كأنما جورج بوش صار وزير خارجية إسرائيل. فالحماسة والشراسة اللتان يشعل بهما بوش معارك دبلوماسية في مجلس الأمن الدولي لمصلحة أمن الدولة الإسرائيلية وضمان تفوقها العدواني يفتقر إليهما حتى القادة الإسرائيليون أنفسهم.

فبينما تنهمك الإدارة الأميركية حالياً في إدارة معركة متسلسلة ضد إيران فإنها في الوقت نفسه تحشد الاستعداد لمعركة تالية مع روسيا.. وكأنها تشنّ حرباً بالوكالة نيابة عن إسرائيل على جبهتين.. إضافة إلى جبهة العراق.

الهدف الوقتي المباشر في المعركة ضد إيران هو استقطاب تأييد القوى الرئيسية في مجلس الأمن من أجل استصدار قرار دولي بفرض عقوبات على طهران بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إذا واصلت الحكومة الإيرانية رفضها وضع نهاية لبرنامجها النووي وطيّ صفحته نهائياً.

أما الغرض من التحرُّك ضد سوريا، فهو حملها على «احترام استقلال لبنان وسيادته» باتخاذ إجراءات محدَّدة من بينها إقامة علاقات دبلوماسية سورية مع لبنان وترسيم الحدود بين الدولتين، بالإضافة إلى «التعاون» في تنفيذ قرارات دولية سابقة. هذا ما تدعو إليه إدارة بوش رسمياً وفي العلن. لكن المغزى الحقيقي للتحرك الأميركي على الجبهتين هو ما لا تبوح به واشنطن.

فالحملة ضد البرنامج النووي الإيراني تهدف إلى إجهاضه قبل أن يتطور إلى مستوى إنتاج أسلحة نووية وبالتالي تفقد إسرائيل انفرادها الاحتكاري للرادع النووي في المنطقة العربية والإسلامية.

أما الحملة ضد دمشق فهي أدهى وأعجب، فالهدف النهائي الاستراتيجي هو فصل المسار اللبناني عن المسار السوري في سباق الصراع العربي الإسرائيلي حتى يخلو المسرح السياسي اللبناني لإسرائيل وحدها لكي تعقد مع لبنان «معاهدة سلام» تعزل ذلك البلد عن سوريا وعن المحيط العربي الإسلامي.

فالإصرار الأميركي على ترسيم الحدود بين الدولتين اللبنانية والسورية ينطوي على إشارة ضمنية إلى منطقة مزارع «شبعا» الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي.

وتأمل الولايات المتحدة ان تنتهي عملية الترسيم إلى التأكيد على تبعية شبعا إلى السيادة السورية مما يقود إلى البند التالي من الخطة التآمرية وهو تصعيد المطالبة الأميركية بنزع سلاح المقاومة اللبنانية المتمثلة في «حزب الله» حينئذ ستقول واشنطن: ما معنى المقاومة من أجل تحرير شبعا إذا كانت هذه المنطقة لا تتبع للسيادة اللبنانية؟!

هكذا تريد الولايات المتحدة للشرعية الدولية أن تكون في خدمة الأمن الاسرائيلي على غرار ما هو عليه حال القوة الأميركية بشقيها الدبلوماسي والعسكري.

وكما أن الإدارة الأميركية تدعم الأحادية الاسرائيلية في تحديد مصير الأرض الفلسطينية دون إشراك الفلسطينيين في الأمر فإنها تريد أيضاً للشرعية الدولية ان تكون أحادية التوجه لصالح الدولة اليهودية.

فبينما تسكت عن القرارات الدولية التي تشتمل على عدالة الحقوق المصيرية الفلسطينية فإنها في الوقت نفسه لا تتوانى عن استخدام الفيتو أو التهديد باستخدامه لإحباط أي مشروع قرار على صعيد مجلس الأمن الدولي ينطوي على إدانة عادلة للاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على الفلسطينيين في المدن والقرى وما يترافق معها من هدم منازل ومصادرات للأراضي واغتيالات فردية واعتقالات جماعية.

وبعد فإن أي مراقب منصف تجاه العلاقة الأثيمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا يملك إلا أن يتساءل: أيهما السيد وأيهما الخادم؟