زيارة الرئيس نبيه بري لدمشق الاحد الفائت (7 ايار) هي الاولى يلتقي فيها علناً الرئيس السوري بشار الاسد منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005. وهي ليست الاولى لمسؤول لبناني رفيع منذ الانقلاب السياسي على الدور السوري في لبنان. فقبله زارها الرئيس فؤاد السنيورة في 31 تموز 2005، ثم زار بري ومعه الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله دمشق في 20 كانون الثاني الفائت للاجتماع بالرئيس الايراني محمود احمدي نجاد.

وفي غياب معلومات واضحة عن مهمة رئيس مجلس النواب في دمشق، فالواضح انها تعيد فتح قنوات الاتصال المباشر والعلني بين البلدين على مستويات رفيعة، بعد زيارات سرية للعاصمة السورية في الأشهر الاخيرة قام بها مسؤولون وزعماء يشاركون في طاولة الحوار الوطني وخارجها. وتالياً فان التفويض الذي يفترض ان يكون حمله بري ضمناً من مؤتمر الحوار يقتضي ان يواكبه تخفيف فريق 14 آذار لهجته التصعيدية ضد سوريا.

وبحسب مطلعين بارزين فان هذه اشارة الى اثنين: السنيورة الذي اعاد اخيراً تأكيد ما كان ذكره في اثناء زيارته لواشنطن (18 نيسان) من ان الرئيس رفيق الحريري تلقى تهديدات مباشرة من الاسد، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي استقبل قبل ايام وفداً من "الاخوان المسلمين" في سوريا. ويعتقد المطلعون اياهم، القريبون من اوساط رئيس المجلس، ان البوابة الفعلية لولوج حوار لبناني - سوري جدي يقتضي لفتحها اولاً التزام روح ما اقره مؤتمر الحوار الوطني، وخصوصاً في ما يتصل ببند التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية وفق الصيغة التي أقرها المؤتمر، على أن يُترك تحديد مسؤولية المشتبه في ضلوعهم في الاغتيال للجنة التحقيق الدولية، ومباشرة الحوار بين البلدين لتنفيذ قرارات الاجماع الذي اتخذها المؤتمر.

ومع ان من المبكر الحديث عن حوار لبناني - سوري نظراً الى وطأة خلافات فريق الغالبية مع دمشق، وهو الجهة الوحيدة القادرة على اعادة بناء العلاقات بين البلدين بسبب امساكه بزمام السلطة، فان المعلومات التي تصل الى هذا الفريق عن المشاورات الجارية في أروقة مجلس الامن، كما في دوائر القرار في واشنطن وباريس، تشير الى استمرار الضغوط الدولية على سوريا لحملها على تقديم مزيد من التنازلات الى السلطة اللبنانية. وقد يكون سبب التمهّل في بدء الحوار اللبناني - السوري معرفة مسار التحرك الدولي. ويعكس هذا الانطباع تقرير ديبلوماسي وصل الى مراجع رسمية تناول مراجعة للتقرير نصف السنوي الذي رفعه موفد الأمين العام للأمم المتحدة المكلف مراقبة تنفيذ القرار 1559 تيري رود - لارسن والذي سيناقشه مجلس الأمن في جلسته المقررة في الساعات المقبلة. وبحسب ما ورد في التقرير الديبلوماسي فإن المشاورات مع روسيا والصين هي التي تؤخّر الإتفاق على قرار جديد يصدر عن مجلس الأمن تريد واشنطن وباريس ولندن تضمينه مزيداً من الضغوط على دمشق.

واستناداً الى المعطيات الواردة في التقرير الديبلوماسي، فان ملامح الموقف الأميركي من تقرير رود - لارسن تكمن في الآتي:

ثمة خيبة أمل أميركية في تقرير رود - لارسن ما خلا إشارته الى إيران. إذ كان يأمل الأميركيون أن يتضمن "إدانة" لسوريا وإيران على السواء، من أجل أن يصدر "قرار قوي" عن مجلس الأمن حيال القرار 1559.

