أوردت صحيفة الرأي العام الكويتية في عدد يوم الأربعاء 3/5/2006 م خبراً عن افتتاح ندوة (الوحدة الإسلامية الثالثة) في دمشق، وأوردت مقتطفات من كلمات المشاركين، لفت انتباهي منها الدعوة التي وجهها سماحة مفتي سورية الشيخ أحمد حسون إلى الشعب الأمريكي للثورة على حكامه، والتي بررها بأنها من باب السير (على نهج السياسة الأميركية التي طالما اتبعتها الإدارات المتعاقبة لتثوير شعوب العالم على حكامها).

رغم أن الدعوة صادرة عن سماحة المفتي وليس عن وزير الخارجية - الذي يفترض به أن يرد على نظيرته الأمريكية – إلا أن هذا السبب لم يكن موضع استغراب، فقد ألفنا في بلادنا أن يتصدى كل من له منصب رسمي للتصريح بكل شأن خارجي – ما دام تصريحه ضد أمريكا – مما يتيح المجال للحكومة (التي تتخبط بحثاً عن موقف رسمي لا يورطها) أن تدرس ردود الأفعال على هذه التصريحات وتعدل الموقف الرسمي بناء على الردود، وهو ما شاهدناه جلياً بعد قصف العدو الصهيوني لمواقع قرب دمشق، إذ صرح أحد السفراء بأن سورية ستستخدم القوة في الرد، لكن وزير الخارجية المحنك عاد (ليلحس) تصريح سفيره وأعلن (أننا نحتفظ بحق الرد في الوقت المناسب والطريقة المناسبة !).

المهم أنني استغرقت وقتاً طويلاً في محاولة فهم السر وراء دعوة سماحة المفتي، ولأن تفكيري الرجعي المتبلد لم يهتد إلى سبب مقنع يجعل الأمريكان يستجيبون لهذه الدعوة التحريضية ويثورون على حكومتهم، لجأت إلى الإنترنت باحثاً عن أحوال الشعب الأمريكي، مقارناً ما قرأته بأحوال الشعب السوري لنفس الفترة، وكانت النتيجة المذهلة التي جعلتني أنضم إلى سماحة المفتي في دعوته، بل وأدعو كل عقلاء العالم لمشاركتنا بها، ويكفي أن تطلعوا على ما وصلت إليه لتؤيدوا هذه الدعوة الذكية.

تأملوا الأحداث التالية التي مرت بها أمريكا لتدركوا غباء هذا الشعب الذي يحتاج إلى مفتي سورية كي ينبهه إلى وضعه المتأخر بين الأمم، ويدعوه إلى الثورة على حكامه:

• منذ عام 1963 م والشعب الأمريكي محكوم من قبل حزب واحد وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري، وعدل الدستور ليضمن بقاءه فيها (إلى الأبد) محتكراً له وحده الصلاحية لسياسية والفكرية لقيادة الدولة والمجتمع إلى حيث يشاء، ولو إلى الهاوية.

• في ظل الخشية من أن لا يكون نظام الحزب الواحد مستقراً كفاية، وللبحث عن مزيد من الاستقرار، رأت قيادات الحزب أن يكون الرئيس هو نفسه على مدى ثلاثين سنة، فبالتأكيد لن يكون في الشعب الأمريكي كله شخص له نفس مواصفات القائد الملهم وقدرته على قيادة الأمة.

• خلال حقبة الحزب الواحد، تقلصت الصناعة الأمريكية وتراجعت إلى صناعات استهلاكية تقوم على الاستغلال أكثر من الإنتاج، وأدت إلى خروج أمريكا من منظمة التجارة العالمية بعد أن كانت من الدول الموقعة على أول اتفاقية للتجارة العالمية (الجات) في أربعينات القرن الماضي.

• أصر الحزب الواحد على تقسيم الشعب الأمريكي إلى قوميات وطوائف، وكل من لم ينتم إلى قومية هذا الحزب العنصري، أو لم يكن ضمن طوائف معينة، حل عليه غضب الحكومة، وجرد من حقوقه المدنية الدستورية، وقضى حياته – وأولاده من بعده – لاجئاً في وطنه، يخشى أن يصيبه العذاب من حيث لا يحتسب.

