هل بدأ العماد ميشال عون هجومه المضاد باتجاه قصر بعبدا محاولا الاستفادة من المأزق الذي اصطدم به الحوار حول مسألة رئاسة الجمهورية، وقناعة الكثيرين بأن العودة الى الطاولة في 28 نيسان المقبل سوف لن تخرج بنتيجة ايجابية، رغم تذكير رئيس المجلس نبيه بري وتأكيده المتكرر، من تركيا الموجود فيها منذ أيام، ان بند الرئاسة مطروح على جدول الأعمال؟ وما الذي دفع عون الى اطلاق كلام <<نوعي>> جديد ومفاجئ من قطر؟

فور وصوله للمشاركة في احد المؤتمرات، أعلن عون استعداده لزيارة دمشق <<من أجل التخفيف من حدة التوتر بين البلدين>>. وطالب في حديث آخر بجلوس رئيس الجمهورية اميل لحود الى طاولة الحوار في حال بقائه حتى نهاية ولايته الممددة قصرا، مطالبا الأكثرية بالاعتذار منه و<<قبوله كرئيس حتى يدير الحوار>>. كما جدد تأكيده انه <<المرشح الأقوى>> للرئاسة، رافضا اجراء انتخابات رئاسية مبكرة قبل انتخابات نيابية مبكرة...

ويتوقف المراقبون عند ما قاله رئيس <<التيار الوطني الحر>> قبل ايام الى صحيفة <<السفير>> من أنه لن يسمح لنفسه بالذهاب الى سوريا <<قبل ان تنكسر الحالة الخلافية، وهناك حكومة تمثلنا وأنا لا أريد ان أدوبل على أحد وكلكم تعرفون سلوكي، وتلاحظون هذا السلوك تجاه رئيس الجمهورية. هناك حالة خلافية معه، وأنا لا أتعاون معه ضد الآخرين، ولا مع الآخرين ضده...>>.
وبغض النظر عن تكراره لمقولة انه <<المرشح الأقوى>> للرئاسة، فإن الجديد في كلام عون هو اعلان استعداده لزيارة العاصمة السورية في ظل استمرار <<الحالة الخلافية>> التي تكلم عنها، في وقت ينتظر رئيس الحكومة <<التي تمثلنا>> والتي لا <<يريد ان يدوبل عليها>>، تحديد موعد من السلطات السورية لزيارة دمشق. فما سبب هذا التبدل السريع في مواقفه؟
يرى مصدر لبناني مخضرم ان كل ما تم التوصل اليه من تفاهمات على طاولة الحوار، على أهميته، يبقى حبرا على ورق اذا لم يلق تجاوبا من قبل النظام السوري. والبنود الخمسة التي تم التوافق بالإجماع حولها هي بنود لبنانية واضحة ومحددة، من ترسيم (أو <<تحديد>>) الحدود الى تبادل السفارات، ومن تحديد هوية مزارع شبعا الى مسألة السلاح الفلسطيني ورئاسة الجمهورية. لكن تنفيذها بات في أيدي السوريين وليس في أيدي اللبنانيين.

ويشبه ما نحن عليه اليوم الى حد بعيد بما كنا عليه عشية <<اتفاق الطائف>>. فعشية انعقاد المؤتمر في الطائف كان اللبنانيون توصلوا الى اتفاق بينهم في شأن المشاركة، وكان على سوريا ان تقوم بضمان مسألة السيادة. ولم يكتمل الاتفاق يومها إلا بانتزاع <<اللجنة الثلاثية العربية>> إقرارا سوريا بإعادة السيادة على الأراضي اللبنانية للدولة اللبنانية.

وانطلاقا من هذا الواقع، فإن ما يصدر عن النظام السوري من مواقف واشارات، برأي المصدر، لا يبدو في وارد التجاوب مع ما توافق عليه اللبنانيون. ان لدمشق حساباتها وقراءتها للحظة الراهنة التي تتيح لها هامشا واسعا للمناورة ومحاولة كسب الوقت، انطلاقا أولا من وصول الحوار الداخلي الى مأزق في ما يتعلق برئاسة الجمهورية <<القابضة على مفتاحها>>.

