قبل 15 يوماً من الجولة السادسة لمؤتمر الحوار الوطني في مجلس النواب، في 28 نيسان، لا يبدو ما يشير الى إمكان توصل الزعماء اللبنانيين المتحاورين الى اتفاق على تغيير في رئاسة الجمهورية.

ودفع هذا الاحتمال وزيراً بارزاً في الغالبية الى توجيه الإنتباه الى مرحلة ما بعد 28 نيسان. ومغزى ذلك بالنسبة اليه أن إخفاق المتحاورين في التفاهم على مرشح يخلف الرئيس إميل لحود لا يعني ان الفريق الآخر، والمقصود به الفريق الشيعي والرئيس ميشال عون، حقق انتصاراً سياسياً كبيراً بطي الملف الرئاسي، لأن الأمر ليس بهذه البساطة. ويدرج الوزير في هذا السياق ملاحظات أبرزها:

أن كلا من رئيس الجمهورية وفريق 14 آذار لم يغيّر موقفه المتصلب من الآخر، وتالياً فإن أي أخطاء تكون قد ارتكبت ينبغي وضعها في سياق "إدارة سيئة" لبعض مراحل المواجهة أدت الى استمرار لحود في السلطة.

إن بقاء لحود في منصبه أشهراً أخرى أو حتى نهاية ولايته الممددة، لا ينفي وجود أزمة دستورية لا يزال يتسبب بها إصراره على الإستمرار في الرئاسة. بل إن موافقة الفريق الآخر على الخوض في بند الرئاسة يشكّل اقراراً صريحاً بوجود أزمة دستورية تتمحور على رئيس الجمهورية، وإن بعض العقبات التي حالت في الأشهر الأخيرة دون إطاحة لحود مردها التجاذب السياسي والدستوري حيال هذا الموضوع، ومغالاة طغت على الحسابات والتقديرات السياسية لفريق الغالبية: لا بكركي تحبّذ إسقاط رئيس الجمهورية في الشارع. ولا الشارع يسهل التعويل عليه في كل الأوقات، بل هو إبن لحظة تاريخية كـ14 شباط 2006 و14 آذار 2005. ولا الثلثان الدستوريان متوفران لدى الغالبية لحسم الإستحقاق الرئاسي، الأمر الذي يحتم التعاون مع عون بثمن مكلف هو انتخابه رئيساً للجمهورية، أو التعاون مع الفريق الشيعي الذي يرفض مرشحاً من صفوف 14 آذار.

لن تقتصر آثار بقاء لحود في السلطة على قوى 14 آذار، وإنما سيتأثر بها الفريق الآخر بدوره، اذ سيكون مسؤولاً هو أيضاً عن شتى مظاهر الجمود السياسي والإقتصادي.

لكن الوزير البارز الذي ينتمي الى مرجعية سياسية مهمة يشير الى الوجه الآخر، الأكثر تعقيداً في رأيه، لإخفاق المتحاورين في الإتفاق على المخرج المناسب لاخراج لحود من السلطة، هو أن أفرقاء رئيسيين في الحوار الوطني سيبادرون في جولة 28 نيسان الى اثارة السؤال الآتي: هل أن طي الملف الرئاسي سيؤدي الى دفن القرارات الأربعة التي كان قد اتخذها بالإجماع مؤتمر الحوار في جولاته الثلاث الأولى؟ ذلك أن التمسك بقرارات الإجماع يقتضي أن يؤول ليس الى مباشرة وضعها موضع التنفيذ فحسب، وإنما أيضاً شق الطريق أمام مناقشة جدية للبند الآخر العالق في جدول أعمال الحوار، وهو سلاح "حزب الله"، وخصوصاً إن كلاً من الأفرقاء الجالسين الى الطاولة المستديرة أعلن سلفاً التزامه الإجماع في القرارات، انطلاقاً من تأكيده أنه قائد طائفته وفريقه السياسي الفاعل في أبسط الأحوال.

وتبعاً للوزير البارز ثمة معطيات لا تبعث مؤشراتها الحالية على الإطمئنان حيال موقف سوريا من قرارات الإجماع اللبناني، ومدى استعدادها للمؤازرة في التطبيق. بل إنها أرسلت ولا تزال أكثر من علامة سلبية على رفضها القرارات تلك.