• لأن بعض أفراد الشعب الأمريكي لم يقبلوا بجمود الحالة السياسية في بلادهم، قام الحزب الحاكم بسجنهم ونفيهم وتشريدهم، وأقام لهم المحاكمات الميدانية، وصدرت أحكام الإعدام خلال ثلاث دقائق من (المحاكمة) ونفذت في الشارع أمام المحكمة، وصدرت قوانين مصادق عليها من الكونغرس تحكم بالإعدام على الناس بسبب انتمائهم الفكري.

• استشرى الفساد بين طبقة الضباط والسياسيين، وامتلكوا القصور والضياع والسيارات، وحققوا ما لم يحلم أجدادهم بتحقيقه من استغلال لثروات البلد، ونشروا الرشوة والفساد بين طبقات المجتمع ليأمنوا من المساءلة.

• في حربها الصغيرة مع كندا، خسرت أمريكا مرتفعات إستراتيجية أجمع خبراء الحرب على استحالة سقوطها عسكرياً، إلا أن بعض التقارير المستقلة تتحدث عن انسحاب القوات الأمريكية منها قبل وصول القوات الكندية بيوم كامل، ولم تستطع طيلة ثلاثين سنة أن تسترجع هذه المرتفعات المهمة لكرامتها، مما يشير إلى مستوى الفساد المستشري في قواتها المسلحة.

• استغلت أمريكا الحرب الأهلية في جارتها الصغيرة (المكسيك)، فأدخلت جيشها للفصل بين المتنازعين، وحكمت البلد بالحديد والنار طيلة تسعة وعشرين عاماً، ناشرة الفرقة بين أهله، ومصرة على التدخل في كل صغيرة وكبيرة من أموره، بما فيها تعديل الدستور لضمان استمرار رئيس مؤيد لها.

• عند وفاة (القائد الخالد) عمدت الدولة العظمى التي تدعي الديمقراطية وتدعو لها شعوب العالم إلى تعديل الدستور ليتمكن الحزب الحاكم من انتخاب ابنه خلفاً له، على اعتبار أنه الأصلح للاستمرار على النهج الثابت القائم على الصمود والتصدي، والمعرفة العليا بمصالح الشعب أكثر منه ومن (الذين خلفوه أيضاً).

توقفت عند هذا الحد مفكراً، ما الذي يدفع الأمريكان للسكوت على نظام كهذا؟ كيف يسكتون على هذا الذل؟ ثم تذكرت أنهم شعب مسكين، بعيد عن الإيمان، ليس لديهم علماء مثل الشيخ أحمد حسون يبينون لهم النهج الصحيح ليتبعوه، وأرجو أن يسمعوا للشيخ فيثوروا على حكامهم لينعموا بما تنعم به سورية من أمن واطمئنان.

ما الذي سيحدث بعد أن يثور الأمريكان على حكامهم، ويقيموا حكم البعث؟

تروى في سورية طرفة عن جندي سوري يقف على الحدود مع فلسطين المحتلة، ويقابله صهيوني من الطرف الآخر، ضمن مرمى الصوت. الصهيوني يحضر في كل يوم نوعاً من الفواكه أو الأطعمة الفاخرة ويأكلها سائلاً السوري باستخفاف: عندكم موز؟ لا. سكر؟ لا. شاي؟ لا. سمن؟ لا. كهرباء؟ لا. فيضحك الصهيوني بينما السوري المسكين غارق في حنقه، أخيراً لجأ إلى الضابط المسؤول عنه وأخبره بالقصة فأمره الضابط أن يجيب بفخر: نحن لدينا البعث، وهو يكفينا.

في اليوم التالي انتظر السوري بفارغ الصبر أن يسأله الصهيوني، فلما فعل أجابه باعتزاز: يكفي أن لدينا البعث. فوجئ الصهيوني لبرهة، ثم استدرك: سأطلب غداً من النائب عن مدينتي في الكنيست أن يؤسس بعثاً في إسرائيل. أجابه السوري ضاحكاً: إذاً تستطيع حينها أن تودع إلى الأبد: الموز، والسكر والشاي ، و ... إلخ.