الزيارة التي قام بها رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط للمملكة العربية السعودية كانت "ملوكية" بكل ما للكلمة من معنى. ويصف مشاركون فيها اللقاء مع الملك عبدالله بن عبد العزيز بأنه كان "عائليا" تحدث فيه عن علاقته القديمة بلبنان وزياراته المتكررة له ومعرفته بالجبل وبالزعيم الراحل كمال جنبلاط والمستمرة عبر "ابن الاخ" وليد الذي سمع من الملك كلاما "رائعا" عن "فروسيته وشجاعته" يحرص هؤلاء على عدم الخوض فيه احتراما لامانة المداولات في المجالس الملكية.

ويتحدث المشاركون في اللقاء عن مرحلة جديدة وعن محاولات "دخول سوري" على خط العلاقة مع المملكة العربية السعودية سابقاً وفي لحظة سياسية حساسة تناول فيها وليد جنبلاط ما سمي "المبادرة العربية". ويشيرون الى ان الجانب السوري كان قد وافق على الورقة التي كانت موضع نقاش بين وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل ونظيره السوري (آنذاك) فاروق الشرع والتي ادى التفاهم حولها الى زيارة الاول لدمشق الاحد 8 كانون الثاني الماضي والى زيارة مفاجئة في اليوم نفسه قام بها للرياض الرئيس السوري بشار الاسد. وقد ورد في الورقة بند"ترسيم الحدود" واضاف اليه وزير الخارجية السعودي بخط اليد عبارة "بما فيها مزارع شبعا" للتوفيق بين مختلف وجهات النظر. وقد وافق عليها الجانب السوري قبل ان يعتبر بعد اقل من اسبوع (نهار السبت التالي) ترسيم الحدود "مطلبا اسرائيلياً"، وهي العبارة التي استعملها الرئيس السوري في خطابه امام اتحاد المحامين العرب في دمشق، وهذا ما اعتبرته مصادر "اللقاء الديموقراطي" دخولا سورياً على خط علاقة وليد جنبلاط بالمملكة.

وكانت الزيارة فرصة لتوضيح كل ما قيل عن الورقة التي لم يكن لوليد جنبلاط اي اعتراض عليها باستثناء عبارة شكلت "نقزة" له وتتعلق بلجنة امنية عسكرية مشتركة، الامر الذي اعتبره جنبلاط عودة لنفوذ المخابرات السورية في لبنان، "وكل ما عدا ذلك كنا ملتزمين به، وقد عبرنا عن ذلك من خلال جلسات الحوار" كما يقول احد المشاركين في الزيارة. ويضيف: "كل ما اتفق عليه في الحوار كان واردا في الورقة باستثناء نقطتين: الاولى تتعلق بالمحكمة الدولية انطلاقا من اعتبار المملكة ان المسألة تتصل بقرار دولي يأخذ مجراه الطبيعي، "وقد سجلنا في الحوار خطوة متقدمة في هذا الصدد وتم فصل التحقيق الدولي عن العلاقة مع سوريا مما اعتبره وليد جنبلاط تكرارا "تضحية كبيرة" من سعد الحريري، وقد تقاطع ذلك مع وجهة نظر ارتيستيكالمملكة التي تحرص على علاقة جيدة بين لبنان وسوريا. واما النقطة الثانية وهي "اللجنة المشتركة" فكانت واردة في الورقة ولم ترد في الحوار "لأنه حصل نقاش اوسع واشمل من ضمنه الموضوع الامني وذلك في ملف العلاقات اللبنانية – السورية والتنسيق والتعاون في اطار سيادة البلدين واستقلالهما".

