اجرت مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع في بيروت، معنية بالقرار 1559، مراجعة لردود الفعل على القرار الجديد لمجلس الأمن رقم 1680 الذي صدر الأربعاء الفائت (17 أيار)، فلاحظت أن مضمونه يجيب عن بعض التساؤلات التي أثارها منتقدوه أو المتحفظون عنه كسوريا و"حزب الله" ووزير الخارجية فوزي صلوخ الذي لم يخرج في أي حال عن موقف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من القرار.

وتدرج المصادر الديبلوماسية مراجعتها هذه في الآتي:

خلافاً لما عكسته دمشق برفضها اياه، فان القرار 1680 لم يرمِ الى ممارسة ضغط على سوريا بغية إحراجها، وإنما اكتفى بتوجيه رسالة اليها طلبت منها التجاوب مع إرادة المجتمع الدولي في تصويب علاقتها بلبنان عبر إقامة علاقات ديبلوماسية كاملة معه وترسيم الحدود بين البلدين. وهو إذ يطلب اليها ذلك، فمن باب تشجيعها وليس التضييق عليها. وتالياً ليس لسوريا أن تصف القرار بأنه استفزازي وتعدّه رسالة سلبية، مع أن الدول الثلاث صاحبة مشروع القرار، الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، كانت تتوقع سلفاً رفض سوريا اياه.

الأمر نفسه بالنسبة الى مبرر آخر لرفض القرار ساقته دمشق إذ اعتبرته يمس شأناً سيادياً. وبحسب المصادر الديبلوماسية نفسها فإن الفقرة الرابعة منه إذ تطلب الى سوريا استجابة القرارات التي اتخذها مؤتمر الحوار الوطني اللبناني بالاجماع في بندي التمثيل الديبلوماسي وترسيم الحدود، تُدرج هذا المطلب في سياق حوار ثنائي يفترض أن ينتهي الى نتيجة إيجابية هي في صلب ما تحدث عنه تكراراً الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وخصوصاً في زيارتيه الاخيرتين للسعودية ومصر، عندما حضّ دمشق على التجاوب مع إرادة المجتمع الدولي عدم التدخل في الشؤون اللبنانية ومساعدة لبنان على تحقيق سيادته، من أجل تسهيل عودتها الى "الحظيرة الدولية".

مقدار توجهه الى دمشق، فإن القرار أولى أيضاً أعمال مؤتمر الحوار الوطني أهمية خاصة كونه يجسّد فكرة استقلال لبنان. ومع أن صدوره كان في مناسبة مناقشة المراحل التي قطعها تنفيذ القرار 1559، إلا أنه وجّه الإنتباه الى أن المجتمع الدولي يتبنى قرارات مؤتمر الحوار، وان ما أبرزه هو نفسه ما كان قرره الزعماء اللبنانيون في حوارهم. إلا أن ذلك ينبغي أن يحمل سوريا كذلك على ألا تكون عقبة في طريق الحوار اللبناني، وان تعمل على تشجيعه بتنفيذ ما هو مطلوب في نطاق مسؤولياتها حيال لبنان.

لم يأت القرار على ذكر إيران و"حزب الله" بسبب إصرار فرنسي على اتسامه بلهجة معتدلة توجّه رسالة واضحة. إلا أن ذلك ينبغي ألا يعني أنه يتجاهل إسرائيل وانتهاكاتها للسيادة اللبنانية. وتالياً، بحسب المصادر الديبلوماسية نفسها، فإن الفقرة الثالثة من القرار التي تحدثت عن "كل الدول والأفرقاء المعنيين" انطوت على إشارة ديبلوماسية الى إسرائيل كذلك. الأمر الذي يفترض أن يبدد انتقادات "حزب الله". ولا يوجه القرار اتهاماً مباشراً الى إيران بالتدخل في لبنان على نحو ما كان يرغب الأميركيون، ولكنه لا يستثني إسرائيل من بين الدول التي تحاول عرقلة جهود الحكومة اللبنانية لتحقيق السيادة الوطنية والإستقلال السياسي لهذا البلد.

على أن مجرد تفادي القرار ذكر "حزب الله" يتضمن في ذاته رسالة إيجابية أخرى الى مؤتمر الحوار انطلاقاً من موقف كان الفرنسيون، في حملتهم الديبلوماسية لدى الأميركيين لتسويق هذا الجانب، يكررون نظرة باريس الى القرار 1559. وهو أنها تعتقد أن حل المشكلة يكون في إطار لبناني – لبناني دون تسمية الجهات المعنية بالضرورة، حتى وان اقتضى تطبيق القرار مساراً طويلاً.

رغم امتناع روسيا والصين عن التصويت لأسباب تتصل بتأييد الموقف السوري، فإن انضمام قطر الى الدول التي اقترعت للقرار إنما أتى حصيلة مشاورات لم تنقطع في الساعات السابقة لصدوره مع السعودية ومصر بغية الحصول على تأييدهما له. وبذلك ضمن تأييد قطر للقرار الغطاء العربي الكامل الذي أملت فيه الدول الثلاث صاحبة القرار. وبحسب المصادر الديبلوماسية نفسها، فإن القرار لم يكن ليصدر لو بدا أنه يزيد عزلة سوريا دولياً، وهو ما ترفضه الرياض والقاهرة.

ماذا بعد صدور القرار؟

في تقدير المصادر الديبلوماسية نفسها، إن ثمة أكثر من سبب قد يحمل دمشق على إبقاء أبوابها موصدة في وجه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ومباشرة مناقشة جدية للعلاقات بين البلدين. بعضها يرتبط بتقويمها السلبي للقرار 1680، والبعض الآخر إرتياحها الى التوازن السياسي الجديد الناشىء في لبنان منذ بدأ مؤتمر الحوار الوطني. علماً أن أكثر من ديبلوماسي رفيع من الدول الوثيقة الصلة بالقرار 1559 سمع قبل صدور القرار الأخير انطباعات إيجابية من رئيس مجلس النواب نبيه بري عن "الأبواب المفتوحة" للسنيورة لسلوك طريق دمشق.

وقد لا يكون الأمر كذلك بعد 17 أيار.