ولا نريد أن نسرد التاريخ وبطولات الكورد في الدفاع عن الوطن، هذه من جهة ومن جهة أخرى فإن مصالح شعوب المنطقة برمتها تدعونا لأن نبقي على أوطاننا موحدين بل ندعو إلى اتحادات أكبر في هذه المنطقة على غرار الاتحاد الأوربي مثلاً، دون أن يعني ذاك إلغاء للخصوصية الثقافية أو الجغرافية.

حتى الرياضة لم تكفها عن لسانك وبلاك؛ "فأتقي ربك يا رجل" لقد وصل حقدك الأعمى إلى أن تفقد بصيرتك. فبالله عليك كيف يستقيم الأمر وتقول: "ولان أبناء مدينة القامشلي لم تكن لديهم أية نظرة عنصرية لهذا قامت إدارة النادي في ضم أي موهوب مهما كان عرقه (على مبدأ لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا في التقوى) إلى أن بدأ العنصر الكردي يتغلغل رويدا رويدا في صفوف الجهاد (ربما بشكل منظم) ما كان له الدور في الأعوام الثلاثة الأخيرة في جعل الأقلية أكثرية والأكثرية أقلية (طبعا على مستوى اللاعبين) فيما بقي الجهازين الفني والإداري مكون من تشكيلة تمثل كافة شرائح المجتمع". وفي المقدمة –مقدمة هذه الفقرة كنت قد ذكرت بأنه في الستينات من القرن الماضي كان هناك أربعة أندية في الجزيرة ولم يكن من بينهم لاعب كوردي واحد- والآن وبعد أربعة عقود يصبح الأقلية أكثرية والأكثرية أقلية (طبعا على مستوى اللاعبين) ونلاحظ هنا إنه لا ينسى أن ينوه؛ بأن هذا التغيير ليس على المستوى السكاني على عموم جغرافية الجزيرة وإنما فقط على مستوى اللاعبين.

إننا نسأله من جانبنا؛ هل قامت دولة كوردية في الجزيرة ودون علم منا وقامت بتغيير ذاك التواجد الكوردي في الأندية الرياضية في الجزيرة بحيث لم تكن تضم لاعباً كوردياً واحداً في فترة الستينات بحيث أصبح اليوم غالبيتهم من الكورد، أم أن الكورد وبين ليلة وضحاها أصبحوا مهتمين بالرياضة وأصبحت كرة القدم همهم الوحيد وتركوا كل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ليلحقوا هذه الكرة الدائرية. أم أن القرارات الشوفينية والعقلية العنصرية والتي كانت سائدة في فترة الستينات وإلى ما بعدها هي التي كانت تمنع أبناء الكورد ودون غيرهم من مكونات الشعب السوري أن يندمجوا في الحياة السورية عامة ومنها الرياضية وبالتالي لم نكن نجد الأسماء الكوردية بين اللاعبين السوريين، إن كان في الجزيرة أو غيرها، وهذا ما لا تريد أن تعرفه أو يذكرك به أحد وهذه الأخرى وبكل جلاء تكشف لنا مدى وأفاق ثقافة المحبة والتي دعوت إليها.

وأخيراً نقول لك ولغيرك من غلاة الفكر العنصري الإلغائي في منطقتنا؛ بأنه "ليس هكذا يورد الإبل"؛ فمن أراد أن تكون هناك ثقافة محبة بين الشعوب وأنت الذي تنتمي إليها مادياً دون المعنى والسلوك، ومن أراد أن يقتدي بالسيد المسيح من جهة ومن جهة أخرى من أراد أن تكون سورية بلد كل السوريين لا يعني أن يقوم الواحد منا -أفراد وجماعات، أعراق وأديان، مذاهب وطوائف، أحزاب وكتل سياسية- بإلغاء ونسف الآخر وتشويه تاريخه، بل يجب أن يكون خطابه مفعم حقيقة بالمحبة وقبول الآخر المختلف والمتمايز عنا ومن خلال قراءتنا لمقالك فإنك تفتقد إلى هذه المزايا والأخلاقيات وبالتالي تنفي ما تدعو إليه ولن نعلق أكثر من ذلك فالقارئ الحصيف سوف يكتشف المعنى.