حتى ما قبل صدور قرار مجلس الأمن رقم 1680 كان الإنطباع السائد أن أبواب دمشق مفتوحة أمام رئيس الحكومة فؤاد السنيورة. وهو انطباع سمعه أيضاً سفراء دول كبرى من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أطلعهم على جانب من زيارته الأخيرة لدمشق في 7 أيار. على أن بري يثير الآن علامات استفهام حيال الأبواب المفتوحة التي ربما تكون قد أوصدت.

فالرجل ذهب الى دمشق بصفته محاوراً، مقدار ما هو حليف لسوريا. وأتت مهمته هذه في سياق أعمال مؤتمر الحوار الوطني الذي كان قد عرض من هم الأفرقاء القادرون على محاورة الفلسطينيين والسوريين بغية وضع قرارات الإجماع التي اتخذها المؤتمر موضع التنفيذ. وقيل يومذاك أن المحاورين المحتملين للفلسطينيين هم بري ورئيس الغالبية النيابية سعد الحريري والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، ومحاوري السوريين بري ونصرالله. وكان رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط في مقدم من حضوا رئيس المجلس على فتح حوار مع دمشق يمهّد لحوار لبناني - سوري. والمهمة التي حددها بري لزيارته دمشق كانت إطلاع الرئيس السوري بشار الأسد والقيادة السورية على نتائج الحوار الوطني اللبناني. وتقول اوساطه انه لم يطلب مقابلة الأسد إلا بعدما عبر الحدود اللبنانية - السورية.

النتائج التي عاد بها رئيس المجلس من لقائه الأسد ثم اجتماعه الساخن، الى حد ما، مع عدد من المسؤولين السوريين الكبار تتلخص بالآتي:

تأييد الأسد الحوار الدائر بين اللبنانيين.

استعداده لإقامة علاقات ديبلوماسية لبنانية – سورية، وذكّر بري بأنه سبق أن أعلن هذا الإستعداد بإيجابية كاملة قبل انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان 2005.

موافقته على ترسيم الحدود اللبنانية - السورية.

أبواب دمشق مفتوحة للمسؤولين اللبنانيين بمن فيهم السنيورة.

كان المقصود من البند الأخير، وهو المهمة الفعلية لبري في دمشق والتي تشكّل وعاء لسائر المطالب، فتح باب الحوار بين الحكومتين اللبنانية والسورية. وتالياً رغب بري من الرئيس السوري في أن تكون الأبواب المفتوحة أمام السنيورة من دون شروط مسبقة، على أن يصير، في ضوء اجتماعه بالأسد، الإتفاق على جدول أعمال الحوار اللبناني - السوري.

وفي اجتماعهما روى رئيس المجلس للرئيس السوري طرفة عن فتاة مدللة زوّجها والدها، ثم ما لبثت أن عادت اليه في وقت لاحق وقد تعرّضت لضرب مبرح. فهدأ والدها من روعها. وبعدما قدّم اليها فنجان قهوة، انهال عليها بدوره بالضرب وأوصاها بأن تخبر زوجها بأن في وسعه هو، أي والدها، أن ينتقم لضرب ابنته من صهره بأن يضرب زوجته. وقال بري للأسد: "البنت والزوجة واحدة”. وكذلك شأن لبنان وسوريا. تتعرّض سوريا لضغوط دولية باستخدام لبنان معبراً لذلك، فإذا به يدفع الثمن مرتين على أنه في وقت واحد الإبنة والزوجة.

وحضه على تقديم المساعدة "لئلا نكون كمن يلحس المبرد لأن ما يتعرّض له لبنان في علاقته بسوريا، وما تتعرّض له سوريا عبر لبنان، خيّر معبّر عن الواقع الذي وصلنا اليه، وهو أننا نلحس المبرد". وهذه العبارة كررها في أكثر من مناسبة بعد عودته من دمشق.

