مع استمرار التصعيد السياسي والإعلامي على خط دمشق بيروت.. وتأزم الأزمة بين العاصمتين.. تتسابق دبلوماسيتا البيت الأبيض وقصر الإليزيه لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي يلزم سوريا ترسيم حدودها مع لبنان، وإقامة علاقات دبلوماسية تشمل تبادل السفارات بين الدولتين الشقيقتين.

ولا شك أن ما يجري اليوم ناتج عن فشل جهود عربية كثيرة بذلت على أكثر من صعيد لرأب الصدع بين العاصمتين، رغم مختلف أنواع المسكنات والمهدئات، والمنشطات وحبوب الإنعاش التي أعطيت للعلاقات السورية اللبنانية.

رئيس الوزراء السوري تناول قبل أيام شخص نظيره اللبناني فوصفه بأنه "رجل سياسة أكثر منه رجل دولة"، كما أشار إلى افتقاره إلى المصداقية.. وهذا يرجح فرضية استمرار التأزم بين العاصمتين في ظل تجاهل "دمشق" طلب زيارة الرئيس "السنيورة" إليها، واستبدال الأخير زيارة "دمشق" بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية.

رأت سوريا في زيارة "السنيورة" إلى واشنطن "استفزازاً" لها.. في الوقت الذي يتجاهل فيه المسؤولون السوريون تجاهلهم لطلب "السنيورة" زيارتهم والاجتماع بهم في "دمشق".. مشترطين عليه برنامج عمل للزيارة كي تحظى بمقومات النجاح.. وتتلكأ "دمشق" (كعادتها) في الاستجابة لمطالب لبنانية ودولية بترسيم الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية مع "بيروت"، الأمر الذي سيؤدي على الأرجح إلى صدور قرار أممي جديد ضد سوريا.

في المقابل ينأى رئيس الحكومة اللبنانية عن الرد على تصريحات نظيره السوري، لكنه لا يتوقف عن توجيه رسائل تثير حفيظة "دمشق".. فيما لا يتردد زعماء لبنانيون ممثلون في حكومة السنيورة بإطلاق تصريحات تصل حد الشتائم بحق النظام السوري ورئيسه.

وإذا قبلنا بأن المشاحنات والخطابات السياسية والإعلامية المتشنجة لا تسهم إلا في خلق أجواء ومناخات تدفع باتجاه المزيد من التعقيد في العلاقات السورية اللبنانية.. فإن مشاركة ممثلين عن فريق "14 آذار" في حفل تكريم "جون بولتون" ومنحه "درع الأرز" لم يؤثر على تلك العلاقات بقدر ما أساء للحوار بين اللبنانيين أنفسهم، خاصة بعد إعلان حزب الله عن امتعاضه الشديد من هذا التكريم ووصفه له بأنه "وصمة عار لا تشرّف أحداً".

وغالباً ما تتسم المشاكل بين العرب عموماً بطابع غير مفهوم.. فما أصعب توصلهم إلي تفاهمات أو تسويات بمبادرات نابعة منهم، وما أسهل تلك التسويات حتى لو كانت شكلية حين تفرض من الخارج.

من باب الحرص علي ما تبقي لنا من أشباه أوطان.. نتساءل بمرارة الانتماء إليها: إلى متى سيحتاج الأشقاء من العرب إلى تدخل دولي لحل مشاكلهم وأزماتهم المستعصية على الحلّ العربي؟ وهل سيأتي يوم يمكن أن نراهن فيه على دور عربي في حل الأزمات العربية المتجددة؟.

مع كل الأسف والألم.. هنالك مؤشرات كثيرة لا تبشر بأي صحوة من السبات العميق في المستقبل القريب، ولا بإمكانية انتفاء الحاجة لمثل تلك التدخلات أو الحلول الخارجية بغض النظر عن دوافعها وأهدافها طالما لم تنتفِ منظومة الضعف والعجز والإحباط والانكسار والتخلف العربي... وطالما بقيت مثل تلك "الذهنيات" تحكم في ربوع بلادنا من المحيط إلى الخليج مع تسجيل بعض الفوارق في نسب القمع والبطش، ودرجات الاستئثار بالسلطة وعدم إشراك الشعوب في القرار.