تمايزت اللغة التي اعتمدها البيان المشترك الذي أصدرته أمس الأول مجموعة من المثقفين اللبنانيين والسوريين عن الخطابين الخشبيين اللذين يسودان لغة التخاطب بين بيروت ودمشق منذ جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري. فالبيان نجح الى حد ما في التعبير عن المخاوف والرغبات المشتركة للبنانيين والسوريين بشأن مستقبل العلاقة بين بلديهما بمعزل عن التشنج القائم حالياً في العلاقة بين السلطتين الحاكمتين في دمشق وبيروت، وبمعزل عن التدخل الدولي السافر في شأنهما السيادي، حيث بات تبادل التمثيل الدبلوماسي بينهما، أو تحديد النقاط الحدودية على حدودهما المشتركة، يستدعي إصدار قرارات دولية جديدة، واضح أن الهدف منها هو تأجيج التوتر بينهما وخلق مشاعر عدائية متبادلة، وليس إيجاد حلول للمشاكل المفتعلة بين البلدين.

ولم يجانب بيان المثقفين الصواب عندما خلص الى أن الشوائب التاريخية في العلاقات اللبنانية السورية سببها الوحيد أخطاء الممارسات التي نهجتها الطبقة السياسية الحاكمة في كل من بيروت ودمشق. فالدخول العسكري السوري عام 1976 والهيمنة على كافة المفاصل في الحياة السياسية، وبالتالي مصادرة القرار السياسي اللبناني، أساءت الى العلاقات بين الشعبين الشقيقين، كما تسيء لها اليوم محاولات بعض اللبنانيين جعل بيروت مجدداً معبراً للأمريكيين والفرنسيين من أجل تصفية حسابات مع النظام السوري لا تخدم مصالح لبنان لا من قريب أو بعيد، إذا لم نقل إنها تهدد سلمه الأهلي الهش.

المفارقة أن الذين يرفعون شعار رفض الوصاية السورية ويروجون لوجود مطامع لدى حزب البعث بضم الكيان اللبناني، ويعزون رفض دمشق تبادل التمثيل الدبلوماسي مع بيروت الى تلك المطامع “الوحدوية”، هم أنفسهم يرفعون شعارات تغيير النظام في دمشق، ويستقبلون وفد “الإخوان المسلمين” وينسقون حركتهم السياسية مع عبدالحليم خدام ويجاهرون بارتباطهم الصريح بأجندة التغيير الأمريكية. يتصرف هؤلاء كأنهم أيضاً مؤمنون بشعارات “وحدة المسار والمصير” مع سوريا و”شعب واحد في بلدين”، لأنهم ببساطة يتصرفون كأن لبنان هو “المعارضة السورية”، المفقودة التي يبحث عنها الأمريكيون لإعادة “تدجين” النظام في دمشق