عشية استئناف جلسات الحوار الوطني الجمعة، ورغم اجماع المشاركين فيه على التزام الحضور، فان ثمة مواقف متناقضة بين من يرى ان جلسة الجمعة ستكون الاخيرة، ومن يرى ان لا مبرر لوقف الحوار، وان عدم التوصل الى تفاهم على مصير الولاية الممددة لرئيس الجمهورية لا يعني عدم مناقشة سائر البنود المدرجة في جدول الاعمال. وما بين الموقفين، ثمة فريق ثالث يحكم سلفا على الحوار وقد سبق له ان "نعاه" منذ البداية.

وفيما يبدو تحالف قوى 14 آذار من دعاة استمرار الحوار، فان فريق تحالف قوى 8 آذار ومعه رئيس "كتلة الاصلاح والتغيير" النائب ميشال عون، يربط على ما يبدو احيانا استمرار الحوار بالتفاهم على رئاسة الجمهورية والمواقف من ترشيح عون، بل بـ"التفاهم" عليه مرشحا. وهذا من شأنه ان يقلب الامور رأسا على عقب، وان يهزّ اطمئنان رئيس الجمهورية الى ان ملف ولايته الممددة قد طوي، اقله في المرحلة الراهنة. وللتذكير فان فريق عون – 8 آذار سبق ان اعلن تكرارا انه يضمن تنحي الرئيس اميل لحود اذا كان عون البديل، و"الا فليعلن كل فريق مرشحه للرئاسة، ليبنى على الشيء مقتضاه".

وفي رأي مشاركين في الحوار من فريق 14 آذار، ان ثمة مواقف سياسية لا تبعث على الاطمئنان عشية استئناف الحوار، ويشيرون الى مواقف الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ولاسيما نفيه ان يكون المتحاورون قد اتفقوا على بند ترسيم الحدود مع سوريا، ويذكّرون بان رئيس مجلس النواب نبيه بري اعلن "بالصوت والصورة" تفاهم المتحاورين على هذا البند مستبدلا بعبارة ترسيم الحدود "تحديد" الحدود، بعدما اعتبرت سوريا مطلب الترسيم "اسرائيليا"... ويضيف هؤلاء ان "ثمة مواقف سورية اعلامية وسياسية توحي بضغط ما لعرقلة الحوار وقد عبرت عنها دمشق مباشرة او عبر "محليين".

ويبدي الوزير احمد فتفت، احد المشاركين في الحوار مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، خشيته من "تغيير في المواقف" مؤكدا ان "الجميع كانوا على طاولة الحوار وطنيين لبنانيين وكلهم دون استثناء انطلقوا من المصلحة الوطنية العليا. ولكن انقلاب المواقف يجعلنا نشعر بالقلق اقله بالنسبة الى ما تم التفاهم عليه، والا لماذا كان الحوار؟".

ويستغرب فتفت التقليل من اهمية الحوار وما تم التوصل اليه حتى الآن، سواء على صعيد المحكمة ذات الطابع الدولي في سياق متابعة التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري او بالنسبة الى تبادل التمثيل الديبلوماسي مع سوريا او السلاح الفلسطيني والتجمعات المسلحة خارج المخيمات الفلسطينية، مبديا تخوفه من محاولات للعودة الى نقطة البداية: "اخشى ان يكون هناك ضغط في هذا الاتجاه من الاخوان السوريين".

حوار "فرعي" في الداخلية

وعشية استئناف جلسات الحوار شهدت وزارة الداخلية امس حوارا فرعيا بين الوزير فتفت وعضوين من "كتلة الاصلاح والتغيير" هما النائبان ادغار معلوف ونبيل نقولا، وان كان على هامش مراجعة محتملة لامور ما تخصهما في وزارة الداخلية. وقد تخلل الحوار عتاب متبادل حول السجالات الاخيرة بين "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر" وما تضمنه من عبارات واتهامات.

وقد ركز معلوف ونقولا على سؤال حول الاسباب الموجبة لاعتبار عون "عدو نفسه" كمرشح رئاسي.