فور عودته في 7 أيار خابر بري السنيورة الذي كان يزور لندن وأطلعه على النتائج الإيجابية لزيارته موضحاً له "ان طريق دمشق سالكة وآمنة"، وأمل في لقائه من أجل الإتفاق على موعد لزيارة رئيس الحكومة العاصمة السورية. على أن السنيورة، أثر عودته من العاصمة البريطانية في 9 أيار، لم يتصل ببري إلا بعد أسبوع، وتحديداً الإثنين 15 أيار قبل يوم من التئام مؤتمر الحوار الوطني عندما تغدى الى مائدته في عين التينة في حضور النائبة بهية الحريري، واطلع منه على نتائج الزيارة تلك. على امتداد ذلك الأسبوع لم يبدِ رئيس الحكومة اهتماماً بنتائج زيارة رئيس المجلس دمشق، فأدرك بري ان السنيورة لا يرغب في التوجه الى دمشق والتحاور مع المسؤولين السوريين.

وفي حصيلة تقويم رئيس المجلس للموقف السوري من مؤتمر الحوار الوطني، أن بنوده قابلة للتنفيذ ولاسيما منها ذات الصلة بتعاون سوري مباشر. ويدافع عن وجهة النظر التي تقول بترسيم الحدود اللبنانية - السورية من الشمال الى البقاع باعتبار أن ما قرره مؤتمر الحوار في مزارع شبعا هو تحديدها وليس ترسيمها كون المشكلة مع إسرائيل التي تحتل هذه المزارع، وليس مع سوريا.

ويعتقد أيضاً أن معظم الحدود اللبنانية – السورية، على امتدادها من الشمال الى البقاع، في حاجة الى ترسيم إما بسبب الفوضى في بعض المناطق على نحو ما حدث في ينطا أخيراً، او جراء تداخل قرى لبنانية في الهرمل وبعلبك في أراض سورية ولا يمكن الوصول اليها إلا باجتياز الحدود. وبحسب ما سمعه رئيس المجلس من الأسد، فإن دمشق مستعدة لترسيم الحدود بدءاً من الشمال بواسطة فرق عمل تتوزع على الحدود نظراً الى أن القسم الأكبر منها المشترك بين البلدين هو في الشمال والبقاع، على أن تكون ثمة نقطة بداية من مكان ما. وسمع منه ايضاً أن دمشق مستعدة لـ"وضع الأمور على السكة من غد واراحة العلاقات بين البلدين".

وما يصح على ترسيم الحدود ينطبق كذلك، في رأي بري، على بنود أخرى كان أقرها مؤتمر الحوار بالإجماع كمسألتي جمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات في غضون ستة أشهر، وإقامة علاقات ديبلوماسية لبنانية – سورية كاملة "لأن أحداً لا يتوقع أن يحصل الأمر بكبسة زر أو دفعة واحدة. وهو يتطلب بعض الوقت". ويقول بري: لا بأس أن تكون البداية بالنسبة الى السلاح الفلسطيني مثلاً من أنفاق الناعمة القريبة من مطار بيروت، بتجريد التجمعات العسكرية لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة" بزعامة أحمد جبريل من سلاحها، ثم تتوالى العملية في سائر المناطق التي تقع معسكراتها تحت سيطرة جبريل أو "فتح - الإنتفاضة". وأن تكون البداية الطبيعية بالنسبة الى العلاقات الديبلوماسية اللبنانية - السورية وقف الحملات الإعلامية وتحقيق زيارة السنيورة لدمشق.

كان ذلك كله ممكناً ووشيكاً، في رأي رئيس المجلس، لو أقدم المسؤولون على الخطوات الأولى لترجمة نتائج زيارة دمشق، وهو كان لوّح بكشف أولئك الذين يقفون عقبة في طريق الحوار اللبناني – السوري إعتقاداً منه أن الكرة في ملعب الطرفين معاً.

كان ذلك كله ممكناً ربما قبل أن ترفض سوريا قرار مجلس الأمن رقم 1680!