يسعى الأميركيون، في حال نجحوا في تأمين غالبية مرجحة للتصويت على قرار لا يصطدم بحق النقض الروسي والصيني، الى أن يكون القرار الجديد مكمّلاً للقرار 1559، بعدما بدا أن التنسيق الأميركي - الفرنسي - البريطاني، وتبعاً لما ورد في التقرير الديبلوماسي، "قد فقد الكثير من الحرارة" الذي من شأنه تعزيز الضغوط. ولذلك يأملون في صدور قرار جديد يدين سوريا وإيران.

يتطلع الأميركيون والفرنسيون الى قرار جديد تنفيذي للقرار 1559 على غرار الصيغة التي طبعت القرار 426 الذي كان بمثابة قرار تنفيذي للقرار 425 الذي صدر في آذار 1978. على أن الخلاف المحيط به يتصل بما ينبغي أن يحتوي. وبحسب ما يذكره التقرير الديبلوماسي، تميل واشنطن الى تضمينه الأفكار الأربعة الآتية:

تجريد الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية من السلاح.

الإشارة الى الدور السلبي لإيران في الحياة السياسية اللبنانية. ووفق ما نقله التقرير عن مسؤولين أميركيين بارزين، فإن هؤلاء يصرون على إدراج هذا البند لاعتقادهم أن إيران أصبحت مشكلة في وجه إدارة الرئيس جورج بوش التي لن تقبل المساومة على إدراج هذا البند في القرار الجديد نظراً الى "البغض الحاد" التي تكنّه الإدارة للنظام الإيراني ودوره في أكثر من مكان في المنطقة.

دعوة سوريا الى إقامة تمثيل ديبلوماسي مع لبنان على مستوى سفارة.

ترسيم الحدود الدولية اللبنانية - السورية.

ثمة اتجاه لدى الإدارة الأميركية الى القبول ببقاء الرئيس إميل لحود في منصبه في الأشهر الـ18 المتبقية من ولايته، اعتقاداً منها أنه أفضل من "الرجل الخطأ" في الرئاسة اللبنانية لست سنوات جديدة. إلا أن التقرير الديبلوماسي لا يشير صراحة الى الشخصية اللبنانية التي تنطبق عليها مواصفات "الرجل الخطأ".

أما ما يتصل بمزارع شبعا، فيكشف التقرير الديبلوماسي أن واشنطن أبلغت الى رئيس الحكومة اللبنانية أن الإنسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا "غير قابل للبحث"، رداً على مطالبته إياها في أثناء زيارته للعاصمة الأميركية الشهر الفائت ببذل جهود لتأمين إنسحاب الجيش الإسرائيلي من المزارع بغية تسهيل عمل الحكومة اللبنانية نزع سلاح "حزب الله" بعد أن يفقد مبرر الإحتفاظ به. وبحسب الجواب الأميركي، فإن لكل من إسرائيل والولايات المتحدة أسباباً معروفة لعدم تحقيق هذا الإنسحاب في المدى القريب: كون مزارع شبعا تقع أولاً في نطاق القرار 242 الذي يقترن تنفيذه بمفاوضات الأرض في مقابل السلام، ولأن إسرائيل غير مستعدة ثانياً لإدراج المزارع في إطار القرار 425 الذي يتحدث عن انسحاب إسرائيلي غير مشروط من الأراضي اللبنانية وتسليم المزارع مجاناً الى لبنان.

أما أبرز الأسباب الأميركية فيكمن في أن إدارة بوش ترى أن من غير المقبول التعامل مع "الإرهابيين" واستجابة شروطهم، في إشارة الى "حزب الله"، المدرج في لائحة الإرهاب الأميركية، ما دام الإنسحاب من المزارع هو مطلبه. أضف أن واشنطن متيقنة من أن سوريا لن تقدّم مزارع شبعا الى لبنان لكونها تستخدمها في أكثر من هدف سياسي في إطار سعيها الى التسوية الشاملة في المنطقة.

وتبعاً للتقرير الديبلوماسي، فإن واشنطن "لا تهدر" وقتها في مناقشة احتمال كهذا.