لم أجد جديداً على الصعيد السياسي في اعلان دمشق – بيروت/ اعلان بيروت – دمشق، أو لنقل اختصاراً البيان المشترك من قبل عدد من مثقفي البلدين. أقول انني لم اجد جديداً لأنه صدى لما يتردد في الشارعين السوري واللبناني على ألسنة المواطنين وفي ضمائرهم. الجديد هو هذا، التحرك المشترك ما بين المثقفين من الجانبين بصورة لا سابق لها.

البيان يدعو الى فتح ملفات كانت مغلقة زمنا طويلاً مثل رسم الحدود، وتنظيم وجود العمالة السورية في لبنان وحماية حقوقها، وتبادل السفارات. وليس خافياً ان التطورات التي حدثت بعد اغتيال المرحوم رفيق الحريري وما تلا ذلك من مداخلات أجنبية ، فرنسية – أميركية بالدرجة الاولى تجسدت في القرار 1559 وما تلاه من ضغوط على سوريا.

لا اقول إنها مطالب غير مشروعة. بل هي مشروعة ولكن في تقديري ان القيادة السورية لا تريد ان تبحث كل القضايا المعلقة زمنا طويلاً بين البلدين في جو من الاحتقان والضغوط الخارجية.

لست متفائلاُ كثيراً في أن يؤتي البيان ثماره. فمع كل صدقية واخلاص من أعده من الجانبين وتعبيره عن مشاعر قطاع كبير من المواطنين في سوريا ولبنان إلا أن مفاتيح الانفراج وبناء علاقة سليمة على الصعيد الرسمي هو – كما هو الحال في معظم العلاقات الرسمية بين الدول العربية – في يد القوى السياسية النافذة، هذه القوى التي لم تستطع حتى الآن التوصل الى عقد لقاء يطرح كثيراً من الجوانب الاساسية، التي تعرض لها البيان، على مائدة البحث... البحث الجدي والهادف الى الاصلاح.

يهدف البيان بالطبع الى تحويل القوى السياسية الفاعلة في كلا البلدين نحو تكريس علاقة قائمة على مراعاة كل طرف لمصالح الطرف الآخر والوصول الى قواسم مشتركة. ولا شك في أن البيان يشكل بقعة ضوء بعد التردي الذي اصاب العلاقات بين البلدين إثر اغتيال المرحوم الحريري. ولا يفوتني هنا أن أشير الى ظاهرة سلبية في البيانات السورية المشابهة لبيان الـ99 مثقفاً وغيره وهي الشلّلية، حيث نجد الاسماء ذاتها تقريباً في كل بيان وكأن سوريا خلت إلا من حفنة ضئيلة من المثقفين الوطنيين!

يظل البيان بقعة ضوء بالتأكيد وسط مناخ يكاد يكون مظلماً. انه تعبير عن ارادة شعبية. ومن حسن الحظ ان العلاقات بين شعبي البلدين لا تزال قوية وستظل كذلك بحكم الوشائج وصلات القربى والمصالح المشتركة. حتى رجل الشارع العادي في كلا البلدين يشعر ان ازمة العلاقات بينهما ليست اكثر من سحابة صيف، ولا تستطيع السياسة ان تفسدها. والمطلوب الآن تصحيح العلاقات على الصعيد الرسمي. وهذا ما هدف اليه البيان.

أحب ان انوه اخيراً انه لا توجد علاقة بين شعبين عربيين بمثل هذه الحميمية. واعترف بأنني لا أجد نفسي في بلدي الا في لبنان حيث لا ينتابني اي شعور بالغربة. نعم في لبنان اشعر انني في وطن هو امتداد جغرافي وقوميلسوريا.

اعتز باصدقائي واقربائي اللبنانيين. اشعر انهم قريبون اليّ في التفكير وفي النظرة الى الامور وتحليلها. في ضوء هذا الشعور قرأت البيان. إنه بادرة تعبر عن مشاعر واقتناعات كثير من المثقفين، بل وحتى المواطنين البسطاء، في كلا البلدين. ولا أحسب السياسيين في كلا البلدين لا يدركون تماماً هذه المشاعر والاقتناعات. ولكن للسياسة حساباتها واساليبها المختلفة في معالجة الأمور.

كان شعار المثقفين السوريين واللبنانيين في كلا البلدين: بدلاً من أن تلعن الظلام أشعل شمعة واحدة. وأحسب ان هذا ما فعلوه.