تتساءل اوساط رسمية وسياسية ما العمل اذا لم يتمكن لبنان من تنفيذ ما تبقى من القرار 1559 ولا من تنفيذ قرارات مؤتمر الحوار التي رغم اتخاذها في بيروت في حاجة الى موافقة دمشق؟

وحتامَ يظل المجتمع الدولي يمدد للبنان "فترة السماح" وينتظر وفاء السلطة بما وعدت به هذا المجتمع، وهو تنفيذ المطلوب منها من طريق الحوار؟

الواقع ان لبنان لا يستطيع بمفرده تنفيذ حتى القرارات المتخذة بالاجماع على طاولة الحوار اذا لم تتعاون معه سوريا بصدق على ذلك، واذا لم يواكب المجتمع الدولي الجهود اللبنانية التي تبذل في هذا السبيل، ويتدخل كلما دعت الحاجة، وكلما تلكأت سوريا عن تقديم المساعدة المطلوبة.

لكن تبين حتى الآن ان ليس لدى سوريا نية لمساعدة لبنان على تنفيذ ما تبقى من القرار 1559 ولا ايضا على تنفيذ قرارات مؤتمر الحوار الا وفقا لشروطها، واهمها ان يقوم في لبنان حكم ترتاح اليه وينسق معها في كل المجالات على غرار ما كان عليه الوضع زمن وصايتها، فيما الولايات المتحدة تعتمد على ضغوط تمارسها من حين الى آخر لحمل النظام السوري على تغيير سلوكه حيال لبنان لكنه لم يغير سلوكه، ولن يغيره ما دام مطمئنا الى ان الظروف الموضوعية تحول دون تغيير هذا النظام. وهذا ما جعل مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد ولش يقول اخيرا: "نحن نفضل لو ان سوريا غيّرت سلوكها وقد حاولنا ايصال هذه الرسالة الى النظام ولكن من دون جدوى"...

وها ان سوريا بعد مرور سنة على انسحاب قواتها من لبنان، تحاول العودة اليه سياسيا من خلال من تبقى من حلفائها في لبنان، الذين عادوا الى الظهور بعد انكفاء وشحذوا ألسنتهم في مهاجمة قوى 14 آذار والحكومة المنبثقة منها، لان ليس في نية دمشق تغيير سلوكها بل العمل على تغيير الواقع الجديد في لبنان.

لذلك فالسؤال المطروح هو: ما الذي ستفعله الولايات المتحدة اذا لم يغير النظام السوري سلوكه حيال لبنان بما يساعده على تنفيذ ما تبقى من القرار 1559 وقرارات مؤتمر الحوار؟ وما الذي سيفعله المجتمع الدولي اذا لم يتوصل لبنان بالحوار الى تنفيذ ما هو مطلوب منه تنفيذه، هل يأخذ على عاتقه ذلك في ضوء تقرير تيري رود – لارسن الذي اسهب في شرح الواقع، فينتقل التنفيذ من مرحلة "اللبننة" الى مرحلة "التدويل" وذلك باتخاذ قرارات جديدة تحدد الآلية الكفيلة بتنفيذ ما يجب تنفيذه بحيث يخرج لبنان نهائيا من دائرة الضغوط السورية والتدخل في شؤونه الداخلية، والا ظلت القرارات حبرا على ورق؟

لقد ثبت عجز القوى السياسية حتى الآن عن تنحية الرئيس لحود وانتخاب رئيس جديد للجمهورية تنفيذا للبند الاول من القرار 1559 الذي اعتبر التمديد للحود مخالفا للدستور لان سوريا دعت من تبقى من حلفائها في لبنان الى الوقوف مع الرئيس لحود والحؤول دون تمكين الاكثرية النيابية من اختصار ولايته الممددة، واستمرار لحود في منصبه يحول دون تنفيذ ما نص عليه هذا القرار لجهة نزع سلاح "حزب الله" وسلاح الفصائل الفلسطينية. حتى ان القرارات التي اتخذها مؤتمر الحوار بالاجماع، لن تكون قابلة للتنفيذ اذا لم تشأ سوريا ذلك. فهي ترفض حتى الآن ترسيم حدود مزارع شبعا وترى ان لا حاجة الى ذلك وان على اسرائيل ان تنسحب منها اولا كي يصير في الامكان ترسيم هذه الحدود لمعرفة ملكية كل من لبنان وسوريا فيها، ولا تريد بالتالي اجراء هذا الترسيم قبل ان تزول حالة التوتر والتشنج بين البلدين وهذا يعطي "حزب الله" مبررا للاحتفاظ بسلاحه بدعوى الحاجة الى هذا السلاح لتحرير ما تبقى من الاراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها اسرائيل. ولا تساعد سوريا من جهة اخرى على تنفيذ القرار المتعلق بازالة السلاح الفلسطيني من خارج المخيمات لانه يشكل في نظرها مع سلاح "حزب الله" جزءا من المنظومة الدفاعية ضد اسرائيل.

ويقول الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في هذا الصدد وتبريرا لبقاء سلاح المقاومة: "ان الجيش النظامي مهما بلغت قوته لا يستطيع ان يحمي لبنان من اسرائيل بترسانتها الهائلة وليس سوى توازن الرعب هو الذي يحميه وان اسرائيل تعرف اننا نستطيع ايذاءها". ويعارض دمج المقاومة في الجيش لان الدخول الى الجيش "يجعل شبان المقاومة مثل اي لواء في الجيش، فميزة المقاومة انها شعبية وان عناصرها من اولاد الضيع ووجودها ليس في ثكنة وليس كلاسيكيا وليس لواء وليس دبابة فوق الارض".

اما موضوع اقامة تمثيل ديبلوماسي بين لبنان وسوريا فيحتاج الى موافقة الطرفين، والا كيف يمكن تعيين سفير للبنان في سوريا اذا كانت ترفض ذلك؟

وهكذا يتبين ان لبنان لن يستطيع بمفرده تنفيذ ما تبقى من القرار 1559 ولاحتى تنفيذ القرارات التي صدرت بالاجماع عن مؤتمر الحوار، اذا كانت سوريا لا تساعد على ذلك، واذا ساعدته، فلها شروطها التي قد يتنافى بعضها مع مقومات السيادة الوطنية والاستقلال الكامل. فكيف السبيل اذاً الى تنفيذ هذه القرارات؟ هل في انتظار عامل الوقت وتبدل الظروف وحدوث تطورات تساعد على ذلك؟ ومن يضمن ان يكون عامل الوقت في مصلحة تنفيذ ما هو مطلوب تنفيذه؟ هل في انتظار ان يقتنع النظام السوري بوجوب تغيير سلوكه حيال لبنان، ام بعد ان يتغير الوضع في لبنان؟!

وزير سابق يخشى ان تتغلب السياسة الاميركية "البراغماتية" التي غالبا ما تعتمدها على التمسك بالمبادئ والثوابت فتبقى القرارات المتخذة بدون تنفيذ الى اجل غير معروف، او تتولى سوريا تنفيذها بحسب شروطها.

ان الاشهر القليلة المقبلة سوف تظهر حقيقة المواقف من تنفيذ ما تبقى من القرار 1559 وكيف سيتم تنفيذ قرارات مؤتمر الحوار ومتى. وهل سيأخذ المجتمع الدولي على عاتقه مسؤولية ذلك، فيصبح التنفيذ مدوّلا بوسائله وآلياته، بعدما تكون "اللبننة" قد اخفقت وثبت ان قرارات الحوار الداخلي التي تتخذ في بيروت وان بالاجماع، لا سبيل الى تنفيذها الا في بموافقة دمشق...