قال مرجع حكومي ان مماطلة سوريا في استجابة المطالب اللبنانية هي التي تؤدي كل مرة الى تدخل دولي او عربي وعندما يحصل هذا التدخل وتصدر القرارات عن مجلس الامن في شأن هذه المطالب تبدي سوريا استياءها وترى في صدور هذه القرارات "تدخلاً في صلب الشؤون السيادية والعلاقات الثنائية للدول الاعضاء في الامم المتحدة، واداة ضغط غير مبررة واستفزازاً يعقّد الامور بدل حلها".واضاف المرجع نفسه ان سوريا التي ظلت تماطل مدى سنوات في تنفيذ ما نص عليه اتفاق الطائف لجهة اعادة انتشار قواتها في لبنان تمهيداً لانسحابها الكامل من اراضيه، هي التي تسببت، عبر هذه المماطلة المتعمدة، في جعل مجلس الامن الدولي يصدر القرار 1559 الذي لم يكتف بدعوة سوريا الى انسحاب قواتها انسحاباً كاملاً من لبنان، بل بدعوتها الى احترام الدستور اللبناني وعدم التمديد للرئيس لحود لان في ذلك مخالفة للدستور، وينبغي بالتالي اجراء انتخابات رئاسية حرة لا تَدَخّل فيها، ودعا هذا القرار ايضاً الى نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، التي يقصد بها سلاح "حزب الله" وسلاح الفصائل الفلسطينية، كي تستطيع الدولة اللبنانية بسط سيادتها على كامل اراضيها، ولا يبقى سلاح خارج شرعيتها.

وسوريا التي حاولت عرقلة تشكيل لجنة تحقيق دولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وكذلك عرقلة تشكيل محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة المتهمين بارتكاب هذه الجريمة، هي التي جعلت مجلس الامن الدولي يصدر قرارات في شأنها.

وعلى رغم مطالبة الحكومة اللبنانية باقامة تمثيل ديبلوماسي وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا ولاسيما تحديد مزارع شبعا توصلاً الى تحريرها من الاحتلال الاسرائيلي، وعلى رغم صدور قرارات بالاجماع في شأن هذه المطالب عن مؤتمر الحوار اللبناني، فان الحكومة السورية اخذت تماطل في استجابة ذلك، بالقول ان ترسيم الحدود ينبغي ان يبدأ من الشمال وليس من مزارع شبعا كما يطالب لبنان، لا بل ذهبت الى اعتبار المطالبة بترسيم حدود مزارع شبعا مطلباً اسرائيلياً...

ان مطالبة سوريا بأن يبدأ ترسيم الحدود من الشمال، هي ممارسة لسياسة المماطلة وكسب الوقت بحيث لا تصل عملية الترسيم الى مزارع شبعا الا بعد سنوات، مما يدل على ان لا مصلحة لسوريا في تحرير مزارع شبعا من الاحتلال الاسرائيلي بمعزل عن تحرير الجولان، لئلا يشكل ذلك فصلاً للمسار اللبناني عن المسار السوري، حتى وان لم يؤد هذا الفصل الى عقد اتفاق سلام مع اسرائيل يصفه بعض حلفاء سوريا بأنه اشبه باتفاق 17 أيار جديد، على رغم تأكيد الحكومة اللبنانية وجميع القيادات في لبنان رفض عقد اي اتفاق مع اسرائيل الا بعد توصل سوريا الى عقده اولاً معها، ويكون لبنان آخر دولة عربية توقع السلام مع اسرائيل.

ومن جهة اخرى، لا تريد سوريا تحرير مزارع شبعا من الاحتلال الاسرائيلي لئلا يزول مبرر احتفاظ المقاومة الاسلامية وتحديداً "حزب الله" بالسلاح الذي ترى فيه قوة رادعة، ليس لحماية لبنان من اي عدوان اسرائيلي بل لحماية سوريا ايضاً. ان النظام السوري ما كان ليسهل عمل المقاومة من اجل تحرير الجنوب اللبناني المحتل لو لم يكن لمزارع شبعا وضع آخر، اذ كان يعارض انسحاباً اسرائيليا من لبنان، لئلا يفضي الى انسحاب القوات السورية أيضا من لبنان، ظناً منه ان بقاءهما وانسحابهما متزامن.