وعما قاله عون عن عزمه اعلان ترشيحه رسميا للرئاسة في جلسة الحوار بعد غد، لفت نقولا انه سبق لعون ان اعلن ترشيحه "ولا مانع في اعلانه الجمعة" متمنيا ان يعلن "الآخرون اسماء مرشحيهم للرئاسة" وعلى الاثر "يفترض ان ينسحب المرشحون من طاولة الحوار". وهل هذا ما ستطالبون به؟ اجاب: "هذا رأي شخصي. ومن الطبيعي ان لا يكون المرشحون اطرافا في الحوار".

ويحذر كثيرون من مغبة اعلان وقف الحوار ويتساءلون عن المبرر لمثل هذه الخطوة وعمن في امكانه ان "يحمل" انهاء الحوار الوطني. وفي رأي الرئيس سليم الحص فان ثمة خشية من "فلتان سياسي" في حال وقف الحوار، وانه رغم كل السجالات وما تضمنته من عبارات غير لائقة "تبقى هناك ضوابط ما دام المتساجلون سيلتقون حول طاولة الحوار". ولا تزال صورة رئيسي "التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" ميشال عون وسعد الحريري وهما يتناولان الغداء في احد المطاعم القريبة من مقر الحوار في وسط بيروت، قبل الجلسة ما قبل الاخيرة، ماثلة في الاذهان، وليس ثمة ما يمنع تكرارها. وكذلك صور المصافحة بين السيد نصرالله ورئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط في جلسات سابقة. وفي كل الاحوال فان احدا لم يطلب انهاء الحوار "علناً" نتيجة الخلاف على احد بنوده.

وسط هذه الأجواء تتواصل الاتصالات واللقاءات لقيام "الجبهة الوطنية المعارضة" وينشط الرئيس عمر كرامي عبر دور محوري بين بيروت وطرابلس، رافضا اي كلام على "ايحاء سوري" اذ يرد على مطلقي هذه التهمة بأقسى العبارات وهي: "اذا كانت سوريا تحركنا... فهم تحركهم اسرائيل". وجاءت هذه العبارة في سياق الدفاع عن النفس ردا على هجوم استفز كرامي الذي باتت عبارة "امر عمليات سوري" تشكل حساسية وتحديا له لكثرة ما قالتها "جماعة 14 آذار" منذ بداية السعي الى انشاء الجبهة. ويقول كرامي: "نحن اول المتضررين من ممارسات وتجاوزات المخابرات ومما سمي الجهاز الامني السوري – اللبناني المشترك. وبين "نواة الجبهة" من ألف كتابا عن تجاوزات المخابرات في "عز" سطوتها وهو الوزير السابق البر منصور". وكان لافتا قول كرامي امام زواره "ان سوريا لن تعود ونحن نؤكد ذلك واقول اكثر: نحن ضد عودة القوات السورية الى لبنان". وكان حليف كرامي الوزير السابق سليمان فرنجيه قال العبارة نفسها اثر زيارته كرامي قبل مدة مضيفا: "سنكون ضد سوريا اذا اعادت قواتها العسكرية الى لبنان". ولكن هذا لا يعني – حسب كرامي – "ان نتخلى عن سوريا والا نكون بجانبها في ما تتعرض له من ضغوط دولية اميركية واسرائيلية او ان نتخلى عن ثوابتنا الوطنية والقومية". ويضيف: "كلما قمنا بخطوة يحدثوننا عن "امر عمليات" وعن "وحي" سوري. هذا غير صحيح. ولا يزايدن علينا احد في الوطنية".

وفي حديث "الجبهة" كان لافتا امتناع الرئيس نجيب ميقاتي عن المشاركة فيها، بعدما كان "محسوبا" عليها، اقله من خلال حليفه سليمان فرنجيه. وقد نقل عن كرامي نفيه ان يكون ميقاتي في الاساس ضمن "المرشحين" لدخول "الجبهة" علما انه سبق ان قال ان "كل شيء وارد" ولدى سؤاله عن ميقاتي اجاب: "كل شيء وارد، في السياسة وليس بيننا وبينه دم. في السياسة لا حليف دائما ولا خصومة سياسية دائمة"...