وهو يبرزها كالآتي:

بعدما أدلى الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة" أحمد جبريل بسلسلة تصريحات إيجابية في أثناء زيارته الأخيرة لبيروت، انقلب لدى عودته الى دمشق على مواقفه هذه بالتزامن مع عراقيل وضعتها منظمات فلسطينية في طريق زيارة تفقدية لوفد وزاري لبناني لمخيم عين الحلوة بغية الإطلاع على حاجاته، بمعزل عن معالجة مشكلة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. وهي إشارة أولى الى معارضة سوريا حواراً مع الفلسطينيين كانت أقرته الحكومة اللبنانية ثم مؤتمر الحوار الوطني من أجل نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. وقد حظي هذا الموقف بإجماع المتحاورين بعد تحفظ طويل أبداه "حزب الله"، لكنه سرعان ما أثار امتعاض دمشق لفصله بين السلاح الفلسطيني وسلاح المقاومة.

وتكمن الإشارة الثانية في أن سوريا تحاول استخدام السلاح الفلسطيني خارج المخيمات في إطار لعبة سياسية تواجه بها ليس فريق الغالبية فحسب، وإنما أيضاً الإجماع اللبناني على سحب فتيل هذا السلاح لئلا يستخدم في النزاع الداخلي.

الأمر نفسه يصح أيضاً على موقف سوريا من تحديد هوية مزارع شبعا تبعاً لقرار الإجماع الذي اتخذه مؤتمر الحوار بتثبيت لبنانيتها. وسيحمل ذلك رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على أن يسلم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في أثناء لقائهما في نيويورك الأسبوع المقبل خرائط ووثائق رسمية لبنانية تتصل بمزارع شبعا لإطلاع المنظمة الدولية على الموقف اللبناني الموثق من هذا الأمر، تمهيداً لزيارته دمشق بتفويض من مؤتمر الحوار. وعلى نحو مماثل للسلاح الفلسطيني، يريد السنيورة من الرئيس بشار الأسد موقفاً سورياً يثبت لبنانية مزارع شبعا. ومآل ذلك اضفاء شرعية على سلاح المقاومة في المنطقة الى حين تحريرها من الإحتلال الإسرائيلي.

بيد أن ذلك ينطوي على أمرين آخرين: أولهما أن رفضاً سورياً لاثبات هوية مزارع شبعا يعكس تدخلاً مباشراً في شأن داخلي هو موضع إجماع سياسي. وثانيهما أن إقراراً سوريا بلبنانية المزارع سيفتح الباب على ضغوط دولية على إسرائيل لحملها على الإنسحاب من لبنان. والواقع بالنسبة الى فريق 14 آذار أنه انتزع تأييد الفريق الشيعي في أحد أكثر الملفات تعقيداً، وهو أن هذا الفريق دخل الى مؤتمر الحوار وفق جدول أعمال قال بترسيم الحدود في الشمال والبقاع مع سوريا، وفي الجنوب مع إسرائيل، الى أن انتهى القرار بوضع سوريا في واجهة ترسيم الحدود في المزارع.

وهي أيضاً حال القرار إقامة علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا، وعدم تدخل أي من البلدين في شؤون الآخر. ولعل الإمتحان نفسه سيواجه تنفيذ هذا القرار. فحتى الآن يقلل السوريون في الظاهر أهمية هذا المطلب لكنهم لا يتجاهلون إمكان استجابته. إلا أن موقفهم الفعلي منه هو أن ما يعنيهم من لبنان حاضراً هو إعادة بناء الثقة من خلال "علاقات مميزة" تمهّد لتمثيل ديبلوماسي بين البلدين.

وقد يكون فحوى ملاحظات الوزير البـــارز أن التزام دمشق تنفيذ قرارات الإجماع الوطني منوط بحلفائها الجالسين الى الطاولة المستديرة، ترجمة لالتزامهم هم تنفيذ هذه القرارات، إلا إذا كانوا يريدون لها أن تكون على صورة الولاية الممددة: حبراً على ورق...