على ان الاتصالات لم تنقطع يوما بين جنبلاط والسعودية بشكل مباشر وغير مباشر وحتى في "عز" الكلام على ازمة وعزلة عربية وما شابه، "كان السفير السعودي عبد العزيز خوجة يزور المختارة وكانت لنا اتصالات يومية معه، وكنا نسعى مع سعد الحريري الى اجماع حول الورقة". وفي تلك المرحلة كان الوزير غازي العريضي ناشطا في مروحة واسعة من الاتصالات انتهت بزيارة لافتة قام بها للسعودية وقابل الملك وعددا من المسؤولين الكبار، وكانت بمثابة تمهيد لزيارة وليد جنبلاط التي يقول العريضي انها "كانت جيدة جداً وتمت في منتهى الصراحة والود والوضوح". ويبدو واضحاً ان ثمة تركيزاً سعودياً في اللقاء مع جنبلاط، على العلاقة اللبنانية – السورية، وبعد هذا اللقاء يتوقع ان تنشط الاتصالات السعودية – السورية، وهذا ما لا تفصح عنه المصادر الجنبلاطية التي تكتفي بأن "الأمر متروك للاخوة في المملكة".

"بين سعد ووليد"...

وحول ما حكي عن تناقضات وتباينات بين رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري ووليد جنبلاط تقول المصادر الجنبلاطية: "هذه رهانات لا مكان لها والعلاقة بين الرجلين كانت ولا تزال وستبقى على افضل حال".

وعن كلام رئيس "كتلة الاصلاح والتغيير" النائب ميشال عون عن مصير الحوار في آخر جلساته في 28 الجاري وتأكيد عودته الى المعارضة تسأل المصادر: "لماذا ننعى الحوار؟ ثم ان عون لا يزال في المعارضة والهجوم على الحكومة جاء ايضاً "من مكان آخر، من الجبهة التي لم تولد بعد، عبر الرئيس عمر كرامي. الهجوم ليس محصوراً بعون".

وترى المصادر ان "الهجوم على الحكومة من المعارضة امر طبيعي ولكن ما هو غير طبيعي الهجوم المركز على الحكومة مباشرة بعد محطتين اساسيتين: الاولى جلسة لمجلس الوزراء خصصت للضمان الاجتماعي وتقرر خلالها فتح الملف المالي للضمان من خلال شركات تدقيق خاصة، والقرار لم تتخذه "الاكثرية" بل مجلس الوزراء مجتمعاً. والمحطة الثانية قرار مجلس الوزراء التدقيق في حسابات الدولة منذ عام 1990 بواسطة مؤسسات دولية وسيصدر مشروع قانون بهذا الشأن تم الاتفاق عليه. علماً ان عون كان من المطالبين بلجنة تحقيق دولية، والتدقيق يفترض ان يؤدي الى التحقيق". وتضيف المصادر نفسها "ان الحكومة لا تطلب شكراً من احد ولكن تقول: انتظروا. القانون سيصل الى مجلس النواب وانتم في المجلس. هل من يخاف التدقيق يقدم على قرارات كهذه؟" وتضيف: "نحن نختلف في السياسة مع "حزب الله" ولكننا التقينا معه في الموقف من الورقة الاقتصادية (الضرائب، الضمان، التعاقد الوظيفي) من قال اننا مختلفون في الشأن الاقتصادي؟ الحكومة لم تنته من ورقتها لانها تناقشها مع كل الناس".

وتلفت الى ان "هذا الموضوع سيعيد خلط كل الاوراق السياسية" مستبعدة ان يكون "حزب الله" في موقع الهجوم على الحكومة انطلاقاً من القرارات الاخيرة "كونه من الموافقين عليها عبر وزائه".وتختم المصادر الجنبلاطية بسلسلة تساؤلات: "هل ان عدم التوافق على ملف رئاسة الجمهورية يسقط ما تم الاتفاق عليه بالاجماع؟ جوابنا: بالتأكيد لا. وإلا لماذا كان الحوار؟ هل نغير موقفنا بين يوم وآخر؟ علينا الافادة من عامل الوقت وتعزيز مناخات ما اتفق عليه، وصدقية الاطراف جميعاً على المحك. ثم ان هل عدم التوافق على موضوع الرئاسة يوقف الحوار حول النقطة الاخيرة وهي مستقبل سلاح المقاومة؟ في رأينا يجب أن يستمر الحوار حول كل المواضيع بما فيها هذا الموضوع".