لذلك، فإن مزارع شبعا التي تبقى مثل مسمار جحا، وهي خاضعة لاحكام القرار 242 وليس لاحكام القرار 425 التي يخضع لها الجنوب المحتل، جعلت سوريا تساعد المقاومة على تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي، لأن مزارع شبعا تبقى ارضاً محتلة وتبرر استمرار المقاومة من اجل تحريرها، وكما يبقى تحريرها موضوع نزاع مع اسرائيل ومع مجلس الامن حول ملكيتها، بحيث انهما يعتبرانها ملكاً لسوريا ولا سبيل الى انسحاب الجيش الاسرائيلي منها الا بعد الدخول في مفاوضات تطبيقاً للقرار 242، وان ادعاء لبنان ان هذه المزارع لبنانية يحتاج الى اجراءات قانونية تبدأ بترسيم الحدود بين لبنان وسوريا لمعرفة ملكية كل منهما فيها واعتراف الامم المتحدة بعد اتخاذ هذه الاجراءات بهذه الملكية كي يصير البحث ممكناً في انسحاب القوات الاسرائيلية من الارض التي يملكها لبنان من هذه المزارع. وما دامت سوريا ترفض حتى الآن ترسيم حدود مزارع شبعا، فان البحث في تحريرها من الاحتلال الاسرائيلي يبقى متعذراً وبالتالي يبقى هناك مبرر لاحتفاظ المقاومة بسلاحها.

اما اقامة تمثيل ديبلوماسي بين لبنان وسوريا، فان الحكومة السورية على رغم اعلان قبولها ذلك من حيث المبدأ، ربطت البحث في اقامة هذا التمثيل بتحسن الاجواء السياسية وزوال التوتر السائد في العلاقات بين البلدين.

ان هذا التعاطي السوري مع المطالب اللبنانية، هو الذي دفع مجلس الامن الى التدخل واصدار القرار 1680 الذي "يشجع بقوة الحكومة السورية على استجابة طلب الحكومة اللبنانية ترسيم الحدود المشتركة خصوصاً في المناطق التي يدور حولها التباس او متنازع عليها، واقامة علاقات ديبلوماسية كاملة وفتح سفارات في البلدين"، معتبراً ان "اجراءات من هذا النوع ستشكل خطوة اساسية نحو تأكيد سيادة وسلامة الاراضي اللبنانية وتأكيد الاستقلال السياسي للبنان وستحسن العلاقات بين ا لبلدين، مما يساهم مساهمة فعالة في تحقيق الاستقرار في المنطقة".

وسئل المرجع الحكومي ما العمل اذا لم تنفذ سوريا قرار مجلس الامن واستمرت في المماطلة، او اتخذت من صدوره ذريعة للقول انه زاد الوضع تعقيداً بين لبنان وسوريا، واحدث كما قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم "عوامل لتأزيم الوضع اللبناني الداخلي ونشوء حالة انقسام بين صفوف الشعب اللبناني" فاجاب ان للقرار 1680 قوة القانون الدولي الذي على سوريا تنفيذه عاجلاً ام آجلاً في حين ان بقاء موضوع ترسيم الحدود واقامة تمثيل ديبلوماسي محصوراً بين لبنان وسوريا، فان هذا الموضوع لن يكون له قوة القانون الدولي، وتستطيع سوريا ان يبقي البحث فيه معلقاً وبته مؤجلاً الى اجل غير معروف.

وكان وكيل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الذي اجرى مشاورات مع اعضاء مجلس الامن قبل صدور القرار 1680 قد أعلن انه لا يوجد اي مبرر لاصداره وانه لا يخدم على الاطلاق سيادة واستقلال لبنان وهو تدخل مباشر للنيل من سيادته واستقلاله...ويبدو من هذا الكلام ومن كلام آخر صدر عن مسؤولين سوريين، ان لبنان قد يواجه بعد صدور القرار مزيداً من التعقيدات والتأزم في علاقاته مع سوريا، الامر الذي يتطلب معالجة بمساعدة دول شقيقة وصديقة، وهذه المعالجة تبدأ بتحديد موعد قريب لإجراء محادثات لبنانية - سورية.

وختم المرجع نفسه بالقول ان القرار 1680 ليس القرار الاول الذي صدر عن مجلس الامن حول ما تضمنه كي يشكل سابقة كما يدعي البعض، بل سبق ان صدر عن المجلس القرار 833 عام 1993 تناول المسائل العالقة بين العراق والكويت وتشكلت لجنة دولية لترسيم الحدود بين البلدين وطلب من العراق والكويت احترام حرمة الحدود الدولية بينهما كما خططتها اللجنة بعدما كان العراق يرفض الاعتراف بجارته الكويت، والحالة بين لبنان وسوريا شبيهة بالحالة التي كانت سائدة بين العراق والكويت، اذ لا ترسيم للحدود بينهما ولا تمثيل ديبلوماسي.

واذا كان العراق لم يحسم الوضع السياسي والحدودي بينه وبين الكويت الا بعد تدخل المنظمة الدولية، فهل تحسم سوريا مثل هذا الوضع بينها وبين لبنان بعد صدور قرار مجلس الامن 1680، أم انها ستواصل سياسة الممانعة والمماطلة؟