يمكن تقويم نتائج جلسات الحوار التي انعقدت حتى الآن على النحو الآتي:

القرارات التي صدرت بالاجماع يتوقف تنفيذها على موافقة سوريا وخصوصا اقامة تمثيل ديبلوماسي بين لبنان وسوريا وترسيم الحدود بما فيها حدود مزارع شبعا، ولا سبيل لتنفيذ هذه القرارات ما لم يتم اتفاق على بدء محادثات لبنانية – سورية توصلا الى عودة علاقات طبيعية وجيدة بين البلدين. وليس ما يدل حتى الآن على رغم كل المساعي العربية، على ان في نية سوريا تحديد موعد لبدء هذه المحادثات لانها ليست مستعجلة لتنفيذ القرارات التي صدرت بالاجماع عن مؤتمر الحوار ما لم تصبح الاجواء مؤاتية وتتوقف الحملات على سوريا، وربما في انتظار تشكيل حكومة جديدة يرتاح اليها الحكم السوري. وهو ما يعمل من اجله بواسطة حلفائه في لبنان، ولم تكن تظاهرة 10 ايار سوى اول الغيث.

بقاء الرئيس لحود في منصبه حتى اشعار آخر، ان لم يكن حتى نهاية ولايته وهو ما تريده سوريا، ما دام الفريق الشيعي والعماد عون يعارضان تنحية الرئيس لحود الا بعد الاتفاق على المرشح البديل الذي سيخلفه وما دامت قوى 14 آذار ترفض ذلك وترى ان يصير الاتفاق اولا على تنحية الرئيس لحود وبعدها تطرح اسماء المرشحين، فاذا لم يحصل اتفاق على مرشح واحد فانه يترك لمجلس النواب التصويت بحيث يفوز من المرشحين من ينال اكثرية الاصوات المطلوبة.

هذا الوضع يجعل قوى 14 آذار بين خيارين حيال ازمتها مع الرئيس لحود: اما القبول بمرشح توافقي من خارج صفوفها، او الاصرار على ان يكون المرشح من صفوفها وتحمل بقاء الرئيس لحود في منصبه حتى نهاية ولايته.

بقاء سلاح "حزب الله" الى اجل غير معروف اذا تعذر التوصل الى اتفاق على "الاستراتيجية الدفاعية" ويبقى البند المتعلق بهذا الشأن من القرار 1559 من دون تنفيذ مثل القرارات الدولية الاخرى، الا اذا واجه لبنان في حال عدم تنفيذه ما تبقى من بنود هذا القرار، ما لا يستطيع مواجهته.

الواقع ان بين المتحاورين من يرى وجوب التخلي عن سلاح "حزب الله" بعد تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بالمقاومة او بالديبلوماسية، ولا سبيل الى تحرير هذه المزارع الا بعد ترسيمها تثبيتا لملكية لبنان لها لان مطالبة اسرائيل بالانسحاب منها قبل اجراء هذا الترسيم تجعل هذا الانسحاب متعذرا الا بعد اجراء مفاوضات مع اسرائيل طبقا لما ينص عليه القرار 242، في حين ان ترسيم حدود هذه المزارع لتثبيت ملكية لبنان فيها، من شأنه ان ينقل وضعها من احكام القرار 242 الى احكام القرار 425 بحيث يتم انسحاب اسرائيل منها، من دون قيد او شرط ومن دون مفاوضات. وما دامت سوريا تطالب بانسحاب القوات الاسرائيلية من مزارع شبعا وبعد ذلك يتم ترسيم حدودها بالاتفاق بين لبنان وسوريا، فان اسرائيل لن تنسحب منها فيبقى وضع المزارع على ما هو حاليا، ويبقى سلاح المقاومة...

اما الاتفاق على "استراتيجيا دفاعية" تقرر مصير سلاح "حزب الله" ودوره فقد لا يقل التوصل اليه صعوبة وتعقيدا عن حل "ازمة الحكم" التي اعترف جميع المتحاورين بوجودها لكنهم لم يتفقوا على حل لها. وبين المتحاورين من يرى ان يعتمد لبنان الاستراتيجية الدفاعية المعتمدة في سوريا لمواجهة خطر اعتداء اسرائيلي او ان ينخرط "حزب الله" في الجيش او يشكل لواء من عناصر المقاومة يوضع بأمرة قيادة الجيش، كي لا يبقى سلاح في البلاد خارج الشرعية.

ويرى آخرون ان الوضع على الحدود الاسرائيلية – السورية يختلف عن الوضع على الحدود اللبنانية الاسرائيلية، فلا خروقات اسرائيلية جوية او برية او بحرية مع سوريا كما هي الحال مع لبنان، وان دور المقاومة في التصدي لاسرائيل يختلف عن دور الجيش، ولا يمكن الخلط بينهما. ويرد متحاورون على ذلك بالقول ان اسرائيل تقوم بخروقات في لبنان لان جبهته مع اسرائيل مضطربة وغير هادئة في حين ان جبهة سوريا مع اسرائيل هادئة ولا تبرر حصول خروقات.

ومع ان القرارات التي صدرت عن مؤتمر الحوار تبقى من دون تنفيذ اذا لم توافق سوريا على تنفيذها، فإنّ عدم التوصل الى اتفاق في هذا المؤتمر على مصير الرئيس لحود ومصير سلاح المقاومة يبقي الوضع على ما هو ويجعل الحوار يدور في حلقة مفرغة.

وترى اوساط سياسية محلية واقليمية ودولية انه من الافضل ان يستمر الحوار ولو في حلقة مفرغة على ان يتوقف لئلا ينتقل الصراع الى الشارع حول المواضيع الخلافية او الى التراشق الكلامي والتصعيد السياسي المضر بالاوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية خصوصا على ابواب فصل الصيف، الذي يتطلب من الجميع الاتفاق على هدنة حتى يمر هذا الفصل من السنة بهدوء.

والسؤال المطروح في ظل الوضع الراهن هو: حتامَ تستمر المرحلة الانتقالية التي تعيش البلاد في ظلها، وهي مرحلة صراع بين سلطة منبثقة من قوى 14 آذار وسلطة لا تزال من بقايا الوصاية السورية؟ وهل في الامكان تحقيق تعايش بين السلطتين حتى انتهاء ولاية الرئيس لحود، وان يتم التوصل الى اتفاق على "برنامج اصلاحي" يمهد لعقد مؤتمر بيروت للدول المانحة؟

ثمة من يقول ان كلتا السلطتين المتصارعتين تراهنان على حصول شيء ما يغير موازين القوى ويجعل احداها تتغلب على الاخرى. فسلطة قوى 14 آذار تراهن على تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج برامرتس وما سوف يتضمنه من اتهامات يجعل كفتها ترجح على كفة السلطة الاخرى فتصبح عندئذ قادرة على اكمال عملية التغيير، والسلطة التي لا تزال من بقايا الوصاية السورية سوف تنتفض على سلطة قوى 14 آذار، اذا خلا تقرير برامرتس من الاتهامات فيصير عندئذ اخلاء الضباط الاربعة، ويشتد الخناق على الحكومة توصلا الى اسقاطها كي يتم تشكيل حكومة جديدة يكون تشكيلها بداية العودة بالبلاد الى ما كانت عليه قبل 14 آذار.

اما اذا تأجل صدور قرار برامرتس بدعوى استكمال جمع المعلومات وتقصي الحقائق، فان الصراع بين السلطتين سوف يستمر بين ساخن حينا وبارد حينا آخر، الى اجل غير معروف، وتبقى في ظل هذا الصراع "ازمة الحكم" وسلاح المقاومة...