يمكن التوقف عند ثلاث نقاط رئيسية في قرار مجلس الأمن الأخير، الرقم ،1680 والمتعلق بالعلاقات اللبنانية السورية:

تكرار الطلب بحل الميليشيات اللبنانية، والمقصود هنا حزب الله. وهذا ما ورد سابقاً في القرار ،1559 من دون اعتبار لمصلحة لبنان في الاحتفاظ بمقاومة من هذا النوع طالما أن “إسرائيل” لم تنسحب بعد إلى الحدود الدولية المشار إليها في اتفاقية الهدنة سنة ،1949 فضلاً عن وجود أسرى لبنانيين في السجون “الإسرائيلية”، وانتهاكات “إسرائيلية” للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً وسط اعتراف قوات حفظ السلام الدولية بهذه الانتهاكات.

الدعوة إلى حل الميليشيات غير اللبنانية، والمقصود الميليشيات الفلسطينية التي تحتمي بالمخيمات من دون مطالبة “إسرائيل” بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والتي من شأنها إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم. هنا نجد تكراراً لما ورد في القرار السابق 1559 بالتزامن مع تعثّر العملية السلمية على المسار الفلسطيني “الإسرائيلي”، ومع تجاهل مستقبل اللاجئين.

ممارسة ضغط جديد على سوريا تحت ثلاثة عناوين هي: ترسيم الحدود مع لبنان، وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، ووقف نقل الأسلحة عبر الأراضي السورية إلى أطراف لبنانيين وغير لبنانيين.

نلاحظ كيف ان الضغط الدولي على سوريا وخاصة الأمريكي هو متصاعد. ومن يراجع تقارير ممثل الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن يلاحظ هذا الخط الصاعد، حيث دخلت تقاريره في تفاصيل الحياة اللبنانية السياسية والاقتصادية والمالية والقانونية، بما يُخرج مهمة ممثل الأمين العام من إطارها المحدد في القرار ،1559 ويفتح أمامها ممارسة الضغط على سوريا في إطار التحولات والتجاذبات الإقليمية والدولية. إنها عملية مرتبطة بمجريات الساحة العراقية، والساحة الفلسطينية، ومستقبل الشرق أوسطية.

إن هذه الملاحظة لا تسقط من الاعتبار ضرورة أن تعترف سوريا، قولاً وواقعاً، بسيادة لبنان واستقلاله، وأن تقيم أفضل العلاقات البينية بعيداً عن تفاصيل الأجهزة الأمنية، وتداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري.. إن العلاقات القائمة على الثقة المتبادلة، واحترام المصالح المشتركة، هي التي تدوم وتفيد البلدين. لكن الوصاية الدولية على لبنان تتسع، بالتزامن مع الضغط على سوريا، ويمكن القول ان تدويل العلاقات اللبنانية السورية جاء مطروحاً، نظرياً وعملياً، من خلال قرارات مجلس الأمن والرعايتين الأمريكية والفرنسية وغيرهما.

في المقابل، ثمة ارتباك واضح على المستوى الحكومي اللبناني، فمن الدخول في إطار سياسة الضغط على سوريا إلى المطالبة بزيارة رئيس الحكومة إلى دمشق لبحث العلاقات الثنائية، ومن المطالبة بتنحي رئيس الجمهورية اللبنانية إلى قبول التعايش معه في المدة الباقية، وهكذا تتعثر العلاقات اللبنانية السورية، بينما تلوح في الأفق من وقت لآخر مبادرات سعودية ومصرية وسودانية، لإصلاح ذات البين بين بيروت ودمشق.

إن الخشية من التدويل أمر مبرّر، وخاصة بعد تفاقم مشكلة دارفور في السودان، وتدهور الأمن الوطني العراقي، ومحاصرة الفلسطينيين شعباً وسلطة وطنية، ومن الأفضل إعطاء زخم للمبادرة العربية، وتفعيلها وصولاً إلى وثيقة تفاهم سورية لبنانية بدعم عربي، قوامها: استقلال البلدين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتفعيل الاتفاقيات البينية في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والاعلام والتجارة ضماناً لمصالح الشعبين، وصولاً إلى ترسيم الحدود وإقامة العلاقات الدبلوماسية.. هناك حاجة أكيدة لاستعادة ثقة مفقودة منذ سنة وثلاثة أشهر. ثقة قائمة على المصارحة التامة، وعلى الالتزام بما يتفق عليه. ثقة تتيح للشعبين التواصل بحرية وتعاون.

أما الإصرار على نزع سلاح حزب الله في هذه المرحلة فإنه أمر خطر على لبنان أولاً، وعلى موازين القوى الاقليمية ثانياً. ثمة حاجة وطنية لبنانية لهذا السلاح، وحاجة عربية إليه في ظل التمادي “الإسرائيلي” بالعدوان. ومن الجهل بالتخطيط الاستراتيجي وضع مطلب نزع سلاح حزب الله على طاولة الحوار الوطني اللبناني، وذلك لأن الصحيح هو رسم استراتيجيا دفاعية للبنان ترعى أمنه وسيادته، وتحدد دور المقاومة في إطار هذه الاستراتيجيا.

وإذا لم تتوصل مجموعة الدول العربية إلى استعادة الحد الأدنى من الأمن العربي في العراق وفلسطين وسوريا ولبنان ومصر والسودان فإن التدويل قادم لا محالة، وهو مكلف سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وقد يهدّد مصير الكيانات الوطنية القائمة بعد تفجّر المشكلات والنزاعات العرقية والطائفية والإقليمية الجهوية.

كيف ترتقي الحكومات العربية إلى مستوى استعادة الأمن العربي في حده الأدنى؟ الجواب عن هذا السؤال يرتبط بالحاكم والمحكوم معاً، بالسلطة الحكومة وبالشعب. فالعلاقة التبادلية بين السلطة والجمهور قائمة، ولا بد من توجيهها نحو مبادرة عربية جادة لاستعادة الأمن العربي، ولرعاية العلاقات اللبنانية السورية بعيداً من التأزم.