لم يفت المتابعين السياسيين والديبلوماسيين ما ورد في المذكرة التي رفعتها دمشق الى مجلس الامن احتجاجا على اتجاه المجلس الى اتخاذ موقف حيال ما لم ينفذ من القرار 1559 يطالب سوريا بترسيم الحدود بينها وبين لبنان ويدعوها الى اقامة علاقات ديبلوماسية معه معتبرة ان هذه المسألة تخص البلدين وحدهما.

وقد حذرت دمشق في البند الاخير من المذكرة من "ان دفع بعض الاطراف مجلس الامن الى اعتماد قرارات او بيانات جديدة لن يؤدي الى تهدئة الحال في لبنان او المنطقة بل سيزيد حال عدم الاستقرار والتوتر تفاقما في لبنان والمنطقة". وهو امر قرأه البعض على انه ينطوي على "شفافية" سورية في التعبير عما يمكن ان يحدثه التدخل الدولي من توتر بين البلدين باعتبار ان هذه المسائل لا تدخل في صلاحيات مجلس الامن ولانها تعتبر ان المجتمع الدولي يضغط عليها عبر لبنان. في حين رأى البعض الآخر انه يعكس ضمنا قدرة سوريا على تحريك الامور سلبا في لبنان في ضوء معادلة ان الضغوط الدولية عليها تستتبع ضغوطا منها على لبنان وربما اكثر مما تتعرض هي له من اجل دفع المجتمع الدولي الى التراجع، علما ان بعض اعضاء مجلس الامن يمكن ان يستند الى هذا التحذير او التهديد المبطن للتأكيد ان سوريا تتدخل في لبنان اعتراضا على مطالبة مجلس الامن اياها بعدم التدخل في هذا البلد والاعتراف بسيادته واستقلاله.

وتقول مصادر سياسية ان نجاح سوريا في حض الدول العربية على العمل لردع المجتمع الدولي عن معاقبتها واقناع الادارة الاميركية بعدم دعم تغيير النظام عبر اثارة مخاوف من عدم استقرار في المنطقة قد يطول الدول العربية نفسها، شكل وصفة ناجحة في الاشهر الاخيرة اعتمدتها سوريا ايضا في المذكرة الاخيرة الى المنظمة الدولية. اذ لم تكتف بالتحذير من تفاقم عدم الاستقرار والتوتر في لبنان وحده او في المنطقة وحدها بل في لبنان والمنطقة على حد سواء. وتاليا من الطبيعي ان تعتمد سوريا المقاربة نفسها لحض الدول العربية المهتمة على التدخل ولجم التوجه الراهن في مجلس الامن وكذلك من اجل حض الدول الغربية المهتمة بالوضع في لبنان على اخذ ذلك في الاعتبار.

ورغم ان مشكلة السواتر الترابية والمواقع التي استحدثتها سوريا في بلدات بقاعية تزامنت مع المناقشات التي جرت في كواليس مجلس الامن في شأن استصدار قرار هددت الولايات المتحدة وفرنسا بان يكون قويا ازاء سوريا، فان مصادر ديبلوماسية لبنانية لا تعتقد انها الرسالة المناسبة التي تنسجم مع التحذير الذي ورد في المذكرة السورية ولا هي في حجم المشكلة التي يتحدثون عنها. فما تخشاه هذه الدول يتعدى ذلك بكثير الى ما هو اخطر على الوضع الداخلي اللبناني، لكن لا يعتقد ان سوريا قد تتمادى في ما اعتبر "تهديدا" منها في ضوء الوضوح الذي اتسم به والعلنية التي طبعته في هذه المرحلة لانها قد تخاطر بخسارة الدول التي تتفهمها كروسيا والصين مثلا والتي لها حسابات مختلفة عن حسابات اميركا والدول الاوروبية، وهو امر كان الاميركيون واضحين في شأنه بالعمل على اصدار قرار من التوافق الاميركي الاوروبي سيكون كافيا في رأيهم. فضلا عن انها قد تستفز رد فعل عدائيا قويا على المستوى الدولي والعربي في آن واحد. ولذلك فان الهدف السوري، وفق ما تراه هذه المصادر، يندرج في اطار توجيه رسالة واضحة بضرورة اخذ الدول الغربية في مجلس الامن التحفظات والمواقف السورية في الاعتبار بجدية كبيرة في ضوء المخاوف التي اثارتها دمشق على الوضع اللبناني. وهي لا بد ان تؤثر في مواقف هذه الدول في شكل او في آخر تصعيدا لانزعاج الدول المعنية مما يعتبر تهديدا واضحا او تخفيفا ربما، ولكن لن يكون تراجعا على ما يؤكد البعض لئلا يفهم نجاح مثل هذه المواقف انتصارا على المواقف الدولية. كما ان هذا الهدف يندرج ضمن سياق اكبر هو رغبة دمشق في ان يفتح حوار معها حول مجموع القضايا المثارة، وكل السياسة السورية مبنية على هذا الاساس في حين ان ليس ثمة استعداد خارجي لمثل هذا الاتجاه اقله حتى الآن.