وتستند دمشق، ثانيا، الى التطورات الاقليمية والمأزق الذي تواجهه الولايات المتحدة في العراق الذاهب الى خطر الحرب الأهلية، مقابل تعاظم دور ايران في العراق وفي المنطقة، يوازيه توجس سعودي ومصري من هذا الدور (كلام مبارك عن <<الهلال الشيعي>> وتأثر معظم الشيعة بإيران) يصل الى حد الحذر والارباك، وبالتالي تخفيف الضغوط التي مورست في السابق على سوريا.
وهكذا، فإن مأزق <<قوى 14 آذار>> يتجسد في كونها واقعة بين فكي كماشة: بقاء لحود في بعبدا من جهة، والملف الاقتصادي الضاغط من جهة أخرى، والذي بات هو الأخير مرتبطا بالملفات السياسية المعلقة التي تنتظر تجاوباً سورياً. وهذا ما دفع عون برأيه الى الدخول بقوة على الخط طارحا نفسه ك<<بديل قوي>> وحيد للحود، قادر على انتشال البلد من الأزمة عبر لعب دور الوسيط مع دمشق التي بعثت له مؤخرا بأكثر من رسالة ودية.

ويرى المصدر ان الموقف المفاجئ من لحود، الذي يجب برأي عون ان <<يلعب دوره ليس فقط في الحوار بل في كل شيء...>>، والذي يجب على الأكثرية ان تعتذر منه عن <<كل التهم والاهانات والاتهامات>>، يدخل في سياق مد الجسور نحو دمشق...
وعن نظرية <<الرئيس القوي>>، عبر الايحاء ان مشكلة التغيير الرئاسي مرتبطة بالأشخاص <<الأكثر شعبية>>، يشدد على أننا لسنا في نظام رئاسي ولا ينقصنا <<قائد مسيرة>>، ونحن في نظام ديموقراطي برلماني. والرئيس، بحسب <<الطائف>>، ليس صاحب برنامج لأن السلطة منوطة في مجلس الوزراء.

أما لماذا اختار قطر منبرا ل<<انعطافته>> الجديدة، فيعزو المصدر الى ان العماد اراد ايصال الرسالة الى العرب و<<دغدغة>> عواطفهم، وتحديدا السعوديين والمصريين، الذين ينصحون اللبنانيين بالانفتاح على النظام السوري وتدبير أمرهم ب<<التي هي أحسن>>، بانتظار ما سيؤول اليه التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، على خلفية <<العتب الشديد>> الذي وجهته القيادة السعودية لمسؤولين وقياديين لبنانيين نتيجة رفضهم ما سمي في حينه <<المبادرة السعودية>>.

ولكن رئيس <<اللقاء الديموقراطي>> النائب وليد جنبلاط لا يعلق اي آمال على النظام السوري في تلبية المطالب التي توافق عليها اللبنانيون على طاولة الحوار، خصوصا انه يرى ان هناك أطرافا لبنانية ما زالت تربط مواقفها بمواقف دمشق كما تأكد له في آخر جلسة حوار.
ويتحاشى جنبلاط أي كلام نقدي تجاه عون، الذي قطعت العلاقات الثنائية بينهما أشواطا. وهو يصر على ان يكون البديل عن لحود من صفوف <<قوى 14 آذار>>، ويعتبر العماد من ضمن هذه القوى و<<واحدا>> من مرشحيها للرئاسة. إلا انه يربط موقفه بتجاوب سوريا مع مسألة ترسيم الحدود والتبادل الدبلوماسي وحل مسألة السيادة في مزارع شبعا. وخلاف ذلك، فهو لا يرى جدوى من انتخاب رئيس جديد يبقى أسير هذه الملفات العالقة بين البلدين. وهو لن يوافق بالتالي على اي مخرج لا يأخذ هذه الشروط بعين الاعتبار، رغم إدراكه ان ذلك ممكن ان يؤدي الى بقاء لحود في بعبدا.